معركة طاحنة بين المجلس الأعلى ونادي القضاة
مراقبون يحذرون من مذبحة للقضاء في مصر


نبيل شرف الدين من القاهرة : مذكرات متبادلة وتصريحات تزداد سخونة بين مجلس القضاء الأعلى ورئيسه المستشار فتحي خليفة رئيس محكمة النقض من جهة، ونادي القضاة ورئيسه المستشار زكريا عبد العزيز من جهة أخرى، وبينما طلب الأخير تفسيراً لتصريحات أدلى بها خليفة بحق نادي القضاة، قال فيها إنه أصبح تجمعاً لمعارضي الحكومة، وفتح أبوابه للصحافيين والمحامين، ووصف بعض أعضائه بأصحاب القلوب المريضة، فقد بادر المستشار خليفة إلى إحالة قاضيين جديدين على التحقيق بسبب تصريحات صحافية أدليا بها تتعلق بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، الأمر الذي أشعل الأجواء داخل أوساط نادي القضاة الذي يضم مجموعة لم تعد قليلة ممن باتوا يوصفون إعلامياً بالقضاة الإصلاحيين في مصر، وهم يرفعون راية quot;استقلال السلطة القضائيةquot;، مؤكدين استعدادهم الكامل للمضي قدماً في طريقهم مهما كلفهم الأمر من نتائج وتداعيات .

وتوقع المستشار محمود مكي ـ وهو أحد القضاة المطلوبين للتحقيق ـ أن يؤدي هذا التصعيد لمردود عكسي في اوساط القضاة واكد ان إحالته وزملاءه للتحقيق نوع من الاقتصاص منهم لأنهم تحدثوا إلى وسائل الاعلام، وكشفوا الانتهاكات التي شابت الانتخابات البرلمانية، واكد ان نادي قضاة مصر سيبحث في الجمعية العمومية الطارئة التي سيعقدها في 17 مارس الاجراءات العملية التي سيتخذها في مواجهة اصرار الحكومة على الالتفاف على مطالب القضاة لان البيانات والمواقف الشفهية لم تعد مجدية .

تصعيد متبادل
ويرى مراقبون للشأن الداخلي في مصر أن نتيجة هذه المعركة غير المسبوقة، ستصب في نهاية المطاف في اتجاه إقرار سيادة القانون وحق الشعب في انتخابات حرة نزيهة، والتداول السلمي على السلطة، وترسيم الحدود الفاصلة بين السلطات، مؤكدين أن القضاة ليسوا مجرد جمعية أو نقابة تسعى إلى تحقيق هدف فئوي أو مطالب خاصة بالقضاة وحدهم، لكنهم انطلقوا من كونهم نخبة من رجالات الأمة تشربت نفوسهم ـ بحكم مهنتهم السامية ـ احترام القانون وحب العدل والالتزام بالمشروعية .

وكانت هذه الرسالة التي أراد حشد من كبار القضاة في مصر إيصالها إلى كل من يهمه الأمر، مفادها أنهم ماضون بإصرار نحو المطالبة بإقرار مشروع القانون الخاص بالسلطة القضائية، الذي أعده quot;نادي القضاةquot;، وهو كيان شبه نقابي ينتخب أعضاء مجلس إدارته من بين جموع القضاة، خلافاً لمشروع القانون الحكومي الذي أقره quot;المجلس الأعلى للقضاءquot; وأعلن قضاة النادي للصحف رفضهم صراحة هذا المشروع الحكومي، وهددوا بتصعيد الأمر إلى حد التلويح بتسيير مظاهرة ستكون الأولى من نوعها للقضاة وهم يرتدون وشاح القضاء والأوسمة التي حصلوا عليها، وعلى الفور تعاطفت مع هؤلاء القضاة كافة ألوان الطيف السياسي في المعارضة، وبدا أن كل من اعتادوا الدفاع عن مواقف الحكومة قد أسقط في أيديهم، فليس بوسعهم مهاجمة القضاة وهم يصرون على مطالب مشروعة عادلة، وإن كان هذا لم يقف حائلاً دون أن يهاجم صحافيون حكوميون القضاة من زاوية التورط في العمل السياسي، واللهاث وراء شهوة الإعلام ولو كان ذلك على حساب هيبة القضاء حسب مزاعمهم.

