علي الرز

بعد احتلال الكويت عام 1990 عقد اللقاء الشهير في جنيف بين وزيري خارجية العراق آنذاك طارق عزيز والولايات المتحدة جيمس بيكر، ويقول عزيز في احد لقاءاته الاعلامية لاحقا انه تراهن مع بيكر على ان الرئيس الاميركي جورج بوش الاب ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر يتركان منصبيهما فيما يبقى quot;القائدquot; صدام حسين في منصبه حتى ولو اخرجته قوات التحالف من الكويت... وهكذا حصل.

امس، quot;سارعquot; المحللون الى تفسير ما قاله وليد جنبلاط في جلسة التشاور اللبنانية عن تقدم المحور الايراني - السوري وتراجع المحور الاميركي على انه تحول في موقفه وهزيمة للمشروع الاميركي في المنطقة... لكن المسارعة تبدو متسرعة قليلا.

بداية لا يعلم احد فعلا ما هو المشروع الاميركي في المنطقة ولا حتى في الولايات المتحدة نفسها، هناك استراتيجية عامة وعناوين جيدة وردود فعل خاطفة واخطاء وخطايا وجرائم، وهناك حديث اميركي خافت عن انتصارات وحديث صاخب عن ورطة وخسائر، وباستثناء الدعم المطلق لاسرائيل لا توجد استراتيجية مفصلة وواضحة للمنطقة سواء كان ذلك باسم الشرق الاوسط الكبير او الحرب على الارهاب او الديموقراطية.

اما بالنسبة الى المشروع الايراني - السوري المشترك او المنفصل، فهو موجود مهما كانت عوامله ظرفية، وهو معلن مهما كانت تفاصيله متباينة، ولم يقل احد في ايران او سورية انه يخجل بوجود مشروعه او باعلانه، بل ان احدا من مسؤولي الدولتين لم يعط تفسيرا لاغتيال الرئيس رفيق الحريري الا من باب quot;المؤامرةquot; الاميركية ndash; الاسرائيلية لضرب مفاصل القوة في هذا المشروع.
بهذا المعنى لم يحصل تحول في موقف جنبلاط، فهو جزء من المشروع اللبناني المنادي بالسيادة والاستقلال قبل اغتيال الحريري وبعده، ولم تكن لدى الرجل اية اوهام في ما يتعلق بسياسات وخطط المحور الايراني السوري او بقدرة اللبنانيين وحدهم على مواجهتها، لذلك كان يقول دائما ان quot;العالم كله معنا ويدعمناquot; مستدرجا المزيد من التعاطف الدولي مع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال.

قرأ رئيس quot;اللقاء الديموقراطيquot; التطورات الدولية كما يجب ان تقرأ الآن، رأى ان العالم وبسبب السياسة الاميركية quot;الخابطة والمتخبطةquot; يفضل quot;التكاليف المحليةquot; على التكاليف الدولية، وان الارباح مع بعض الانظمة هي عمليا خسائر على المدى الطويل quot;وانتصاراتquot; للطرف الآخر، وان المواجهة غير متكافئة اخلاقيا بين انظمة لا تضع في حساباتها مصالح الدولة والمواطنين وانظمة تسقط حكوماتها تظاهرة... الم ينس ملايين العرب مقابر صدام الجماعية وانتهاكاته الدموية لشعبه والشعوب المجاورة وتذكروا فقط الانتهاكات الاميركية في سجن ابوغريب؟
اقر جنبلاط بأن سياسة quot;إما الديكتاتورية والقمع وإما الفوضى والتجزئة والتقسيم والحروبquot; نجحت
اقليميا حتى الآن في لجم اي تحرك دولي فاعل يخرج لبنان من غرفة الانعاش الى جناح الاستقرار. اعترف بأن اوراق اللبنانيين الداخلية تقلصت وان الورقة الاقوى بينها، اي المحكمة الدولية، تخضع لاختبارات صعبة دوليا واقليميا ومحليا. لاحظ ان المحور السوري الايراني يتقدم على حساب المحور الاميركي (ولا غرابة في ذلك)، وان السياسة الاسرائيلية بوجهيها المعلن (الاعتداء التدميري للبنان) والمعلن بشكل محدود (رأي تل ابيب واللوبي اليهودي في اميركا بالنظام السوري) تشكل عامل اضعاف لحركة 14 مارس... ومع ذلك كله حرص جنبلاط على تمييز موقفه عن قراءته، قائلا انه سيبقى يواجه ولو تغيرت الظروف.

الظروف تتغير ولا تستقر منذ سنوات، والقراءات تلحق بها، والانظمة التي تواجه العالم اليوم تتباهى بالارض الصلبة التي تقف عليها وتراهن مثلما فعل طارق عزيز على ان بوش الابن وطوني بلير وجاك شيراك سيغادرون السلطة فيما هي تستمر... وهذا صحيح، لكن الاصح من الصحيح ايضا النظر الى quot;المكتبquot; الذي يدير منه عزيز السياسة الخارجية للعراق اليوم وquot;القصرquot; المحاط بقضبان المحكمة الذي يوقع من خلاله quot;القائدquot; صدام حسين اوامر حروبه والاغتيالات والابادة الجماعية.لم يكمل جنبلاط في الجلسة التشاورية الاولى قراءته للتطورات... ربما فعل ذلك قبل انتهاء فترة التهديد باحتلال الشارع.

[email protected]