علي الرز


خطاب المعارضة اللبنانية يقارن بين نتائج الحشد الضخم الذي شهدته الساحتان الجمعة وبين نتائج الحشد الذي حصل في 14 مارس (آذار) 2005 اذ ما فتئ مسؤولو الحشد الجديد يرددون ان 14 مارس اسقط حكومة الرئيس عمر كرامي ودفعه الى الاستقالة فيما الحشد الذي في رأيهم اضخم من ذاك قوبل بإصرار الرئيس السنيورة على البقاء والاستمرار.

المقارنة في هذا الاطار هي فعلا وهمية مهما كانت النتائج التي ستنتج من التحرك الجديد وبينها تعديل او تغيير الحكومة، ففي 14آذار كان التحرك الشعبي يعقب زلزالا بكل المقاييس اسمه جريمة اغتيال رفيق الحريري. جريمة سبقها تمديد للرئيس اميل لحود في ظروف يعرفها الجميع وتهديد لمن يخالف ووعيد يومي من حكومة لونها واحد للرئيس الشهيد وممارسات حقيرة دائما وصلت قبل يوم واحد من استشهاده حد اعتقال مجموعة شبان توزع الزيت على العائلات... ومن الطبيعي ان تنسحب توابع الزلزال على المشهد السياسي فتنسحب الحكومة مع بداية اعلان انسحاب الجيش السوري.

اليوم يريد محاصرو السرايا الحكومية اطاحة الحكومة الدستورية الشرعية التي انبثقت من انتخابات عامة حرة من دون وصاية للمرة الاولى منذ عقود، ويقارنون بين الحشود والتظاهرات وكأنها معيار بقاء الادارات السياسية. يرفعون لافتات ويطلقون هتافات (وبعضهم لا يصدقها) مثل ان الحكومة فاشلة وغير نظيفة وغير قادرة ومجموعة لصوص، وهي الحكومة نفسها التي كانت قبل اسابيع حكومة المقاومة الدبلوماسية والحكومة التي تحدت العالم برفضها لصيغة القرار الدولي1701 الاولى ونجحت في تعديلها، والحكومة التي تعرضت لتحديات غير طبيعية منذ تسلمها السلطة بين حرب مبرمجة على الامن في البلد لاغتيال ما امكن من الرموز وتفجير ما امكن من اماكن واوضاع وبين حرب فرضت على لبنان سجلت خلالها اسرائيل ابشع انواع الجرائم الانسانية، والحكومة التي استطاعت إقرار اكبر حشد دولي اقتصادي في مؤتمر quot;باريس 3quot; الشهر المقبل، والحكومة التي باشرت عملية إصلاح واسعة تبدأ بالمؤسسات الامنية والقضائية وتنتهي بكل الادارات، والحكومة التي ادارت باقتدار ملف التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري والجرائم التي تلتها كي لا ينضم التحقيق الى غيره ويبقى لبنان اسير إجرام يضرب وخلافات... تساعد.

كيف يقارن بين الوضعين والتحركين والحكومتين...؟ سمعنا استهزاء مستمرا بدمعة الرئيس السنيورة التي تمردت على تماسكه خلال الحرب الاسرائيلية. سمعنا استهزاء مستمرا بها من مكبرات الصوت والحشود للدلالة على ان المواجهة مع اسرائيل كانت تتطلب مقاتلين وليس بكائين، ونسي هؤلاء ماذا قدم هذا الرجل الكبير (حتى في دمعته) للبنان وللمقاتلين انفسهم خلال الحرب وسيأتي الوقت الذي تنفتح فيه الكثير من الملفات المغلقة، اما دمعته على ارواح 1200 شهيد وآلاف الجرحى وحجم الدمار والإجرام فوسام على صدره لانه انسان والانسان في حساباته قيمة حياة لا رقما في خطة او وقودا في تحرك.

ويقولون quot;الغرف المغلقةquot; وما ادرانا ما الغرف المغلقة. يريدون اسقاط حكومة في الشارع استنادا الى quot;ما قالوه في الغرف المغلقةquot;، ثم يرفضون الكشف عما quot;قالوهquot; ويؤجلون ذلك الى المرحلة الجديدة، وهي مرحلة جديدة - قديمة يقول فيها المسؤول ما يشاء ويضطر الناس الى التصديق او القمع... او الهجرة.

كيف يقارن بين الوضعين والتحركين والحكومتين...؟ المنطق الوحيد هو ارتباط ما يجري بالمحكمة الدولية اللهم الا اذا كان هناك منطق آخر عبر عنه بوضوح التحليل السياسي للتلفزيون السوري مساء الجمعة التي شهدت بداية التحرك، اذ جاء في تقويم المحلل من ساحة رياض الصلح ان حكومة السنيورة ارتكبت الكثير من الاخطاء بينها (حرفيا) quot;انها وضعت الخبر قبل المبتدأquot;...

لا ندري كيف ستترجم هذه العبارة الى شعارات وهتافات، لكننا ندري ان المبتدأ كان قبل اشهر: quot;عبد مأمور عند عبد مأمورquot;، وان الخبر تأخر الى امس لتكتمل العناصر الفعلية للجملة الاسمية.

المثل الخليجي يقول :quot;يا خبر اليوم بفلوس بكرا ببلاشquot;... وعند براميرتز الخبر اليقين.