بعد أن غدا تحت مرمى نيران القاعدة وتجار السعودية
الوزير القصيبي يرد على مهاجمة بن لادن شعراً

سلطان القحطاني من الرياض: رد الوزير السعودي الدكتور غازي القصيبي اليوم الأحد على مهاجِمه زعيم تنظيم القاعدة الدولي أسامة بن لادن بقصيدة شعرية نُشرتها إحدى الصحف المحلية، بعدما وصفه اللادني الهارب بأنه أحد رؤوس الليبرالية في المملكة العربية السعودية الذين اعتبرهم من المستهزئين بالدين وحذر من الاستماع إليهم، في الوقت الذي يواجه فيه الوزير السعودي quot;المعتّقْquot; حملة واسعة النطاق من قبل أصوليين محليين ورجال أعمال اتحدوا للمرة الأولى في مواجهة هدف واحد.

وحمل بن لادن في تسجيل صوتي بثته قناة الجزيرة القطرية قبل نحو شهر من الآن على العديد من المفكرين العرب والخليجين، وعلى الأخص مثقفين سعوديين كان بينهم الوزير اللامع القصيبي والمفكر الدكتور تركي الحمد كما سبق وأن كشفت quot;إيلافquot; عن ذلك، مبرزةً مدى التناحر الداخلي في القناة من قبل تيارات quot;المهننةquot; التي تطعم بها الشيخة موزة عناصر في القناة، والتيارات الأخوانية والقومية الأخرى داخل المحطة الشهيرة.

القصيبي في قصيدته التي بلغت عشرين بيتاً نشرتها صحيفة الجزيرة السعودية في الصفحة quot;السادسة والعشرينquot; من عددها الصادر ليوم الأحد، وهو أمرٌ وإن كان صدفة، ربما، فإنه يتناغم حرفياً مع الرقم والمعنى لقائمة الستة وعشرين مطلوباً أمنياً التي طاردتهم السلطات الأمنية السعودية حتى قضت عليهم، مما يجعل من هذه القصيدة نافذةً إلى المعنى المطلوب الذي أراده الوزير من انتقاد علني للتطرف الأصولي، والذي غدا سمة لطبيعة الخطاب المهاجم للقصيبي.

وبدأت القصيدة بخمسة أبيات ابتهالية إلى الله تشمل حمداً على ما ناله من حزن وفرح، ثلاثتها الأولى حوت خطاباً مباشراً إلى الله، بينما ثنائية الخماسية الابتهالية كانت شكراً مشوباً بالرجاء والشكوى، وهو ما ينتقل إليه القصيبي صراحة في البيتين اللذين يعقبانهما حيث نقل فيهما مشهده المُتعب وهو يجرُّ الكثير من الآلام التي لا يُطيقها سوى مؤمن quot;يعلى بأجنحة الصبرquot; على حد قوله، إضافة إلى ما يكتمه من معاناة داخل الصدر لم يُكتب لها إطلاق السراح.

وبعدها يأتي رد الفعل إزاء الهجوم الأصولي الذي يتعرّض له الوزير صاحب الوزارات الثلاث والسفارتين خلال ربع قرن من العمل السياسي، إذ يشير إلى أن أعداءه يشمتون به حتى على الموت، وأن أفعالهم وأقوالهم quot;ترمي المصلين بالكفرquot;، وأن زعيمهم هو quot;الدجالquot; الذي يهدده من جحوره، في إشارة إلى أسامة بن لادن، الجبان الذي يجري إلى الكهوف quot;من شدة الذعرquot; حسب السيناريو القصيبي.

وهذه السنة، والرمق الأخير في ما قبلها، كانتا حافلتين بالفقد في حياة الوزير السعودي اللامع رحل خلالها نحو ثلاثة من أقرب الناس إليه، مما يجعل قصائده الرثائية الأخيرة مليئة بـquot;وجع الغروب والاغماضة الأخيرة عن الدنياquot; على حد قول مثقفين سعوديين رأوا شدة حضور quot;الطارق الأخيرquot; ،الموت، في قصائده الأخيرة.

ومع ذلك هو يقول في قصيدته المنشورة اليوم الأحد أنه لا يخشى الموت بل ما بعده من حساب quot;يوم الحشرquot;، مشيراً إلى أن نفسه لم تحدثه بالفرار سوى من الوزر لا أكثر، ما يلبث بعدها أن يعود إلى سابق ما بدأ به القصيدة من ابتهال وشكوى إلى الله، لا تخلو من الإشارة إلى وحدته بعد فقد أخوته، شاكراً الله على وجود الأحباب إن كانوا أحياءً وعن غيبتهم في quot;وحشة القبرquot;.

