نصر المجالي من عمّان: عاب الأردن على منظمات حقوق الإنسان مبادراتها المستمرة في إصدار بيانات شجب وتنديد بممارسة بعض الحكومات لقوانينها المراعية حفاظاً على أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها، واعتبر الأردن أن بيان منظمة (هيومان رايتس ووتش) الأميركية التي انتقدت توقيف سلطاته لنواب إسلاميين أربعة عزّوا بمقتل الإرهابي الزرقاوي بمثابة دعم للإرهاب وللإرهابيين من جانب منظمة quot;تدعي الحفاظ على حقوق الإنسانquot;. وبالمقابل، فإن الجدل لا يزال قائما على الساحة الأردنية في شأن مصير مجموعة النواب الأربعة المعتقلين في سجن الجفر الصحراوي، بينما تصرُ حكومة عمّان على اعتذار علني ورسمي من جانب حركة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي جبهة العمل الإسلامي quot;جراء إهانتها لمشاعر الشعب الأردنيquot;.

وتفصيلا، فإنه في الوقت الذي تحاول فيه جماعة الإخوان المسلمين الإبقاء على quot;الباب المواربquot; في العلاقة مع الحكم الهاشمي، حيث أصدرت بيانات وتصريحات عبرت فيه عن ارتياحها لما صدر من تصريحات من جانب العاهل الأردني لمجلة (دير شبيغل) الألمانية وتحدث فيها الملك عن quot;الحركة الإسلامية ودورها الوطني والإيجابيquot;، فإن السلطات الرسمية في المملكة الهاشمية لا تزال تصرُ على اعتذار رسمي من الجماعة لقاء زيارة نوابها لبيت عزاء الزرقاوي الإرهابي وتمجيدها للإرهاب والإرهابيين وإهانة مشاعر الشعب الأردني.

وكان وزير العدل الأردني الدكتور عبد الشخانبة أعلن أن الأردن ''لن يتسامح مع أولئك الذين عقدوا العزم على نشر ثقافة الكراهية وعدم التسامح في المجتمع باسم الدين أو حرية التعبير''، مؤكدا في الوقت نفسه أن النواب الأربعة الموقوفين'' اختاروا أن يمجدوا الجرائم ضد مواطنيهم بالدفاع عن إرهابي وتكريمه بتسميته شهيدا مشجعين الآخرين على الاقتداء بهذا المثل في اغتيال الأبرياء''.

وزار أربعة نواب من جبهة العمل الإسلامي في الأسبوع الماضي بيت عزاء المتشدد الزرقاوي الذي قتل في غارة أميركية، وقامت السلطات الأمنية الأردنية باعتقالهم واودعتهم سجن الجفر الصحراوي بعد تحقيقات معهم من جانب المدعي العام بناء على شكوى تقدمت بها ثماني عائلات من من عائلات ضحايا تفجيرات الفنادق في نوفمبر من العام الماضي.

وتستعد محكمة أمن الدولة لمحاكمة النواب الأربعة، وهم محمد أبو فارس وعلي أبو السكر وجعفر الحوراني ومحمد المشوخي، بينما تستبعد مصادر أردنية إجراء المحاكمة نظر لاقتراب الدورة الاستثنائية لمجلس النواب الأردني، لكن مصادر أخرى قالت quot;هناك احتمال بتأجيل انعقاد تلك الدورة الاستثنائية، ليتسنى تقديم النواب للمحاكمة، لاستغلال القضاء كون الحصانة البرلمانية لا تحميهم في حال إجازة البرلمانquot;.

رسالة وزير العدل

وفي رسالته الى منظمة مراقبة حقوق الانسان هيومان رايتس ووتش اثر انتقادها الحكومة بسبب توقيف اربعة نواب ينتمون الى جبهة العمل الاسلامي شاركوا في تعزية اسرة ابي مصعب الزرقاوي بتمجيد اعماله الارهابية. أكد وزير العدل الدكتور عبد الشخانبة ان اعتقال النواب جاء بعد ان تقدمت ثمان من اسر ضحايا تفجيرات عمان بشكاوى ضدهم ووجه لهم الاتهام بانتهاك القوانين الاردنية والتحريض على الكراهية والعنف والفتنة مشددا ان ضمان حرية التعبير لا يعني السماح بتمجيد الارهاب او الارهابيين وفق معيار قانوني او قيمة اجتماعية.

