على الرز: موضوع المحكمة الدولية سيخرب لبنان. الامر لا يحتاج الى نقاش، اذ كيف يتجرأ هذا البلد الصغير - او بعض من فيه - على سلخ جلده وتغيير وجهه والتحليق بعيدا من أولويات الصراع مع إسرائيل والتمسك ببعض التفاهات التي يضحك علينا الغرب فيها مثل حقوق الانسان والحريات والسيادة. لا، والادهى والامر معرفة الحقائق في جرائم القتل والاغتيالات السياسية... وكأن هذه الاغتيالات ارتكبت لتكتشف او ليحاسب المسؤولون عنها!
صح ام خطأ؟ كانت المعادلة كذلك وستبقى... هناك صراع وجود مع اسرائيل والنظام العربي السلطوي لا يستطيع مع عدو كهذا الا رهن كل المقدرات لهذا الصراع والحكم بمركزية وبأهل الثقة. صار النظام هو البلد لانه القائد المحارب الصامد الممانع، وصار هو التاريخ لانه اسقط quot;انجازاتهquot; لعقود على كل البنى التنموية والاقتصادية فالجسر جسره والجامعة جامعته والمستشفى مستشفاه ثم عاد واسقطها على لحظات الانتصار القومية والاسلامية، وصار هو الجغرافيا لانه تمدد بفعل أسلوبه وسياسته واستحال محورا استقطابيا عصيا على التكسر.
صح ام خطأ؟ كانت المعادلة كذلك وستبقى... النصر من النظام والهزيمة من الناس والمتآمرين والخارج. الصمود من النظام واليأس والخوف والفقر والتخلف من الناس والمتآمرين والخارج. الممانعة من النظام والخيانات وإضعاف الجبهة الداخلية والتفرقة من الناس والمتآمرين والخارج. اسرائيل موجودة يا جماعة والصراع معها صراع وجود وهناك من يتحدث عن تحول اقتصادي او اجتماعي او سياسي او حريات، وكأن هناك حرية خارج المفهوم الوطني الذي حدده النظام وعمل على تدريسه للناشئة مدة عقود وكاد ان يحوله كيميائيا الى حليب للاطفال يرضعونه لحظة الولادة.
صح ام خطأ؟ كانت المعادلة كذلك وستبقى... منذ عقود والنظام العربي ينام بعين واحدة خوفا من عدو الداخل. خاض حروبا بكواتم الصوت والخنق والتفجير والاغتيالات والابادة الجماعية احيانا حرصا على نظافة المعركة مع اسرائيل وتماسك الجبهة الداخلية، وكان العالم اما لاهيا بمحاوره واما متجاهلا لحاجته لاحقا لخدمات هذا النظام او لتكريس صورته. لم يسأل احد القاتل عن سبب فعله وكان الجميع يبحثون للقتيل منذ الستينات عن تفسيرات واسباب: quot; ذهب بعيدا في معارضتهquot; او quot;المسكين ضحكوا عليه وطلعت براسوquot; او quot; يعتقد انهم سيحمونه، ها هم حموا الذي قتله ولم يمشوا في جنازتهquot; او quot;راحت عليه شو كان بدو بها الشغليquot; او quot;ما خصنا بكرا بنلحقوquot; او quot;هل كان يعتقد انه في سويسراquot;.
صح ام خطأ؟ كانت المعادلة كذلك وستبقى... تكبر الهزائم والانهيارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتكبر في الوقت نفسه هالة النظام العربي الى مراتب القداسة والخوف، فيمكنك كمواطن ان تتجاوز في تعبيراتك كل خطوط الثوابت بما فيها الدينية لكنك لا تستطيع ان تقترب ولو بالمزاح من النظام. لم نربح معارك ولم نعد نحارب ولم نتطور ولم نفعل سوى استجداء السلام مع اسرائيل مباشرة او بالواسطة ولم نقدم للاميركيين الا عروض التعاون الاستخباراتي والسياسي ومع ذلك علينا ان نصدق اعلامنا الذي يعلن اننا انتصرنا وحاربنا وتطورنا وواجهنا اميركا واسرائيل، واذا لم نفعل نصبح من اعداء الداخل وتهدر دماؤنا ويبقى التنفيذ وطريقته رهن القرار الامني.
