بين اعتراضات لحود واتهامات الغالبية والدور الدولي
المحكمة الدولية تفجّر لبنان سياسياً

إيلي الحاج من بيروت: أعطى رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود إشارة الإنطلاق لمعركة جديدة سياسية ذات طابع إقليمي ودولي بكشفه موقفه الجذري من تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي للنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبقية الإغتيالات في لبنان، وذلك من خلال مطالعة جاءت حافلة بالتحفظات والاعتراضات القانونية والسياسية على مسودة غير قانونية وغير دستورية وضعتها الأمم المتحدة لمشروع إنشاء هذه المحكمة بالتعاون مع وزارة العدل التي يتولاها صديق لحود الوزير أسعد رزق، مما دفع إلى سجال عبر بيانات أظهرت تباعداًَ بين الرجلين .

واعتبر لحود في مطالعته التي وصفتها مصادر الأكثرية النيابية والحكومية بأنها quot;متسرعةquot; ان مشروع المحكمة لا يمكن ان يعرض على مجلس الوزراء اذا لم يحظ بموافقة رئيس الجمهورية باعتباره المسؤول عن المفاوضات الدولية بموجب الدستورالمادة ٥٢ التي تحدد صلاحياته . كما عارض توسيع صلاحيات المحكمة الدولية لتشمل الجرائم الأخرى ال ١٤ التي ارتكبت قبل اغتيال الرئيس الحريري وبعده .

كذلك رفض لحود ان يكون القضاة اللبنانيون quot;أقليةquot; في المحكمة الدولية التي ستنتظر في جريمة اغتيال الحريري، معتبرا هذا الأمر quot;سابقةquot; في القضاء الجنائي الدولي ، رافضا جعل لبنان quot;حقل تجاربquot; . واعترض على نقل الضباط اللبنانيين الأربعة القريبين منه والموقوفين رهن التحقيق الى سلطة المحكمة الدولية الخاصة باعتبار أن هذا الإجراء يعني quot;كف يدquot; القضاء اللبناني، متسائلا هل ان التحقيق الدولي بلغ نهاية المطاف، وداعيا الى فصل التحقيق عن المحكمة الدولية، وفصل وظيفة التحقيق عن وظيفة المدعي العام في المحكمة لاستبعاد تولي الرئيس الحالي للجنة التحقيق سيرج براميرتز مهمة الإدعاء.

وشكك لحود بخلفيات مشروع المحكمة الدولية وأهدافه ووصفه تكرارا ب quot;الارتباكquot;، ورأى انه يدل quot;على قرار سياسي بابقاء الوضع الأمني في لبنان والوضع الاقليمي استنسابيا وانتقائيا تحت السيطرة السياسية لأصحاب النفوذ و quot;المشاريعquot; . وسرعان ما جاء الرد من الغالبية على مواقف لحود في بيانات وتصريحات غاضبة ومستنكرة أخذت مداها في جلسة مناقشة نيابية ظهر اليوم تحدثت فيها شقيقة الرئيس الحريري النائبة بهية وعدد من أعضاء كتلته مشددين على وجوب عدم عرقلة إنشاء المحكمة واعتبار ان تدخل لحود في هذا الشأن يجيء في توقيت مشبوه من خلفية نسف المشروع وتفريغه من مضمونه، quot;مما يشكل دليلا على تورطه ودوره في جريمة اغتيال الحريري ويحمل إدانة ذاتيةquot;.

وتركز الغالبية على أن التفاوض اللبناني في موضوع المحكمة الدولية لا يعود للرئيس لحود الذي لا يمكنه التذرع بالمادة ٥٢ في الدستور، فالمحكمة الدولية ليست معاهدة دولية بل هي تتعلق بقرار دولي صدر عن مجلس الأمن بطلب من الحكومة اللبنانية، وما يجري حالياً هو بحث في التفاصيل التنفيذية لقرار متخذ من مجلس الأمن، والمفاوضات الجارية تتلاحق بموجب قرار صدر عن جلسة لمجلس الوزراء حضرها رئيس الجمهورية وترأسها بنفسه، وكلف بنتيجتها الوزير المختص وزير العدل رزق تولي المفاوضات، مع العلم ان نتائج هذه المفاوضات ستعود الى مجلس الوزراء وفقا للأصول.

واتهمت الغالبية لحود في سلسلة تصريحات وبيانات بأنه يرمي من خلال مطالعته المتأخرة، مع وصول المحكمة الى مرحلتها النهائية وبعد موافقته على كل المراحل السابقة، إلى تنفيذ طلب للقيادة السورية المتهمة الوحيدة حتى اليوم باغتيال الحريري، كمايعكس قلقها المتعاظم مع قرب تشكيل المحكمة الدولية التي تمثل أكبر تهديد لها وتريد عرقلتها بكل الوسائل.