وهذه هي إحدى المرّات القليلة التي يجتمع فيها الأصوليون مع رجال الأعمال في مواجهة هدف واحد كان من سوء حظ الوزير أو حسن حظه، مما جعل مراقبين خليجين كثر بدون تخوفهم من تنامي ظاهرة quot;رؤوس الأموال الأصوليةquot; في المملكة التي تشهد معركة حقيقة بين الحكومة والمتطرفين الذين يبدون تعاطفاً مع تنظيم القاعدة وهجمات الخلايا المسلحة على المجمعات السكنية التي يقطنها الأجانب.

وللقصيبي حكايات كبيرة في حياته السياسية كان الشعر محورها الرئيس دائماً وأبدا، إذ فقد إحدى وزاراته في ثمانينات القرن الفائت بسبب قصيدة نشرها بعنوان quot;آخر رسائل المتنبي لسيف الدولةquot; وجهها بشكل خفي إلى العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، رغم أن القصيبي يُشير دوماً إلى أن لا علاقة لها بقرار إقالته.

وكان ثانيها فقده لمنصبه كسفير لحكومة بلاده لدى بلاط سانت جيمس البريطاني بعد نشره قصيدة في صحيفة quot;الحياةquot; اللندنية على أيسر صفحتها الأولى أيد فيها منفذي العمليات الانتحارية في فلسطين، ومهدياً إياها إلى آيات الأخرس التي فجرت نفسها في عملية انتحارية في القدس قبل نحو عامين.

إلا أن معلقين خبثاء،لم تفتهم الروح القصيبية الساخرة للوزير السعودي، أشاروا إلى أن عنوان القصيدة quot;لك الحمدquot; يُشابه إلى حد كبير اللفظة السعودية المحلية في الرد على بعض الدعاوى المضحكة والتي لا تملك نسبة قليلةً من الصحة بالقول:quot;اللهم لك الحمدquot;.

لك الحمد!..
شعر: غازي القصيبي

لك الحمد... والأحلام ضاحكةُ الثغرِ
لك الحمد... والأيامُ داميةُ الظفرِ
لك الحمد... والأفراح ترقصُ في دمي
لك الحمد... والأتراح تعصف في صدري
لك الحمد... لا أوفيك حمداً.. وإن طغى
زماني... وإن لَجّت لياليهِ في الغدرِ
***
قصدتك، يا ربّاه، والأفقُ أغبرٌ
وفوقيَ من بلوايَ قاصمة الظهرِ
قصدتك، يا ربّاه، والعمرُ روضةٌ
مُروَّعة الأطيار، واجمة الزهرِ
أجرُّ من الآلام ما لا يطيقه
سوى مؤمنٍ يعلو بأجنحة الصبرِ
وأكتم في الأضلاع ما لو نشرته
تعجّبتِ الأوجاع مني.. ومن سرّي
ويشمت بي حتّى على الموت طغمةٌ
غدت في زمان المكر أسطورة المكرِ
ويرتجزُ الأعداءُ هذا برمحه
وهذا بسيفٍ حدّهُ ناقعُ الحبرِ
لحا الله قوماً صوّروا شرعة الهدى
أذاناً ببغضاء.. وحجّاً إلى الشرِّ
يعادون ربّ العالمين بفعلهم
وأقوالهم ترمي المُصلّينَ بالكفرِ
يهدّدني دجّالهم من جحوره
ولم يدر أن الفأر يزأر كالفأرِ
جبان يحضّ الغافلين على الردى
ويجري إلى أقصى الكهوف من الذعر
وما خفت والآساد تزأر في الشرى
فكيف بخوفي من رويبضة الجحر؟
ولم أخشَ، يا ربّاه، موتاً يحيط بي
ولكنني أخشى حسابك في الحشرِ
وما حدثتني بالفرار عزيمتي
وكم حدثتني بالفرار من الوِزرِ
***
إليك، عظيم العفو، أشكو مواجعي
بدمع على مرأى الخلائق لا يجري
ترحّل إخواني.. فأصبحت بعدهم
غريباً.. يتيم الروح والقلب والفكرِ
لك الحمد... والأحباب في كل سامرٍ
لك الحمد... والأحباب في وحشةِ القبرِ
وأشكرُ إذ تعطي، بما أنت أهله
وتأخذ ما تعطي، فأرتاحُ للشكرِ