طان القحطاني من الرياض: لم يكن باستطاعة المفكر السعودي الدكتور عبد الله الغذّامي أن يغادر مقر الكلية التي احتضنت محاضرته عن أزمة الثقافة العربية المعاصرة دون معاونة من رجال الأمن الذين بالكاد تمكنوا من فض الاشتباك حوله، ونجحوا في تطويق أزمة أججها متطرفون إسلاميون كانوا يريدون الاعتداء على الغذّامي بسبب ما اعتبروه quot;مخالفات شرعيةquot; حوتها محاضرته التي احتضنتها كلية اليمامة في مقرها شمال الرياض.

ومنذ الدقائق الأولى لبدء المحاضرة الفكرية سيطر متشددون إسلاميون على الصفوف الأولى من كراسي بعد أن تم حجزها لهم قبل بدء المحاضرة من قبل مناصرين شبّان ينتمون إلى التيار ذاته، وحاولوا مراراً مقاطعة المتحدثين الذين عرضوا أوراق عملهم في محاولة تشخيص الأزمة الحالية التي تعاني منها الثقافة العربية في ظل تردي الواقع السياسي، وضمور الحركة الثقافية داخليا ً.

وشارك في المحاضرة التي تأتي في إطار الأنشطة الثقافية التي تقدمها كلية اليمامة حديثة النشأة، كل من الدكتور عبد الله الغذامي أحد أعمدة التيار الليبرالي في المملكة المحافظة، الذي يعمل محاضراً في جامعة الملك سعود التي كانت رائدة التنوير الفكري محلياً خلال فترت خلت، والناقد الدكتور معجب الزهراني، منظّر الحداثة الأدبية في صحف الدولة، إضافة إلى الدكتورين صلاح فضل وسعيد حارب.

وبدأت الشرارة التي استمرّت زهاء ساعات ثلاث حين سرد الغذّامي حديثه عن الأزمة في العراق الذي يواجه تيار عنف متصاعد، كأنموذج للأزمة الثقافية العربية، قائلاً أن هناك تعددية تم القضاء عليه في بلد كان بإمكان الشيعي أن يتزوج بفتاة سنيّة، والسني يستطيع الزواج بمسيحيّة، مما يجعل من البيت العائلي الواحد مليئاً بأمزجة وأعراق في وقت واحد، الأمر الذي لم يرق لبعض من الحاضرين الذين كبّروا وأعلنوا رفضهم القاطع لهذا الأمر وتحريمه.

كما أن أحد الحضور، وهو الواعظ الديني محمد الفرّاج، قد دخل سابقاً في جدل جانبي مع عميد الكلية بحجة الاختلاط الموجود في القاعة بين الذكور والنساء اللائي كن يجلسن في مكان منعزل مغطى بلون أسود في أعلى القاعة ويشهدن المحاضرة عبر شاشة تلفزيونية، مشيراً إلى أن ذلك من المحرّمات، إضافة إلى الاعتراض على المعرض الثقافي الداخلي في بهو الكلية للسبب ذاته.

وحاول الواعظ الفرّاج مقاطعة المفكر الليبرالي عبد الله الغذّامي في ثنايا الجدل الثنائي، إلا أن الغذامي طالبه بعدم المقاطعة لأن ذلك ليس من الأخلاق في الدين مقاطعة الآخرين، مما جعل القاعة تضج بتصفيق لم يتوق لعدة دقائق من قبل مناصري المفكر الليبرالي الذي أمضى أكثر من ربع قرن من حياته كسادن للتيار الحداثي في المملكة العربية السعودية، وحين طالب أحد المتشددين الحضور بعدم التصفيق لأنه من المحرّمات، رد عليه قائلاً:quot; التصفيق تعبير عن رأي .. لن تستطيعوا مصادرة الآراءquot;.

وأسهم الأمن السعودي في تعطيل العديد من المتشددين الذين كانوا يبتغون النيل من الغذامي حتى تم الاطمئنان على مغادرته مقرّ الكلية دون مضايقات.وهذه ليست المرّة الأولى التي يهاجم فيها متطرفون مقر محاضرات ثقافية في المملكة بعد أن كانت أكثر الهجمات شهرة هي تلك التي تمت للغذّامي في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي نظم أوائل العام الماضي، وفيه حالت تعزيزات أمنية كبيرة قيام متشددين بالاعتداء اللفظي على ضيوف المحاضرات التي أقيمت على هامش المعرض الذي حظي بنسبة كبيرة من الحريّة من قبل الدولة.