الياس يوسف من بيروت: لم تعد قوتان رئيسيتان هما حزبا quot;التيار العونيquot; وquot; القوات اللبنانيةquot; تختزلان إلى حد كبير قيادة quot;الشارع المسيحيquot; وقاعدته في لبنان إذا جاز التعبير، فهذه المعادلة دخل عليها تعديل حوّل quot;القيادة والقاعدة quot; ثلاثية بدخول عنصر قديم- متجدد عليها هو حزب الكتائب، بفضل جهد مميّز بذله حفيد مؤسس الحزب وحامل إسمه الشيخ بيار الجميّل الذي قطعت رصاصات مكتومة الصوت درب صعوده السياسي والحزبي.
فحزب الكتائب كان بدأ يستفيق من سبات عميق ويخرج من مرحلة انعدام الوزن والإنقسامات الى مرحلة اعادة البناء والتوحد، عندما تلقى ضربة موجعة وقاسية باغتيال الشاب الذي مثل له الأمل في التجدد.وبحكم تولي الوزير الجميّل موقع رئيس مصلحة الأقاليم والمحافظات في الحزب التاريخي الذي مضى على تأسيسه سبعون عاماً بات على اتصال مباشر مع الفروع والأقسام والقواعد الكتائبية ومحور الحركة العملانية التنظيمية، والمسؤول عن ورشة اعادة البناء في كل المناطق التي جال فيها خلال الشهرين الماضيين في حركة لا تهدأ، من البترون الى زحلة مرورا بكسروان وجبيل والمتنين الشمالي والجنوبي، عاملا على افتتاح أقسام جديدة في إطار سياسة اعادة الانتشار وتوسيعه، وعلى تفعيل أقسام أخرى ورد الاعتبار و quot;الروحquot; اليها.
وتكفي الإشارة إلى ترؤسه خلال الشهرين الماضيين أكثر من ١٤٥ اجتماعا في الأقسام الكتائبية في مختلف المناطق جدد بعدها ألوف الكتائبيين القدامى بطاقاتهم الحزبية، فضلاً عن إنضواء نحو ثلاثة آلاف في الحزب الذي تلاحقت فيه احتفالات لقسم اليمين كانت ستتوّج في احتفال الكتائب بيوبيله السبعين منتصف الشهر المقبل بحفل قسم يمين لم يشهد له مثيلاً منذ زمن بعيد.
وكان بيار الجميّل الحفيد في آخر أيام حياته القصيرة يشرف على مهرجان اليوبيل ويخطط ليكون شعبيا حاشدا إيذانا بأن الكتائب استعاد عافيته وجزءا من قواعده الشعبية التي تشتتت وتوزعت على مراكز القوى والزعامات المسيحية.
وفي اختصار كان بيار الجميل quot;مشروع زعيمquot; ومشروع رئيس للكتائب ، وكان والده الرئيس أمين الجميل يعوّل عليه ويُعدّه لهذه المهمة ليكون وارثه الشرعي بعدما نجح نجله في استعادة حزب الكتائب وساهم في انجاح مشروع التوحيد الحزبي بعد عقدين ونصف من الفراق الكتائبي الداخلي، وعمل ما في وسعه لاستيعاب المصالحة بين ما كان يسمى quot;الحركة الاصلاحيةquot; والشرعية الحزبية المتمثلة بالقيادة السابقة للحزب برئاسة الرئيس كريم بقرادوني الذي كان يأمل في دور قيادي للوزير الشاب معلناً أنه لن يترشح مرة أخرى لموقع رئيس الكتائب، وسينصرف على عادته بين مرحلة وأخرى إلى وضع كتاب عن الحقبة السياسية الأخيرة.
وكان حزب الكتائب نجح في استعادة وحدته والخروج من حال التشرذم والتشتت بفضل الصيغة التي ابتكرها المحامي بقرادوني وأرست حالة من التعايش الايجابي وبينه وبين الرئيس الأعلى أمين الجميل. هذا الحل المبتكر يعني باختصار ان سقف وحدة الحزب هو الذي يجمع الكتائبيين كافة ، ومسموح تحته التباين والنقاش واجراء الاتصالات في مختلف الإتجاهات، ومن تثبت صحة رؤيته وقراءته يؤخذ بها.
