ارتباك المشروع الأميركي في المنطقة
هُزمت اميركا فهل ربح العراق؟

بلال خبيز من بيروت : لم تعد المعلومات التي تشير إلى تحضير اسرائيلي لحرب جديدة على لبنان سراً خافياً. خمسة الوية من الجيش تقوم بتدريبات تحضيراً لحرب قادمة في لبنان استناداً إلى دروس تجربة الحرب الاخيرة مع حزب الله. وإذ لا يمكن اعتبار التدريبات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي مؤشراً حاسماً. إلا ان ذلك لا يقلل من خطورة ما تؤشر إليه. لكن المؤشر الاخطر على الإطلاق تمثل فعلياً في نتائج الزيارة التي قام بها رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت إلى واشنطن والمباحثات التي اجراها في البيت الأبيض مع الرئيس جورج بوش. حيث بدأت الصحف الإسرائيلية بتسريب بعض المعلومات التي رشحت عن هذا اللقاء، والتي تناول فيها الجانبان موضوع الحرب المقبلة على لبنان.

طبعاً ثمة في لبنان من لا يقيم وزناً لهذه المعلومات، ويعتبر ان اسرائيل خرجت مهزومة من الحرب الأخيرة وانها لن تكررها تحت اي ظرف من الظروف. بل وثمة من يحسب، وحزب الله ليس بعيداً عن هذه الحسابات، ان هذه الهزيمة التي منيت بها اسرائيل في الحرب الاخيرة هي اولى هزائمها التي ستعقبها هزائم اخرى بالتأكيد، والتي تؤشر من دون لبس او مواربة إلى قرب زوال دولة اسرائيل. ولا تشذ تصريحات السيد خامنئي بمناسبة استقباله رئيس المجلس النيابي اللبناني السيد نبيه بري عن هذا السياق، حيث اعلن ان لبنان هو المكان الذي ستهزم فيه اسرائيل واميركا. وبصرف النظر عن التخوف اللبناني من مثل هذه التصريحات، التي تجعل منه ساحة لتصفية صراعات اقليمية، والثمن الذي قد يدفعه هذا البلد منفرداً نتيجة لمثل هذه الاحتمالات. فإن الحديث عن هزيمة اميركا واسرائيل من لبنان او من اي مكان في المنطقة يبدو بالغ الغرابة وغير مفهوم على اي وجه قرأناه.

تستند هذه القناعة بالقدرة اللبنانية او العراقية او الإيرانية على هزيمة اميركا على خلط قاتل وبالغ الخطورة بين هزيمة المشروع الأميركي وهزيمة اميركا نفسها. والحق ان المناقشات التي تجري في الولايات المتحدة حول المأزق العراقي لا تتصل من قريب او بعيد بهزيمتها او خسارتها في هذه الحرب. بل تتصل كثيراً وعميقاً بتخبط مشروعها. لكن هذا لا يعني في اي حال زوال الإمكانيات وتضاؤل القدرات الاميركية على اطلاق دينامية مشروع جدي جديد للشرق الأوسط.
على اي حال، ثمة خلافات بين الجنرالات الاميركيين حول جدوى الانسحاب السريع من العراق. هذا الانسحاب قد يحمي ارواح الجنود الأميركيين الذين يتعرضون للقتل في العراق، لكنه في نهاية المطاف لا يعني بالنسبة للجنرالات، وفي مقدمهم قائد المنطقة الوسطى الجنرال جوني ابي زيد، حقناً للدم الاميركي على طول الخط، او حتى خطة وحيدة لا بديل لها. وعليه يطرح الجنرال اللبناني الأصل خطة قوامها زيادة عديد القوات الاميركية في العراق، والعمل سريعاً وحثيثاً على تأهيل الجيش والقوى الأمنية العراقية.

لكن هذا النقاش يقع اولاً وآخراً في التكتيك اكثر مما يقع في القدرات والإمكانات وطبيعة المشاريع الاميركية في المنطقة. وما يهمنا في هذا المجال هو مناقشة مفهوم النصر والهزيمة في ما يخص المشروع الاميركي ومقاومته في المنطقة. بطبيعة الحال تستطيع ايران ان تدعي انتصاراً في مواجهة اميركا، إذا وجدت اميركا نفسها مضطرة إلى سحب جيوشها من العراق. لكن السؤال الذي يتجاهله الجميع يتعلق بالعراق نفسه. حيث يعامله خصوم الولايات المتحدة الأميركية كما لو انه جثة هامدة. تنتصر ايران على الولايات المتحدة لكن النتيجة ان العراق لم يعد موجوداً على الخريطة. وإذ تبذل الولايات المتحدة جهوداً حثيثة لبناء عراق مستقر تحت رايتها، فإن مقاومة اميركا لا تجد مفراً من تعطيل كل اسباب الاستقرار في العراق افشالاً للمخطط الاميركي. وفي المحصلة نحن امام عراق يحتضر، فيما الولايات المتحدة quot;المهزومةquot; تخطط للدخول في مشروعها من باب آخر ووفق آليات آخرى.

على هذا يبدو تصريح السيد خامنئي وسلوك حزب الله اللبناني في ما يتعلق بلبنان وهزيمة اميركا فيه، مشابهاً للمسلك نفسه في العراق، مما يعني ان اللبنانيين ينتصرون بحسب السيد خامنئي إذا ما حولوا لبنان عراقاً آخر، يحتضر كوطن واحتمال بلد، وتنبش من احشائه كافة انواع الصراعات الدموية بحث لا يبقى منه على قيد الحياة إلا العنف العاري. رغم ذلك كله، ثمة شكوك عميقة تضرب جذورها في لبنان والمنطقة عموماً وتتصل اتصالاً وثيقاً بقدرة مثل هذه المشاريع على حشر الولايات المتحدة في زاوية محددة وتقرير خطواتها المقبلة.

لم يسأل السيد خامنئي نفسه اين ستكون قيادة الثورة والممانعة ضد اميركا إذا ما قررت الولايات المتحدة وهي تنسحب من المنطقة، وبسبب من حماقة رئيسها او ذكائه الخارق، الهجوم على ايران عسكرياً وتدمير بناها التحتية والفوقية واسلحتها، وتركها قاعاً صفصفاً، على نحو اكثر قسوة وتدميرية من حربها ضد نظام صدام حسين. في هذه الحال يحق للناجين من هذه الحرب القول ان الولايات المتحدة هزمت وانكفأ مشروعها في المنطقة، لكننا لن نجد حياً يرفع شارة النصر فوق الركام.