وجاء في رسالة الوزير quot;ان هيومان رايتس ووتش تنتقد الحكومة الاردنية في تقريرها الاخباري الصادر بتاريخ 2006 ـ 6 ـ 17 والذي كان عنوانه الاردن.. تزايد وتيرة التوقيف مما يحد من حرية التعبير بسبب توقيف اربعة نواب ينتمون الى جبهة العمل الاسلامي شاركوا في تعزية اسرة ابي مصعب الزرقاوي بتمجيد اعماله الارهابيةquot;.

وأضاف الشخانبة quot;لقد قامت السلطات باعتقال النواب المنتمين الى جبهة العمل الاسلامي بعد ان تقدمت ثمان من اسر الضحايا الذين اغتيلوا في تشرين الثاني في التفجيرات الارهابية بشكاوى ضدهم وقد اتهموا بانتهاك القوانين الاردنية والتحريض على الكراهية والعنف والفتنة (المادة 150 من قانون العقوبات).

وشدد على أنه quot;ليس هناك بلد يقبل ان يقوم مواطنوه علانية بتمجيد الارهابيين الذين يقتلون بالجملة ، اضافة الى ذلك فليس هناك بلد يقبل ان يقوم اعضاء مؤسساته التشريعية وممثلو مواطنيه بدعم وتشجيع الارهاب ضد اهل بلدهم ، وليس هناك بلد يقبل لشبابه واطفاله ان يتخذوا الارهابيين قدوة ومثالا يحتذىquot;.

واستطرد يقول quot;ان النواب الاربعة الموقوفين لم يقوموا بمجرد اداء واجب اجتماعي او وطني عندما قدموا التعازي لاسرة احد الافراد المتوفين ، ولكنهم اختاروا ان يمجدوا الجرائم ضد مواطنيهم بالدفاع عن ارهابي وتكريمه بتسميته شهيدا ، وهكذا فهم يشجعون الاخرين على الاقتداء بهذا المثل في اغتيال الابرياء من النساء والاطفالquot;.

وقال وزير العدل الأردني quot;ان هؤلاء النواب ليسوا مواطنين عاديين يعبرون عن حقهم في حرية التعبير ولكنهم يمثلون الجمهور وينتمون الى حزب سياسي رئيسي مسؤول امام الشعب الاردني وتبعا لذلك فان اعمالهم تشكل بصورة واضحة اهانة لكرامة الاسر وذكرى الضحايا وستعمل على اثارة الفتنة في المجتمع.. وان ضمان حرية التعبير لا يعني السماح بتمجيد الارهاب او الارهابيين وفق اي معيار قانوني او قيمة اجتماعيةquot;.

وختم الوزير الشخانبة القول quot;ان الحكومة الاردنية لن تتدخل في الاجراءات القانونية اثناء سير هذه القضية وهي واثقة من قدرة الجهاز القضائي على الوصول الى قرار عادل وفقا للقوانين الاردنية لحماية مواطنيه من التحريض على العنف والفتنة ، وفي الوقت الذي يحترم فيه حقوقهم وحرياتهم التي ضمنها الدستور ، ان الاردن لن يتسامح مع اولئك الذين عقدوا العزم على نشر ثقافة الكراهية وعدم التسامح في المجتمع باسم الدين او حرية التعبير وستظل قوانيننا هي الضمان الذي سيعمل في نهاية المطاف على ان نظل متحررين من ثقافة العنفquot;.