والواضح أن هذا التطور المستجد ستترتب عليه نتائج ومضاعفات سياسية و دولية، أبرزها أنه يعيد الصراع السياسي في لبنان الى نقطة البداية التي كان فيها عام ٢٠٠٥ عندما كان الصراع متمحورا حول قضية اغتيال الرئيس الحريري التي سلكت الطرق القانونية الدولية من لجنة التحقيق الى المحكمة وسحبت الى حد كبير من التداول السياسي.

ولا يعيد هذا التطور ملف الاغتيال والمحكمة الى الواجهة فحسب، انما يطرح أيضا علامة استفهام حول طبيعة التوافق الذي توصل إليه مؤتمر الحوار على موضوع المحكمة الدولية وما سيؤول اليه في ضوء الموقف الرئاسي ، ومع الانتقال من مرحلة مبدأ تشكيل المحكمة الى مرحلة التفاصيل التنفيذية.

وبدا جلياً أن فريق الغالبية يعيد ترتيب أولوياته ليطرح من جديد موضوع رئاسة الجمهورية أولوية مطلقة لديه وبندا أول على لائحة المطالب وأي حوار او تشاور، مما سيزيد من تعقيد مهمة الرئيس نبيه بري وان يضع مبادرته التشاورية في ظروف ومناخات غير مساعدة وأكثر توتراً وتشنجاً.

وقد عزز موقف لحود البارز في مطالعته انطباعات ومخاوف لدة الغالبية ومن يدور في فلكها حول وجود صلة بين المطالبة بتشكيل quot;حكومة الوحدة الوطنيةquot; وموضوع المحكمةذات الطابع الدولي، وان من أهداف الداعين إلى حكومة جديدة تعطيل المحكمة الدولية واجهاضها على المستوى اللبناني، بعدما تعذر ذلك دولياً عبر موقف روسي سرعان ما وجد حلاً عبر مداخلات من عواصم عربية وأوروبية فاعلة.

لكنquot; حزب الله quot; يسارع الى نفي وجود أي صلة او رابط بين الموضوعين ويتصدى لأي محاولة لوضع مواقفه في هذا الإطار، كما انه ينأى بنفسه عن السجال الدائر حول موقف الرئيس لحود ولا يبدو أنه راغب في التورط فيه .

إلا أن النتيجة الأهم لهذا السجال اللبناني الذي يراقبه المجتمع الدولي عن كثب ستكون لجوء الأمم المتحدة الى بدائل والى طريق آخر يقضي باعداد مشروع قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن بشأن تشكيل محكمة دولية لا يكون للبنان رأي فيها وتكون شبيهة بمحكمة لاهاي التي كانت تحاكم الرئيس الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش ، مما يعني أن اعتراضات الرئيس لحود لا تكفي لتغيير مسار المحكمة الدولية ولوقف عملية التفاوض الجارية بين الأمم المتحدة عبر الدائرة القانونية فيها والحكومة اللبنانية عبر وزارة العدل، ذلك ان مجلس الأمن أقر في قرارين منفصلين مبدأ قيام محكمة ذات طابع دولي، وفي وسعه إذا شاء ان يتبنى قرارا جديدا ينشى محكمة لا تتطلب موافقة الحكومة اللبنانية لمحاكمة مجرمي الحرب وجرائم ضد الانسانية.

والأهمية الكبيرة لموضوع المحكمة الدولية ومحوريتها في الأزمات اللبنانية يظهرها أنه عندما وصلالمنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا الى القاهرة أخيراً، سأله الرئيس المصري حسني مبارك عن الانطباعات التي خرج بها من لبنان ، وكان الجواب ان المحكمة هذه quot; تشكل هاجسا عند الجميع وتحديا لهم ، وعندما يتم تجاوز هذا الهاجس بحد كبير من التفاهم المحلي الاقليمي الدولي، فإن المنطق يبرر القول بأن الكثير من المواضيع العالقة في لبنان وحوله قد تأخذ طريقها نحو الحل. المهم الآن هو معرفة الآلية التي يجب ان تعتمد لمعالجة هذا الهاجس، وأيضا احتساب التداعيات التي يمكن ان ترخي بثقلها على الأوضاع الاقليمية والمحلية، اذا ما تعذر الاجماع واذا لم يبادر مجلس الأمن الى أداء الدور الفصل على هذا الصعيدquot;.