حزب الله يعرّض صدره ويحمي ظهره
نجاح التشاور لا يخرج البلد من عنق الزجاجة

بلال خبيز من بيروت : لا ينفك حزب الله يتحدث عن نصر مؤزر حققه في الحرب الأخيرة ضد إسرائيل. لكن هذا النصر مثلما يعرف القاصي والداني أحدث خللاً عميقاً في شروط الهدنة التي كانت قائمة بعد ربيع العام 2000. تلك الهدنة كانت أشبه بالوقت المستقطع بين حربين، لكن المبادرة فيها كانت معقودة للطرف اللبناني وليس لإسرائيل. كانت المقاومة تستطيع من حين لآخر ان تناوش في مزارع شبعا وفي مناطق اخرى وان ترد على الخروقات الجوية والبحرية والبرية من دون ردود فعل قصوى من جانب اسرائيل. وهذا بالضبط ما جعل السيد حسن نصرالله يقر ان حزب الله لم يكن يتوقع حجم الرد الاسرائيلي المدمر في الحرب الاخيرة. هذا الرد الجامح والشامل الذي قامت به اسرائيل في الحرب الاخيرة أحدث تحولاً عميقاً في قدرة حزب الله على اخذ زمام المبادرة في المناوشات مجدداً. وحين يكون الأمر معطوفاً على ارتباك في السياسة الأميركية حيال المنطقة فإن امكانية استعادة زمام المبادرة تصبح معدومة الفرص. على أي حال كان واضحاً ان اسرائيل والولايات المتحدة من ورائها ترفضان التسليم بواقع الحال الذي اسفرت عنه تلك الحرب، وتالياً، فإن المناوشات اليوم تقع بين إسرائيل وقوات الأمم المتحدة وليس مع حزب الله، أقله حتى الآن.

والحق ان التسريبات الصحافية والأمنية التي تأتي من إسرائيل لا تخفي الاستعدادات الجارية على قدم وساق لاستئناف الحرب التي لم تشهد خاتمتها، لا بل ان الحديث هذه المرة يجري بوضوح عن هجوم إسرائيلي على سورية ولبنان في آن واحد. وليس ذلك طبعاً بسبب الخطر الداهم الذي تشكله سورية على الامن الاسرائيلي، بل لأن الإدارة الإسرائيلية وهي تراقب التراجع الاميركي في المنطقة ترى سورية ولبنان ثمرتين يانعتين ويمكن قطافهما بسهولة، او على الأقل تعطيلهما على نحو ما تم تعطيل العراق من جانب قوات الاحتلال الاميركي. والحال فإن حزب الله يجد نفسه في الساحة الداخلية اللبنانية مكشوفاً ومهدداً ولا سند له. وهو لهذا يطمح إلى السيطرة على مقاليد السلطة السياسية في لبنان قبل ان تلجأ اسرائيل إلى حربها المتجددة. على هذا يبدو مفهوماً ان تضج اوساط حزب الله بالهواجس وان تتخوف من الآتي، داخلياً وخارجياً. ولا شك ان قيادة حزب الله كانت تفضل ان يتم التسليم بمطالبها من قبل الاطراف الأخرى في لبنان من دون توتير للأجواء، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، مما يفقد حزب الله ظهيراً اساسياً في الصمود في اي معركة مقبلة. وحزب الله الذي يدرك هذه المعادلة الصعبة يصر على فتح كافة القنوات السياسية الخارجية مع المملكة العربية السعودية ومع مصر إذا امكن وصولاً إلى اوروبا ايضاً لكي يستطيع ان يخوض معركة سياسية في اي حرب مقبلة بحد ادنى من مقومات النجاح.

هذه الهواجس كلها مشروعة ومفهومة عند حزب الله، لكنها لا تبدو لبنانية على الإطلاق. فحين يكون مطلب حزب الله من شركائه اللبنانيين في عمقه وفحواه يتلخص بالطلب إليهم تسويق حربه المقبلة داخلياً وخارجياً يكون كمن لا يقيم وزناً لأي دور آخر في البلد غير دوره المحارب. وهذا بالضبط ما افصح عنه الشيخ سعد الدين الحريري وهو يعلن في الجلسة الثانية للتشاور ان: quot;لم يعد لدينا ما نخشى عليه. لقد دمرت الحرب وأجواء التوتير ما كنا نسعى للمحافظة عليه، والحال فإن الشارع لم يعد يخيفنا، وسنقابل الشارع بشارع آخرquot;.

فضلاً عن هذا كله، يدرك فريق 14 آذار ndash; مارس من اللبنانيين ان السبيل الوحيد امام حزب الله ليحظى مجدداً بالدعم والتضامن اللبنانيين يتصل اتصالاً مباشراً بقرار السلم والحرب الذي يحتكر مقاليده. فليس من قبيل العدل والإنصاف ان يحتكر طرف مقاليد السلم والحرب في وقت يطلب من الاطراف الأخرى حمايته والدفاع عن سياساته التي لا يمكن لهم التحكم بمساراتها ونتائجها.

ثمة مقولات رائجة في أوساط حزب الله ومواليه تفيد ان الحرب التي جرت كانت حرب حزب الله الاخيرة وانه لن يلجأ في المقبل من الأيام إلى افتعال مشكلة على الحدود. لكنه من ناحية ثانية يريد ان يؤمن ظهره إذا ما تعرض لهجوم اسرائيلي. وهذا مفهوم واكثر من منطقي. لكن ما يدركه الجميع هو ان السبب الحقيقي الذي يجعل من حزب الله مستهدفاً ومكشوف الظهر يتصل بارتباطه الذي لا فكاك منه بالمحور الإيراني ndash; السوري، وهو ارتباط يمنع لبنان من ان يجد لنفسه خانة شاغرة بين المحورين المتصارعين. ذلك ان الدخول في اي خانة من هاتين الخانتين قد تجعل من لبنان عراقاً آخر لا قدرة له على تحمل تبعاتها المرهقة.
لهذه الأسباب كلها يبدو ان التشاور لن يصل إلى نتيجة مرضية لأي طرف من الأطراف. الامر الذي يدخل لبنان في نفق البحث الحار والساخن عن مقومات هويته ودوره بعدما ضمر الدوران اللذان كان يضطلع باعبائهما ضموراً لا يخفى على عين المراقب النزيه.