الخطأ والتضليل

وعلقت صحيفة (الرأي) القريبة من الحكم على رسالة وزير العدل اليوم بقولها أن هناك إشارات في الرسالة الى منظمة مراقبة حقوق الانسان laquo;هيومان رايتس ووتشraquo; يمكن البناء عليها واعتبارها سابقة في التعامل مع منظمات حقوق الانسان laquo;الدوليةraquo; التي يصعب التسليم بتقاريرها واعتبارها مقياسا يمكن القياس عليه او الاعتداد بمضامينها وبخاصة انها غالبا ما تبنى على معلومات وتقارير غير دقيقة حتى لا نقول غير منصفة وتخضع لمعايير واعتبارات بات من السهولة (وبخاصة في وقت الازمات) التوقف عند توقيتها والجهات المنخرطة بها وتاليا المعادلات والاجواء السياسية السائدة في هذه المنطقة من العالم او تلك.

وأضافت quot;إذ رسالة وزير العدل لفتت هيومان رايتس ووتش الى حقيقة تجاهلتها المنظمة عن عمد ربما وهي ان اعتقال النواب الاربعة لم يكن عشوائيا او تعسفيا بل استند الى ثماني شكاوى تقدمت اسر الضحايا الذين سقطوا غيلة في التاسع من تشرين الثاني الماضي وحينها تحركت الجهات المختصة بتطبيق القانون ووفق المادة 150 من قانون العقوبات، لمساءلة من قاموا بانتهاك القوانين الاردنيةquot;.

هذه الحقيقة تنطوي في جملة ما تنطوي على مبادىء اساسية نحسب ان لا دولة في العالم تتمتع بصدقية واحترام لذاتها وشعوبها وسيادتها يمكن ان تصرف النظر عن ارتكابات وممارسات تذهب بعيدا وعن قصد بهدف المس باستقرار المجتمعات وتعريض السلم الاهلي فيها الى الخطر عبر تمجيد الارهاب وترويج خطاب تحريضي موجه الى الشباب والاطفال كي يتخذوا من الارهابيين وجرائمهم البشعة قدوة بعد ان يخلعوا عليهم لقب الشهادة ويفتوا بأنهم laquo;مجاهدون وشفعاءraquo;.

من هنا جاءت الرسالة موفقة وشجاعة وضرورية بعد ان ظنت منظمات حقوق الانسان انها بمنأى عن النقد او تصحيح تقاريرها المخطوءة وبياناتها الصحفية غير الدقيقة او المبالغ فيها.

وقالت الصحيفة quot;فالنواب الاربعة الذين ترى هيومان رايتس ووتش ان اعتقالهم هو laquo;اعتداءraquo; على حرية التعبير، تجاوزوا ما هو مسموح به قانونيا وعرفا اجتماعيا (آداء واجب اجتماعي وتقديم العزاء بشخص متوفى) بل هم ومن موقعهم التمثيلي والتشريعي -وهم هنا ليسوا اشخاصا عاديين- راحوا يمجدون الارهاب والجرائم التي يرتكبها الارهابيون ما يعتبر اولا انتهاكا للقوانين وتحريضا على الفتنة في المجتمع وهو ثانيا اهانة مقصودة لكرامة الاسر وذكرى الضحايا الذين laquo;افتىraquo; الارهابيون بقتلهم ووأد حياتهم لا لذنب اقترفوه بل لأن القتلة ارادوا ذلك بغير وجه حقquot;.

ثم ان الرسالة التي جاءت في توقيت مناسب شكلت ردا سريعا (مطلوبا) ومنطقيا عندما توقفت عند مفهوم laquo;حرية التعبيرraquo; الذي يبدو في ايامنا هذه شماعة تسعى جهات عديدة الى laquo;تعليق خطابهاraquo; عليها بمناسبة وفي غير مناسبة، وقالت (الرسالة) ان ضمان حرية التعبير لا يعني السماح بتمجيد الارهاب او الارهابيين وفق اي معيار قانوني او قيمة اجتماعية.

