الياس توما من براغ : شهدت المنطقة البلقانية في عام 2006 عدة أحداث مفصلية ستحدد بعضها بشكل قوي اتجاهات التطور اللاحقة في المنطقة والدول المجاورة لها بالشكل الذي يمكن له أن يجعل هذه المنطقة تدخل حالة من الاستقرار والازدهار .
وقد مثل انضمام صربيا والبوسنة والهرسك إلى برنامج الشراكة من اجل السلام احد أهم هذه الأحداث في العام المنصرم مع موافقة الاتحاد الأوروبي على توسيع صفوفه ليضم بدءا من يوم الاثنين المقبل بلغاريا ورومانيا الأمر الذي سيوسع رقعة الاستقرار والازدهار في البلقان بعد أن كانت سلوفينيا الدولة الوحيدة من يوغسلافيا السابقة التي تتمتع بعضوية النادي الأوروبي الأغنى منذ أيار/ مايو من عام 2004 .
ومع توقيع بلغراد وسراييفو وبودغوريتسا على اتفاقيات الشراكة مع الأطلسي وانضمام بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيقوى التأثير الأطلسي والأوروبي في هذه المنطقة البلقانية وبالتالي يمكن أن تتغلب المعايير والمستويات الأوروبية على المعايير والمستويات البلقانية الأمر الذي يعتبر ليس فقط لصالح البلقان وإنما أيضا وسط وغرب أوروبا لان أحداث التسعينات في يوغسلافيا السابقة أكدت ان الأمن في القارة الأوروبية لا يمكن أن يتجزأ وكذلك حالة الاستقرار والازدهار .
وعلى الرغم من العنوان الرئيس للتطورات في البلقان في العام المنصرم كان التكامل مع الناتو والاتحاد الأوروبي إلا أن المنطقة شهدت حدثا مفصليا في تاريخها سار في الاتجاه المعاكس وتمثل باستقلال جمهورية الجبل الأسود وبالتالي انتهاء آخر ما تبقى من تحالفات كانت قائمة في إطار الاتحاد اليوغسلافي السابق .
وتعتبر الطريقة التي حدثت فيها عملية انفكاك الجبل الأسود عن صربيا حضارية وديمقراطية كونها قد جرت عبر المراكز الانتخابية في استفتاء جرى في 21 أيار/ مايو وليس عبر الجبهات وفي الشوارع على خلاف الانفصالات التي حدثت في يوغسلافيا السابقة في التسعينات من القرن الماضي وكانت دموية وعنيفة وقعت فيها مجازر لم تشهد أوروبا لها مثيلا منذ فترة انتهاء الحرب العالمية الثانية .
وقد أدى انفصال الجبل الأسود عن صربيا إلى خلق واقع سياسي جديد بالنسبة إلى صربيا الأمر الذي أدى إلى سن دستور جديد للبلاد جرى التصويت عليه في استفتاء نظم في 28و29 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي فتح الباب لاتجاه البلاد نحو انتخابات نيابية مبكرة ستتم في 21 من الشهر المقبل .
وقد أدى الإعلان عن هذه الانتخابات إلى تأجيل البت الدولي في مسألة حسم مستقبل ووضع إقليم كوسوفو الواقع جنوب صربيا غير أن الألبان يشكلون فيه أكثر من تسعين في المئة من سكانه ويخضع الإقليم منذ عام 1999 إلى الإدارة المدنية الدولية وعسكريا إلى قوات كيفور .
وستدخل صربيا ومعها المنطقة البلقانية العام الجديد وهي تواجه تحديا كبيرا يتمثل في رغبة المجتمع الدولي بتحديد وضع نهائي للإقليم خلال العام الجديد بعد أن أخفقت المحادثات التي جرت في فيينا خلال هذا العام في التوصل إلى حل وسط بسبب التنافر الكبير القائم في المواقف بين الصرب والألبان فالصرب أصروا على الحل الذي يمنح الإقليم حكما ذاتيا جوهريا ولكن مع بقاء الإقليم في إطار الدولة الصربية في حين أصر الألبان على الاستقلال التام عن صربيا وبناء دولة لهم فيه الأمر الذي جعل الكرة تنتقل إلى ملعب المبعوث الدولي مارتي اهتساري الذي سيطرح اقتراحاته وتصوراته حول مستقبل الإقليم على مجلس الأمن .
ويقول مراقبون في المنطقة البلقانية إن حل مشكلة كوسوفو في العام الجديد سيكون الامتحان الأصعب للمجتمع الدولي في المنطقة البلقانية لان حل هذه المشكلة بشكل مخملي ومن دون كسر إرادة احد الطرفين سيفتح المجال لتطبيع العلاقات في المناطق الأخرى التي تسود فيها حالة من السلام الغض كالبوسنة ومقدونيا في حين أن فرض حل على طرف من طرفي النزاع قد يجعل الأوضاع تتعقد وتتوتر من جديد لاسيما إذا ما نجح الحزب الراديكالي الصربي في الفوز في الانتخابات النيابية المبكرة في صربيا وتشكيل حكومة قوية برئاسته .