بمعنى أن ثمة تبايناً في وجهات النظر داخل الحزب، ولكن هناك أيضا تفاهم على توزيع الأدوار، والقيام بمروحة اتصالات واسعة ولقاءات بين مختلف القوى السياسية والحزبية. صحيح انه حصل تفاهم داخل الحزب على أن الكتائب هو جزء منquot; قوى ١٤ آذار/ مارسquot;، ولكن الصحيح أيضا على ما يقول بقرادوني quot;أننا لا نقطع مفاصل التواصل مع أي طرف لبنانيquot; . وقبل اغتيال الجميّل كان مقرراً أن يزور وبقرادوني رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس quot;تيار المستقبلquot; النائب سعد الحريري.
ويتضح أن حزب الكتائب أكمل اعداد خطة سياسية كي يخرج من حال المراوحة الى موقع الفعل والمبادرة، وعلى ان يكون العيد ال ٧٠ مناسبة لتظهير السياسة الجديدة في ثلاثة اتجاهات: رئاسة الجمهورية وسلاح quot;حزب اللهquot; والوضع المسيحي.
على مستوى رئاسة الجمهورية، تكمن العقدة وفق هذه الخطة أو الرؤية في ضرورة تغيير رئيس الجمهورية إميل لحود الممددة ولايته والمطعون في شرعيته دولياً ومحلياً ، ولكن أيضا في استعادة صلاحيات الرئاسة الأولى بعد تأمين انتخاب رئيس توافقي، مما يؤدي الى ان تكون الصلاحيات مطابقة للمهمات المنصوص عنها في الدستور، والمتوجبة على رئيس الجمهورية ليصبح قادرا على القيام بهذه المهام المتعلقة بالحفاظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه ووصون الدستور. أما في تعلق بموضوع سلاح quot;حزب اللهquot; فإن الحل الوحيد له هو الحل السياسي.
وفي الشأن الداخلي المسيحي كان حزب الكتائب في صدد الدعوة الى طاولة حوار مسيحي على غرار طاولة الحوار اللبناني المستديرة، مقترحا ان تكون بكركي مقر هذا الحوار الذي يجب ان يتصدى للمشكلات التي يواجهها المسيحيون على كل الصعد وكل ما يتعلق بدورهم ومستقبلهم، اضافة الى وضع آليات تعاون وتنسيق في المواضيع الحساسة والحيوية المؤثرة على مصالح المسيحيين ودورهم ومشاركتهم وعلى التوازن الوطني مثل قانون الانتخابات واللامركزية الادارية الموسعة.
بعد الاغتيال البشع هل تكون الكتائب قادرة على استئناف مسيرتها وتنفيذ خططها وبرامجها الطموحة؟ وهل ستكون قادرة على استقطاب قوى ومراكز جديدة في المجتمع وفي استثمار حالة التعاطف الشعبي، أم ستكون بحاجة الى وقت لاستيعاب الضربة والانتكاسة الجديدة؟
الأكيد الغياب المبكر للشيخ بيار أمين الجميل حرم حزب الكتائب طاقة شابة وفرصة جديدة للنهوض، ولكن ثمة وجهاً آخر إيجابياً، من زاوية موضوعية، بالنسبة إلى الحزب المفجوع مجدداً، وهو يتمثل في موجة التعاطف الشعبي معه داخل بيئته.
وكان عدد المنضوين إلى الكتائب بلغ نحو مئة ألف عضو أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي في ظل بروز نجم لعم الوزير الجميّل بشير الذي انتخب رئيساً للجمهورية عام 1982 واغتيل بعد 21 يوماً، وكان يتمتع بكاريزما لافتة ويثير معه وضده مواقف قوية.

















التعليقات