أسامة العيسة من القدس : يتجنب الزعماء الفلسطينيون، إطلاق تصريحات مباشرة حول إعدام صدام حسين، خشية من زلات لسان، أو تحديد مواقف قد تكلفهم غاليا، محاولين عدم تكرار تجربة ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني الراحل، بدعمه لغزو الرئيس العراقي السابق لدولة الكويت، وهو الموقف الذي دفع الفلسطينيون ثمنه غاليا وما زالت ذيوله تخيم على علاقاتهم مع الكويت وبشكل اقل مع دول خليجية أخرى.

وفي المقابل، فان إعدام صدام فجر عيد الأضحى المبارك، كان مناسبة للفلسطينيين، ليظهروا كشعب عاطفي، لم يخفوا مساندتهم لصدام حسين منذ وقوعه في الأسر على الأقل، وان كانت ردود فعلهم الغاضبة لم تكن بقدر ما يشاع عن تأييدهم وحبهم لصدام حسين.

وعبر الفلسطينيون عن ذلك، بأكثر من أسلوب يجيدونه، وهو فتح مجالس للعزاء بوفاة صدام حسين، مثلما حدث في قطاع غزة، في أول أيام العيد، وفي مناطق مختلفة من الضفة الغربية في ثان يوم العيد.

وبعض هذه المجالس فتح بشكل فيه كثير من العفوية، مثل تحركات أخرى مستنكرة لعملية الإعدام، كما حدث في بلدة الخضر، جنوب القدس، المحاصرة بالاستيطان، والشوارع العسكرية، التي تظاهر سكانها، بعد ساعات من الإعدام، وأعلنوا الحداد لمدة ثلاثة أيام.

وحاولت القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية التي تتالف في كل منطقة ضمن لجان محلية، إمساك العصا من المنتصف، فهي لا تريد تكرار تجربة الموقف الفلسطيني خلال غزو الكويت، وفي الوقت ذاته لا تريد خسارة جمهورها، فدعت لتقبل العزاء خلال ساعات معينة من مساء ثاني أيام العيد، مع تأكيد المتحدثين باسم هذه القوى، على أن إعدام صدام حسين، بغض النظر من الموقف منه، كان قرارا أميركيا، مخالفا للقوانين الدولية، صدر عن محكمة غير شرعية.

والأحاديث التي تدور في هذه المجالس ليست كلها عن صدام حسين إنما تتناول شؤونا أخرى، مثل الخلافات الفلسطينية الداخلية، ومستقبل المنطقة، والوضع اللبناني، وتوقع بعض المتحدثين في هذه المجالس أن يكون إعدام صدام حسين بهذه الطريقة وتحميل طائفة عراقية معينة مسؤولية ذلك، مقدمة لما قال المحلل يوسف الشرقاوي تنفيذ خطة ضد أبناء هذه الطائفة.

وهذه ليست المرة الأولى، التي ينظم فيها الفلسطينيون مجالس عزاء جماعية لزعماء عرب وفلسطينيين توفوا أو قتلوا، وكان أكثرها تأثيرا عليهم، رحيل الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر المفاجئ، فنظمت المسيرات الجماهيرية الحزينة في المدن والبلدات الفلسطينية التي تحمل صور زعيم القومية العربية الراحل، وأطلقت أسمه على الشوارع والمساجد والمدارس، وكان جزء من ذلك يحمل تحديا للاحتلال الإسرائيلي الجديد.

ولعل الأهم أن موت عبد الناصر، كان فرصة للنساء الفلسطينيات، ليعبرن عن حزنهن، بطريقة لم تكن مألوفة في التاريخ الفلسطيني الحديث، حين انتظمن خلال حلقات في أماكن عديدة من المناطق الفلسطينية، أفرغت فيها النساء الفلسطينيات مخزونهن من أناشيد الموت وهن يصفقن ويأتين بحركات شبه راقصة، كتلك المشهورة لدى الطرق الصوفية.

ولم يكن كافيا، لدى البعض من الفلسطينيين، تفسير حالة الحزن تلك، والتي وصفت في مرات بأنها هستيرية، كما في حلقات النساء، برحيل زعيم محبوب، صاحب كريزما خاصة، بشكل مفاجئ، وذهب البعض إلى أن ما حدث كان له علاقة أيضا بالحزن على ضحايا الحرب الأهلية في الأردن بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني والتي عرفت بأيلول الأسود، والتي سبقت موت جمال عبد الناصر بفترة قليلة.

ولم يبق الكثير من الدموع لدى الفلسطينيين، بعد ما ذرفوه، على عبد الناصر، ولكن هذا لم يمنع، أن قسما منهم، أبدى عاطفة قوية على رحيل بعض الشخصيات، غير السياسية هذه المرة، مثل أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفي القدس، فتح إبراهيم شبانة، بائع الكتب والمجلات المخضرم على باب العمود، الباب الرئيسي للبلدة القديمة في القدس، بيت عزاء للفنان المصري الأسمر، أمه محبو عبد الحليم من مختلف المناطق الفلسطينية.

وعادت من جديد مجالس العزاء الجماعية، خصوصا خلال الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987، وكثير من ضحاياها كانوا من الأطفال، وانتهت هذه الانتفاضة باتفاق أوسلو، وإنشاء السلطة الفلسطينية، ولم تتوقف مجالس العزاء الجماعية، مع تواصل سقوط الضحايا الفلسطينيين، على يد الإسرائيليين، وأيضا على يد إخوانهم، مثل الضحايا الذين قتلوا في السجون الفلسطينية، أو آخرين تم اغتيالهم، على يد مجهولين، يعتقد انه لهم علاقة بقيادة السلطة الفلسطينية آنذاك.

وتجددت مجالس العزاء الجماعية بشكل مكثف عام 1996، خلال ما عرف بانتفاضة النفق، التي سقط خلال أيامها الأربعة اكثر من 60 فلسطينيا، وسبقها وتبعها سقوط ضحايا في احتجاجات ضد ممارسات الاحتلال مثل مواصلة الاستيطان، واحتجاز الأسرى.

ووصلت هذه المجلس ذروتها، خلال انتفاضة الأقصى، واشرف ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، الذي حوصر في مقره بمدينة رام الله، على ترؤس مجالس عزاء، للشيخ احمد ياسين زعيم حركة حماس، وخليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وأبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية، وغيرهم، وكان عرفات يقف طوال ثلاثة أيام في كل مرة يتقبل العزاء بهؤلاء، ولم تمض إلا فترة ليست طويلة، حتى شهد مقر عرفات، مجلس عزاء من نوع آخر، تقبل فيه هذه المرة، رفاقه العزاء بوفاته.

ولم تخل مجالس العزاء من أحداث كادت تكون مؤثرة، مثلما حدث لدى زيارة محمود عباس (أبو مازن)، لمجلس عزاء بسلفه عرفات في مدينة غزة، عندما فتح مسلحون من حركة فتح النار عليه وعلى مرافقيه، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الموجودين، ونجاة أبو مازن.

ومع إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، جدد الفلسطينيون تقليدهم بفتح مجالس عزاء جماعية، ولكن، وعلى غير المتوقع، لم يذهب إليها الكثيرون هذه المرة.