تغيرت الدنيا ومعادلة النظام لم تتغير، فكل ما يجري حتى لو ساهم هو فيه وامن له الارضية الصالحة انما يجري بهدف محاصرة النظام ومعاقبته، وعلى الجميع ان يكونوا تابعين فالمعركة ايضا معركة وجود ولو اختلفت وجهتها وتفاصيلها، وسيعيد التاريخ كتابة المرحلة بالسياق نفسه: مخطط اسرائيلي ndash; اميركي ndash; دولي يواجهه محور قومي ndash; اسلامي متماسك وبينهما فريق يتألم لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ويقف بعض اطرافه مع المحور المعادي ويعتقدون بوجود فرصة للبنان سيدًا حرًا مستقلا لا بل quot;يوغلون في التآمرquot; ظنا منهم ان اكتشاف قتلة الحريري ورفاقه سيخلق نهجا جديدا في لبنان تتوقف معه قدر الامكان عمليات الاغتيال السياسي وتهديد الاستقرار.
ها نحن اذن امام المحكمة الدولية، وكي لا يخرب البلد بسببها على فريق 14 آذار/ مارس ان يقدر طبيعة المرحلة، فيعتذر سعد رفيق الحريري عن مطالبته بالعدالة وبكشف قتلة والده، ويعتذر مروان حماده عن عدم سقوطه شهيدا في محاولة اغتياله، ويعتذر وليد جنبلاط عن شعار quot;اسامح ولا انسىquot; فعليه ان يسامح وينسى اذا لم يرق حسه الوطني الى اتهام اسرائيل بجريمة اغتيال والده، وتعتذر الزميلة مي شدياق عن تمسك العناية الالهية بها وعن ابتسامة الحياة التي تزرعها يوميا، وتعتذر الزميلة جيزيل خوري ونعتذر جميعا عن كل دمعة ذرفت على سمير قصير، ويعتذر استاذنا الكبير غسان تويني عن تحدثه في جولة التشاور باسم دماء جبران وبقية الشهداء، ويعتذر اهل ورفاق جورج حاوي عن كل المواقف التي اعلنها قبل استشهاده حول حاضر لبنان ومستقبله، ويعتذر ذوو واصحاب باسل فليحان عن درب الآلام الذي سلكه بين عين المريسة وباريس، ويعتذر الياس المر عن فرق الثانية الذي فصل بين مرور سيارته واشتعال العبوة، ويعتذر جميع اللبنانيين عن سيرهم في جنازات المرافقين الذين استشهدوا مع الرموز المغيبة.
وكي لا يخرب البلد، لا بأس ايضا من اعتذارات بالجملة والمفرق عن استقبال السفراء الاجانب والزيارات الخارجية ولقاءات الرؤساء، ولا بأس من الاقرار بأن العلاقات الدولية يجب ان تكون quot;حصرياquot; للنظام العربي الاكثر قدرة على التعاطي مع العالم وعقد الصفقات تمهيدا لحل شامل على كل المسارات، وعلى الغالبية ان لا تتوقف كثيرا عند استجداء مسؤولين في هذا النظام العربي من لبنانيين وسوريين زيارة العواصم الكبرى بلا جدوى، فهذا ليس شغلها وما عليها اذا ارادت ممارسة فعل الاستقرار الا اعادة المركز من ريف دمشق الى عنجر والعودة الى زيارات عنجر.
محكمة دولية لكشف قتلة الحريري ورفاقه؟ هذا هو الانقلاب الحقيقي على النظام العربي السائد منذ عقود، وما على محبي الاستقرار للبنان الا رفض المحكمة والاقتداء بفخامة الرئيس اميل لحود الذي يملك الادلة، من خلال مقارنته بين حفر القصف الاسرائيلي وحفرة السان جورج، على ان quot;ضرب الرذالةquot; (حسب توصيفه) الذي حصل مسؤولة عنه اسرائيل.
اسرائيل القاتلة ودمشق ولحود يرفضان المحكمة الدولية لمعاقبتها؟ الجواب غير مهم، فالنظام العربي كامرأة القيصر فوق الشبهات، والاسئلة الكثيرة مضرة ولا تخدم الاستقرار، والشارع كفيل بإعادة الضالين الى صوابهم... المهم ان لا يخرب البلد.
[email protected]
- آخر تحديث :

















التعليقات