احتمالات الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس(3/5)
معمودية الدم والوجوه المتقاطعة بين فتح وحماس

إقرأ أيضا

احتمالات الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس(1/5)

شؤون الحكم وشجون المعارضة

احتمالات الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس(2/5)

التحضير للانتخابات: فتح في المأزق

أكاديميون يتحدثون لـ إيلاف عن المستقبل بعد صعود حماس

بلال خبيزمن بيروت: يخطئ الكثيرون حين يعتقدون ان انتصار حماس هو انتصار الطرف المغامر والمقاتل وصاحب المشروع الانتحاري في الساحة السياسية الفلسطينية، وان هزيمة فتح هي هزيمة المعتدل والمستعد لتقديم التنازلات المطلوبة والممكنة والأضعف شكيمة امام الضغط الدولي. الامر ليس على هذه الصورة في واقع الامر، او على الأقل هذا ما يعرفه الفلسطينيون جيداً. قادة حماس اليوم هم انفسهم الذين كانوا اصحاب الخيار السلمي والتعامل مع الدولة الإسرائيلية بوصفها امراً واقعاً، وقد تربى هؤلاء القادة في ظل الاحتلال الإسرائيلي وبعضهم كان من الذين عملوا في المجالس المحلية التي رعت اسرائيل نشاتها، وهذه الحركة بالتعريف ليست بنت من بنات الأصولية المستحدة في المنطقة العربية، على غرار الافغان العرب وتنظيم الزرقاوي، بل هي تمت يصلات وثيقة إلى تنظيم الإخوان المسلمين المصري في فرعه الغزاوي. ولها صلات ووشائج قوية مع هذا التنظيم الإسلامي العريق. والحق انه في الوقت الذي كانت فيه فتح ترفع شعارات الكفاح المسلح وتعتمد العمل العسكري وسيلة أساسية من وسائل نضالها، كانت حركة حماس تعتمد العمل الخيري سبيلاً إلى كسب ود الشعب الفلسطيني. والثابت ان حركة حماس هي الوافد الجديد على الكفاح المسلح وانها في ظل سلطة ابو عمار انهت معمودية الدم ضد الاحتلال الإسرائيلي. فهذه الحركة انضمت إلى سياق فلسطيني اصلي تمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية على مستوى الكفاح المسلح. لكن الفارق بينها وبين فتح انها كانت حركة فتية وافدة إلى النضال المسلح بجوار حركة كانت قد أخذت تشيخ. والحق ان فتح وطوال فترة رئاسة ياسر عرفات لم تتخل فعلاً عن الكفاح المسلح، واستمرت تنتج بعض اشرس فصائل العمل المسلح ضد اسرائيل واكثرها تطرفاً. مما يعني ان حركة حماس وفدت إلى الكفاح المسلح من بوابة فتح، فيما وفدت فتح إلى بوابة المفاوضات والاعتراف من بوابة حماس.

الطرفان تبادلا المواقع من دون ان يتخلى كل طرف عن موقعه الاصلي. فحماس حركة نبتت ونشأت في الداخل، لكنها هجّرت معظم قيادييها المتشددين إلى الخارج وانشأت فروعاً في الخارج اصلها ومنبتها ومرجعها كان في الداخل على الدوام، اما فتح فحركة نشأت ونشطت وحققت الكثير من انجازاتها في الخارج وانشأت فروعاً لها في الداخل كانت مرجعيتها في الخارج، من بيروت وعمان وتونس وغيرها من العواصم العربية. ولقد اثبتت حماس وهي تنتظم تحت خط الكفاح المسلح الوافدة إليه حديثاً انها تستطيع اذا ما قررت سلوك مسلك الانتحار النضالي قادرة على جعل اسرائيل تفهم ان الامر لن يكون نزهة عابرة، ويجدر بقادة الدولة العبرية ان يحسبوا لهذا المسلك الف حساب. لكن حركة حماس ليست حركة جهادية على النحو الذي توصف به الحركات الجهادية. ويفصح عن ذلك ايما افصاح، سيل التصريحات المرنة والمتجهة نحو المرونة اكثر فأكثر التي يدلي بها قادتها اليوم وهم على ابواب تشكيل اولى حكوماتهم. والأرجح ان هذه الحركة، مثلما يرى بعض من هم في قمة هرم السلطة الفلسطينية، قادرة على تقيدم التنازلات مثلما هي قادرة في الوقت نفسه على استصدار المداخلات المرنة حين يحين وقتها. فلم يعد قادة حماس اليوم يرددون خطاباً واحداً موحداً لا يتغير، بل اصبحوا يتحدثون بلغة اهل الحكم التي توحي وتعرض وتطالب في الوقت نفسه الذي تبدي فيه استعدادها للتفاوض والمواجهة. والحق ان حركة حماس كانت تحتاج إلى معمودية الدم لتثبت انها تستطيع ان تفاوض متسلحة بهذا التراث.