ومن هنا التقط النائب العام التصريحات التي كان قد أدلى بها القضاة، وحصل بالفعل على موافقة مجلس القضاء الأعلى بالتحقيق مع هؤلاء القضاة في ما وصفه القضاة بأنه محاولة لتخويفهم لمطالبتهم بالتحقيق في اتهامات بالتزوير في الانتخابات التشريعية الماضية وتمسكهم بالدعوة لمشروع قانون يكفل استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية . وسبق أن نظم القضاة وقفةً احتجاجيةً أمام نادي قضاة الإسكندرية وهددوا بالإضراب العام في المحاكم ردًّا على موقف الدولة منهم وتدخلها في شئونهم، وبالفعل وقَّع قرابة 3 آلاف قاضٍ على طلب لإدارة ناديهم للدعوة إلى إضراب عام عن العمل؛ اعتبارًا من الأسبوع القادم، وقرر مجلس إدارة نادي قضاة مصر في اجتماعه الطارئ الذي عقده أول شباط (فبراير) الماضي مقاطعة الانتخابات، والامتناع عن الإشراف على أي انتخابات قادمة، والمطالبة بإلغاء النصوص الدستورية والقانونية التي تسند عملية الإشراف على الانتخابات للقضاة، كما قرر المجلس الاستمرار في انعقاد دائم حتى إصدار مشروع قانون السلطة القضائية الذي أعده النادي القضاة ووافق عليه القضاة، على أن يستمر المجلس في حالة انعقاد حتى موعد الجمعية العمومية الطارئة في 17 آذار (مارس) الجاري .

مذبحة القضاء

على صعيد متصل، شن عدد من القضاة هجوما عنيفا على ما أسموه تدخل السلطة التنفيذية في شؤون القضاء وهدر استقلاليته، وحذروا من المصير الذي كان شهده القضاة عام 1969 في ما عرف وقتها باسم quot;مذبحة القضاءquot; والتي أطيح فيها بعدد كبير منهم خارج السلك القضائي، بينما كان الخطاب الرسمي حينذاك يتحدث عن ضرورة التغيير والإصلاح بعد هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967، مشيرين إلى أن quot;المذبحة الجديدة ستكون عن طريق اختراق الصفوف والدفع بعروض الترغيب وزيادة القدرة المادية للقضاةquot; .

من جانبه قال نائب رئيس محكمة النقض المستشار هشام البسطويسي، إن الأجهزة المعنية غير راغبة في إخراج قانون السلطة القضائية المقترح منذ نحو 14 عاماً، كما طالب في ندوة أجراها مركز القاهرة لدراسة حقوق الإنسان بضرورة أن تسرع الحكومة بالاستجابة لمطالب القضاة، قائلاً إن هناك من يتعمد المماطلة في إجراء إصلاحات جادة، لافتاً إلى إن الحكومة ليس أمامها من سبيل تكسب به ثقة مواطنيها، واحترام المجتمع الدولي سوى قبول الإصلاح الجاد وعدم الالتفاف عليه .

وخلال الندوة وجه المتحدثون انتقادات حادة لما شهدته الانتخابات البرلمانية الأخيرة مما وصفوه بمظاهر تزوير إرادة الأمة، وإصرار الحكومة على أن يكون إشراف القضاء على هذا الاستفتاء صوريا، بالمخالفة لأحكام الدستور وحكم المحكمة الدستورية كما أدان المشاركون ما تشهده الانتخابات العامة بصورة روتينية من إهدار لأحكام مجلس الدولة، وقرارات محكمة النقض، بشأن بطلان إجراءات الترشيح أو بطلان العملية الانتخابية برمتها، ووضع هذه الأحكام في سلة المهملات، وأكد عدد من المتحدثين على أن ظاهرة إهدار أحكام القضاء تجسد احتقار مؤسسات الحكم في مصر للدستور والقانون .
ودعا ممثلو نادي القضاة إلى تضافر جهود كافة مؤسسات المجتمع المدني لمؤازرة القضاة في مطالبهم الرامية للإسراع بإصدار قانون تنظيم السلطة القضائية، الذي يؤمن استقلال وحصانة القضاة ويضع حدا لتدخلات وزارة العدل في شؤونهم، وإلغاء كافة صور القضاء الاستثنائي .