تهيئة المشهد السياسي في مصر لتصعيده إلى رأس السلطة
تفاصيل اللقاء السريع بين جمال مبارك وبوش

نبيل شرف الدين من القاهرة: سربت الإدارة الأميركية أنباء عن زيارة سرية قام بها جمال مبارك نجل الرئيس المصري إلى واشنطن، والتقى خلالها الرئيس الأميركي جورج بوش في مقابلة بمكتبه بالبيت الأبيض وصفت بأنها quot;قصيرةquot;، كما أعلن فريدريك جونز المتحدث باسم مجلس الامن القومي للبيت الأبيض أن جمال مبارك واشنطن لفترة قصيرة من اجل اعمال خاصة وطلب مقابلة مستشار الامن القومي ستيف هادلي، الذي التقاه بالفعل يوم الجمعة، غير أن المتحدث لم يكشف عن أي تفاصيل عما جرى من مناقشات خلال ذلك اللقاء، الذي يأتي في توقيت تموج فيه الساحة السياسية المصرية بقدر واضح من الحراك وارتفاع الأصوات المعارضة المطالبة باتخاذ إجراءات إصلاحية جادة وحقيقية، لا يشوبها الالتفاف على الأهداف، ولا تجهضها تلك الممارسات التي تستهدف تفريغ مبادرات الإصلاح من مضمونها .

وبينما أشارت عدة تقارير متواترة إلى أن واشنطن لم تعد تمانع في تصعيد جمال مبارك ليخلف والده في رئاسة مصر، بالنظر إلى أن الإدارة الأميركية اعتمدت خياراً واقعياً يقوم على القبول بفكرة تغيير النظام من داخله عن طريق القوى الحداثية الموجودة به، فإن نواباً ي الكونغرس منهم النائب توم لانتوس،
دعا لتحويل المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر لمعونات اقتصادية، لعدم وجود مخاطر تبرر كل هذا الدعم العسكري المستمر منذ عقود حسب رأيه المعلن في عدة مناسبات .

معضلة التوريث
وبينما تتصاعد أزمة النظام الحاكم في مصر مع عدة قوى نخبوية، كالقضاة والصحافيين والمحامين وغيرهم من القوى النقابية والمجتمعية، فضلاً عن الأحزاب السياسية وحركات المعارضة، فقد أطلت مجدداً مسألة تصعيد جمال مبارك لرأس السلطة في مصر، فقد ذهب فريق من المراقبين للشأن الداخلي في مصر إلى أن quot;مشروع جمال مباركquot; ربما يكون أكثر المشاريع السياسية المطروح على الساحة المصرية واقعية وقابلية للتحقق في المدى المنظور، بالنظر إلى أن جمال يمثل البيروقراطية العليا، فضلاً عن كونه أيضاً ابناً مخلصاً للرأسمالية المصرية بحكم الدراسة والنشاط كرجل أعمال، وبالتالي فهو يلخص في شخصه اتحاد مصالح، بل وربما كان زواجاً كاثوليكياً بين أقوى قطاعين اجتماعيين في هذا البلد المحوري بمنطقة الشرق الأوسط برمتها .

غير أن المراقبين ومنهم سامر سليمان، أستاذ العلوم السياسية يرى أن الرئيس مبارك لا يستطيع أن يتخطى بعض الترتيبات المؤسسية ويقدم مثلاً على تعيين جمال نائباً له، ومن ثم فإن الأمر يستدعي بعض التعديلات مثل تفعيل دور الحزب الوطني وإدخال إصلاحات دستورية وتشريعية تعطي صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة .

أما المعارضون لمبارك الأب والابن على اختلاف مشاربهم فيقولون إنهم quot;لن يظلوا صامتين إزاء توريث السلطة، فالأحاديث تدور في كل مكان حول خلافة الرئيس مبارك، وانتقال السلطة بأي طريقة كانت لابنه جمالquot;، لكن هؤلاء يمضون مؤكدين أن quot;مصر ليست بلداً يمكن أن تتوارث فيه الحكم عائلة واحدة، وإن هذا الأمر لم يحدث من قبل، فقد كان لعبد الناصر ابن، وكان للسادات ابن، ولم يهيأ أي من الابنين في الحالتين، بل لم يفكر أي منهما في المسالة أساساًquot;، كما تذهب آراء قطاعات واسعة من المعارضين لمبارك الأب والابن والنظام الحاكم في مصر .

تأتي هذه التطورات في وقت تعقد فيه لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي يوم غدٍ الأربعاء جلسة خاصة لمناقشة برامج المساعدات الأميركية لمصر، بعد أن سبق إرجاؤها يتحدث فيها ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ومسؤولون آخرون في الإدارة والكونغرس الأميركيين .

مشهد ملتبس
ووسط مشهد مصري تخيم عليه أجواء ملتبسة، فعلى الرغم من إنكار الرئيس المصري ونجله لمسألة التوريث في أكثر من مناسبة، وبتعبيرات قاطعة، غير أن حسين عبد الرازق الامين العام المساعد لحزب التجمع اليساري المعارض يقول إن التمهيد لتولي جمال مبارك للرئاسة يتخذ شكلاً متصاعداً لا يمكن تجاهله أو تجاوزه ببساطة تعبيرات الإنكار، فقد اصبح جمال عضوا بارزا في المجلس الرئاسي المصري ـ الأميركي، ثم عين عضوا في الامانة العامة للحزب الوطني (الحاكم)، واصبح عضوا شبه دائم في الوفود التي تصاحب الرئيس في رحلاته الخارجية ومن خلال مباحثاته في مصر، وكان اسمه يأتي في البروتوكول في هذه الرحلات متقدما على الوزراء المرافقين للرئيس في تلك الجولات والزيارات الرسمية .

ويمضي عبد الرازق قائلاً إن جمال مبارك اختير رئيسا لما سمي بلجنة السياسات، وهي تشكيل جديد تحول عمليا ليصبح هو الحزب الوطني، ورغم ان الرئيس مبارك نفي منذ سنوات ان ابنه جمال سيخلفه في الرئاسة، الا ان كل الظواهر تؤكد ان ما يجري يهدف في النهاية الي توريث السلطة لجمال مبارك، وان هناك مخططا لاعداد المواطنين في الداخل لتقبل هذا الوضع، ولتقديمه للخارج ايضا وبصفة خاصة للولايات المتحدة ودوائر اتخاذ القرار فيها البيت الابيض والكونغرس ورؤساء مجلس ادارات الشركات متعددة الجنسيات، التي تربطها بنظام الحكم المصري صلات استراتيجية ، وقد سافر جمال مبارك الولايات المتحدة مراراً ضمن وفود رسمية وأخرى غير رسمية، التقي بكل مراكز الحكم بمن فيهم الرئيس جورج بوش، وحينما سئل عن التمهيد لخلافة والده في رئاسة الجمهورية لم ينف او يؤكد ولكنه ألمح إلى إمكان ذلك قائلا ليس من الدقيق الحديث عن شخص واحد في تناول عملية الاصلاح في مصر ويتعين بدلا من ذلك تسليط الضوء على جيل بأكمله من الشباب المصري يتقدم للاسهام في عملية التغيير بمصر .