السمعة التي حققتها حماس بوصفها تنظيم اصولي متطرف لم تتحصل لها من واقع انها كذلك، لكنها لم تتنكر لهذه الصفة. وان كانت اليوم تجد نفسها مدفوعة إلى اثبات العكس. فحين كانت حماس حركة معارضة لم يكن مطلوباً منها الاعتراف بدولة اسرائيل على النحو الملح الذي تطالب به اليوم. وقد شهدت وقائع الأيام الاولى التي اعقبت فوزها في الانتخابات التشريعية هجوماً حاداً استهدفها في هذا المجال، من الولايات المتحدة الاميركية التي اشادت بلسان رئيسها ووزيرة خارجيتها بنزاهة الانتخابات لكنها طالبت الحركة الفائزة بالاعتراف بالدولة الاسرائيلية شرطاً للتعامل معها، إلى الاتحاد الاوروبي الذي اشترط استمرار اطلاق الوعود بالمساعدات الشرط نفسه، وصولاً إلى مصر التي قوّل الرجل الثاني فيها، اللواء عمر سليمان، محمود عباس ما لم يقله غداة فوز الحركة بالانتخابات، فذهب إلى التصريح على لسان الرئيس عباس ان هذا الاخير اشترط على الحركة الاعتراف بدولة اسرائيل للتعامل معها، الامر الذي نفاه عباس على الفور. لكن اللواء سليمان لم يقف حائراً امام نفي عباس، فعمد مرة اخرى إلى التصريح علناً بضرورة اتمام هذه الشروط، وقد مر وفد حماس الاول في مصر من دون ان يتسنى له ان يقابل اي شخصية مهمة، ولم يلبث الرئيس حسني مبراك ان ادلى بتصريح لصحيفة اسرائيلية طالب فيها حماس بالاعتراف بدولة اسرائيل قبل البدء بأي مباحثات مصرية معها. وفي السياق نفسه اجّل اللواء سليمان زيارة كانت متوقعة على خط دمشق - بيروت بسبب من انحياز دمشق إلى محور التشدد حيال هذا الموضوع.

خلاصة القول ان الحركة جوبهت بضغوط هائلة، ويمكن القول انها بدأت تستجيب لهذه الضغوط بمرونة لافتة، مما يجعل الحديث عن حلف متشدد تقوده ايران على المستوى الفلسطيني حديث خرافة. ذلك ان حركة حماس لم تكن في اي يوم من الايام غير واقعية إلى الدرجة التي حاول البعض وصفها به ومعاملتها على هذا الأساس. لكن هذا الوضف الذي اتصفت به حركة حماس ولم تعمد إلى نفيه او تكذيبه، كان يهدف في الدرجة الاساسية إلى تهديدها ودفعها إلى الاندراج في خط التنازلات العامة، تماماً مثلما تم التعامل مع السلطة الفلسطينية التي مثلتها فتح سابقاً، بوصفها ملزمة ان تقدم امتحانات يومية في الديموقراطية والنزاهة والجنوح نحو السلم ونبذ الكفاح المسلح، مقابل النظر في مطالبها إذا نجحت في هذه الامتحانات. يبقى ان سؤالاً وجيهاً يطرح في هذا السياق: لماذا لم تعمد جركة حماس إلى نفي التهمة عنها والعمل على ابطال مفعولها؟ على هذا التساؤل يجيب بعض من هم في رأس هرم القيادة الفلسطينية ان حماس المتروكة امام خيارين كانت تريد الدخول في معمودية الدم قبل ان تكشف عن وجهها السلمي، فهذه المعمودية هي السبيل الوحيد لإفهام العالم ان ارغام الشعب الفلسطيني على سلم مجحف قد يكلف الخصوم خسائر يجب ان يحسب لها الف حساب.

في نهاية المطاف يجدر بنا التذكير ان فتح نفسها التي قادها ياسر عرفات معتمداً لوناً من الوان العلمانية السياسية ليست مقطوعة الاواصر مع الاسلام السياسي. والقاصي والداني يعرف تاريخ العلاقات بين قادة فتح الأوائل وتنظيم الاخوان المسلمين المصري. لكن الفارق الجوهري بين الحركتين يكمن في خط العلمانية السياسية الذي قاده ابو عمار في فتح وصنع لها صفاتها التي تميزها عن حركات الإسلام السياسي التقليدي في طول المنطقة وعرضها.