مؤتمر يبحث في سبل الحد من هجرتهم
مسيحيو الشرق : قلق في لبنان ونزف في العراق

الياس يوسف من بيروت : ينعقد منذ أول من أمس مؤتمر لبطاركة الشرق الكاثوليك في بلدة بزمار كسروان يركز على موضوع هجرة المسيحيين من الشرق وسبل الحد منها. ويرى المؤتمرون ان هذا الموضوع هو الأهم والأخطر الذي يقض مضاجع الكنيسة ويقلقها، لأن الوجود المسيحي في المنطقة يسيرالى مزيد من التناقص والفراغ إذا استمر الوضع على ما هو.
وتقول مصادر المجتمعين إن quot;المسيحيين يتناقصون بفعل تناقص ولاداتهم، واذا أضفنا الهجرة التي تحوّلت نزفاً دائماً فإن الشرق quot;مهدد بفقدان جزء أساسي من روحهquot; . وأكثر التقارير إيلاما عن الهجرة المسيحية وتكاثرها جاء من العراق يليه لبنان وبعده فلسطين حيث يقع المسيحيون بين أصوليتين يهودية وإسلامية ، فمصر وسورية والأردن.
وتدعو المعطيات المدعمة بالأرقام إلى القلق على المستقبل بسبب انعدام الاستقرار وغياب فرص ممارسة المواطنة والحصول على الحقوق وغياب الأمان الاجتماعي والاقتصادي، وكلها تراكمات تجعل الهجرة طموحا لكثيرين. ويقول أحد المشاركين في المؤتمر إنquot; ثقافة البقاء في الوطن والشهادة له والتمسك بالأرض تتناقص لدى هذه الجماعة. كان المسيحيون في ما مضى يتقاتلون على شبر أرض، أما اليوم فإنهم يبيعونها إما للهجرة، وفي أحسن الأحوال للنزوح الى المدنquot;.
ولا يتساوى مسيحيو الشرق في معاناة الهجرة، فلكل بلد خصوصيته، ويقول رجل الدين المشارك في المؤتمر إن لبنان يبقى quot;المساحة الأرحب للحرية والتعبير عن الرأي والمشاركة، مقارنة ببلدان أخرى، لكن الهجرة الكثيفة، خصوصا في المدة الأخيرة وفي ظرف قصير أمر شديد الخطورة نتخوف من تداعياتهquot; ، ويشير الى quot;ان لمسيحيي لبنان دورا ورسالة على مستوى الشرق، فمسيحيو بقية الدول يعتبروننا سندا لهم، حتى أن الباباالراحل يوحنا بولس الثاني حمّل كنيسة لبنان مسؤولية المسيحية ودورها في الشرقquot;.
ويمتلك البطريرك الماروني نصرالله صفير معلومات عن هجرة 250 ألف لبناني هذا الصيف عقب اندلاع quot;حرب تموز/يوليوquot; بين إيسرائيل وquot;حزب اللهquot; ، لكن مصادره لا تفصح عن نسبة المسيحيين بين هؤلاء.
أما في العراق، حيث المسيحية أرست جذورها بالقرب من مهد انطلاقتها قبل ألفي عام، فلا يزال الكلدانيون الكاثوليك والآشوريون والسريان يؤدون الصلوات باللغة الآرامية وهي لغة السيد المسيح. وهم كانوا دائما أقلية صغيرة وسط بحر من المسلمين، وفي عهد صدام حسين تعايش المسيحيون في العراق الذي يصل عددهم الى ما يقرب من المليون، مع المسلمين سواء السنّة الذين كانوا يحكمون العراق أو الغالبية الشيعية، ولكن منذ اسقاط صدام حسين، أصبح وضعهم غير واضح بصفة مستمرة، أولا لأن العديد من المسلمين العراقيين اعتبروا الغزوالأميركي - البريطاني حملة صليبية عصرية ضد الاسلام، وثانيا لأن المسيحيين يملكون تقليديا متاجر بيع الخمور.
وفي السنوات الثلاث والنصف الماضية، تعرض المسيحيون لسلسلة مستمرة من تفجير الكنائس والاغتيالات والاختطاف وخطابات التهديد التي ترسل اليهم.
وقد تراجع في كل مكان غضب المسلمين بخصوص المحاضرة التي تناول فيها بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر الإسلام قبل شهر،، ولكن ردود الأفعال استمرت في العراق، مما يؤدي الى مستوى جديد من التهديدات لأقلية مسيحية متقلصة، وهددت جماعات متطرفة عدة بقتل المسيحيين، الا اذا اعتذر البابا. وفي بغداد ألغت العديد من الكنائس الصلوات بعدما تلقت تهديدات. وبلغ عدد المسيحيين الذين فروا من البلاد، وفق تقديرات غير دقيقة مما بين عشرات الآلاف الى أكثر من مئة ألف، معظمهم توجه الى سورية والاردن وتركيا ، كما أن عدد المسيحيين الذين بقوا في بلادهم غير مؤكد أيضا. وهم كانوا في آخر تعداد عراقي أجري عام ١٩٨٧ نحو ١٫٤ مليون نسمة، الا ان كثيرين منهم غادروا خلال عقد التسعينات خلال فترة العقوبات التي فرضت على العراق. ويقدر يانادوم حنا العضو المسيحي الوحيد في البرلمان العراقي عدد المسيحيين حاليا بنحو ٨٠٠ الف، أي حوالي ٣ في المائة من مجمل عدد السكان، وقال القس الكلداني الأب اندريوس لجمعية خيرية بريطانية صيف هذا العام، ان عدد المسيحيين العراقيين الذين غادروا يقدر بنحو ٦٠٠ الف.
وتشهد مئات البلدات والقرى المسيحية التي يقطنها الكلدان والآشوريون والسريان في سهل نينوى، شمال مدينة الموصل وشرقها وغربها، سواء التي كان دمرها نظام صدام او التي نجت من زحف جرافاته الموغلة في الهدم وتغيير الهوية، حركة سريعة في هجرة معاكسة وعودة أهلها الذين كانوا غادروها قسرا وطوعا خلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي. وتسعى غالبية مسيحيي سهل نينوى وما جاوره شمالا وشرقا وغربا الى التجمع في اقليم كردستان العراق وتغيير التبعية الادارية لبلدات وقرى يبلغ عدد سكانها حوالى ١٥٠ الف نسمة، من محافظة نينوى التي لا تزال ضمنها بحسب ترتيبات العهد السابق، وذلك بانتقالها الى الاقليم. ويوضح عضو برلمان اقليم كردستان روميو هكاري، ان هذا التغيير quot;سيضمن تجمع غالبية المسيحيين العراقيين في منطقة جغرافية وادارية، كما انه سيجعل نسبتهم تزيد على ١٥ في المئة في الاقليم الذي يبلغ عدد سكانه بين ٤ و ٥ ملايين نسمة، وذلك على رغم ان نسبتهم تبلغ ما بين ٣ و ٤ في المئة ضمن العراق الذي يبلغ عدد سكانه حوالى ٢٥ مليون نسمةquot; . ويضيف ان quot;تجمعهم في اقليم واحد سيوحد أنظمة شؤونهم في المجالات المختلفة، ويعزز أهمية صوتهم ويرسخ صمودهم ضد محاولات احتوائهمquot;.