الحال ان رسالة وزير العدل اشارت في وضوح وصراحة والتزام ادبي واخلاقي الى التزام الحكومة الاردنية بعدم التدخل في الاجراءات القانونية في هذه القضية معلنة ثقتها -وهي ثقة في محلها بالتأكيد- بقدرة الجهاز القضائي الاردني على الوصول الى قرار عادل وفقا للقوانين الاردنية.

وأخيرا قالت (الرأي) quot;يسجل للرسالة التأكيد الذي اعاد وزير العدل عليه بما هو ثوابت اردنية بأن بلدنا لن يتسامح مع اولئك الذي عقدوا العزم على نشر ثقافة الكراهية وعدم التسامح في المجتمع باسم الدين او حرية التعبير في الوقت الذي ستبقى قوانين الدولة الاردنية هي الضمان لابقاء مجتمعنا وشعبنا متحررا من ثقافة العنف، وهو امر نحسب ان على منظمات حقوق الانسان ان تأخذه في الاعتبار وان لا تبقى اسيرة خطاب وتقارير ومعلومات مجتزأة او مضللة.

ارتياح إخواني مرفوض

وإليه، رفضت مصادر رسمية أردنية ما عبّرت عنهالحركة الإسلامية عن quot;ارتياحهاquot; لـquot;المعاني الايجابيةquot; في حديث الملك عبد الله الثاني لصحيفة دير شبيغل الألمانية قبل يومين، والتي تحدث فيها جلالة الملك عن quot;الحركة الإسلامية ودورها الوطني والإيجابيquot;. مطالبة الجماعة باعتذار علني ورسمي للشعب الأردني عن ما فعله نوابها الأربعة في البرلمان من زيارة لبيت عزاء الزرقاوي واعتباره (شهيدا).

وكان المراقب العام للإخوان المسلمين سالم الفلاحات قال في تصريح له أمس quot;إننا في الحركة الإسلامية كنا وسنظل متمسكين بمنهجنا الوسطي المعتدل الواضح المستقر، وفي خدمة وطننا، وحفظ مصالحه العليا، وأمنه واستقرارهquot;.

وكان الملك الأردني قال في مقابلته المذكورة quot;إنني اعتقد أن الأكثرية الساحقة من الحركة الإسلامية في الأردن هم أناس معتدلون محبون للسلامquot;. وأشار الملك إلى أن quot;الجدل الدائر في مجتمعنا الآن هو أن على الناس أن يتفقوا على أن لا يتسامحوا إطلاقا مع الإرهاب، وعلينا أن نحدد لكل فرد ما الذي يعنيه الإرهابquot;.

ونقلت صحيفة (الغد) اليوم عن مصادر إسلامية مطلعة قولها quot;أن الحركة الإسلامية قرأت في تصريحات جلالة الملك quot;توجيها للحكومة بالتهدئةquot; في قضية زيارة أربعة نواب إسلاميين إلى بيت عزاء الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أبو مصعب الزرقاوي بعد مقتله في العراق في السابع من الشهر الحالي.

وكان الملك عبدالله الثاني قال ردا على سؤال عن تحديد العلاقات مع الإخوان المسلمين، إن عليهم quot;أن يعيدوا تحديد العلاقات معنا، فقد كانوا يعملون في المنطقة الرمادية في العقود الماضيةquot;، مشيرا إلى أن quot;أكثرية الإخوان المسلمين من المعتدلين ومن الذين يريدون مستقبلا خيّرا لهذا البلد ومستقبلا خيّرا لأطفالهمquot;. لكنه أكد أنه quot;لن يكون هناك أي تسامح تجاه الناس الذين يحضون على الإرهاب أو يدعمونه بأي شكل من الأشكالquot;.

وختاما، قال مرشد الإخوان المسلمين سالم الفلاحات في تصريحه إن quot;التحديات التي يواجهها وطننا، على الصعد المختلفة تستدعي تضافر جهود كل المخلصين، في كافة مواقع وجودهم بعيداً عن أي تأزم أو تأزيم، لن يكون الخاسر فيه إلا الوطنquot;.