حرب الإرادات على لبنان
إسرائيل تكسب جولتها الأولى

بلال خبيز: ما من شك ان الرد الإسرائيلي على العملية التي اسر فيها حزب الله جنديين اسرائيليين تجاوزت حدود سلامة الجنديين والمطالبة بعودتهما سالمين إلى ديارهما بمفاوضات او من دونها. فالعملية الإسرائيلية الواسعة والشاملة، والتي قوبلت بردود صاروخية على المدن والقرى في شمال اسرائيل، اصبحت اكبر بما لا يقاس من علمية تهدف إلى انقاذ جنديين من الأسر.

في طبيعة الحال وبحساب الأرباح والخسائر، لم تكن اسرائيل لتقدم على ما اقدمت عليه حفاظاً على حياة جنديين وتطلباً لعودتهما سالمين بتعريض سكان الجليل للخطر الفعلي، وتالياً فإن الخسائر الإسرائيلية التي ترتبت عن العملية حتى الآن، تفوق بأضعاف مضاعفة، في الأرواح والممتلكات، ما كانت قد خسرته في العملية نفسها.

الصحف الإسرائيلية تتحدث بوضوح عن معركة فاصلة واساسية يخوضها جيش الدفاع الإسرائيلي تكاد تكون معركة تقرير مصير اسرائيل كدولة وكيان. لذا لن تتورع القوات الإسرائيلية عن ممارسة كل الضغوط العسكرية الممكنة وعن توسيع المعركة واشعال الحريق في كل مكان للحيلولة دون ان تخسر ما تعتبره معركة حاسمة في تاريخها ومستقبل وجودها في المنطقة.

الصحف الاوروبية تتحدث عن استمرار العملية على وتيرتها وتصاعدها الدرامي حتى الخريف المقبل. فبالنسبة للمحللين الأوروبيين تريد اسرائيل ان تستعيد دورها الأقليمي الوازن والمقرر في المنطقة، خصوصاً في ما يخص جوارها، من لبنان إلى فلسطين فسورية، وصولاً إلى إيران في طبيعة الحال. والحق ان مجريات العملية ميدانياً وعلى المستوى السياسي العام تشير من دون لبس إلى ارباح صافية تحققها اسرائيل في معركتها هذه. فبعدما نفضت مصر يدها من قيادة حركة حماس في سورية، واعتبرت ان جهات غير فلسطينية تدخلت من اجل افشال الوساطة المصرية في إشارة لا تخفى إلى سورية وايران. جاء الموقف السعودي ليعزل المحور السوري ndash; الإيراني عزلاً نهائياً. اما على المستوى اللبناني فيواجه حزب الله ضغوطاً محلية متزايدة. فلم ينجح اي من قادته في تبرير نتائج ومترتبات هذه العملية، وبدا الحديث عن تحرير الأسرى عبر مبادلتهم بالجنديين الإسرائيليين حجة ناقصة لم تقنع احداً.

فضلاً عن هذا كله، وعلى المستوى الميداني، بدت القدرة العسكرية لحزب الله في الرد على الهجوم الإسرائيلي محدودة جداً. مما حدا بالمحللين في التلفزيون السوري وفي قناة المنار التابعة لحزب الله إلى التأكيد على صعوبة تدخل اسرائيلي بري، وان معركة الحزب الحقيقية والمكلفة لإسرائيل هي هذه المعركة بالضبط. لذا يجهد المحللون الموالون لحزب الله فيالتأكيد بأن اسرائيل لا تستطيع ان تحقق اهدافها من هذه العملية إذا لم تلجأ إلى فخ الهجوم البري، مما يجعلها عرضة لنيران المقاومين الأرضية، وفي هذه المنازلة يملك حزب الله السبق والأرجحية على ما يشيع محللوه المأذونون.

ورغم ان الشكوك في قدرة حقيقية على صد هجوم بري تأخذ بألباب اللبنانيين الذين خبروا جيداً مثل هذه الحروب في السابق، عامي 1978 و1982، إلا ان قدرة اسرائيل على التسيد في الجو وانتقاء اهدافها في عناية شديدة ومن دون حسيب ولا رقيب، وفرض حصار شامل على لبنان إلى امد طويل يوحي ان حزب الله لن يستطيع الصمود حتى ابتداء الهجوم البري.
منذ الآن يبدو الوضع في لبنان كارثياً، ورغم ان الرغبة بالصمود عامة وشاملة في لبنان، إلا ان الصمود يحتاج إلى مقومات لا يستطيع حزب الله ولا حلفاؤه فضلاً عن الدولة اللبنانية تأمينها. فالتهجير الفعلي قد بدأ من المناطق التي يسيطر عليها حزب الله. وان كان اللبنانيون لا يعرفون مرامي الخطة العسكرية الإسرائيلية تماماً إلا انهم يحدسون ان ثمة مناطق لا تزال حتى الآن بمأمن من الاستهداف الإسرائيلي، وهي المناطق التي ينزح إليها المقيمون في مناطق سيطرة حزب الله. لكن الضغط المعيشي الذي سيشكله مثل هذا النزوح على المناطق التي يتم النزوح إليها، هذا إذا بقيت بعيدة عن الاستهداف الإسرائيلي، سيجعل من مجرد البقاء على قيد الحياة عبئاً لا يطاق.

يعرف الجميع هنا، في بيروت، ان تقنين القسوة الإسرائيلية انما يكون اولاً وآخيراً بتحرك دولي ضاغط على اسرائيل. لكن وقائع الأمور تشير إلى عكس ذلك تماماً. لبنان متروك لوحده في هذه المنازلة، والمجتمع الدولي وطّن النفس على حرب طويلة تدوم لأسابيع على الأقل. بل ان القادة الإسرائيليين يعلنون منذ الآن ان خطة التحرك ستكون في المقبل من الأيام على غرار خطط التحرك الروسي ضد المقاتلين الشيشان وخطط التحرك الاميركي ضد تنظيم القاعدة وزعيمه اسامة بن لادن. وهذا إعلان حرب تدوم طويلاً ومديداً ولا تقتصر على الأرجح على لبنان وحده. وفي اثناء هذه الحرب ستبقى العمليات الإسرائيلية مفتوحة وناشطة تتجاوز لبنان إلى جواره.

الإجازة الدولية لهذه الجراحة الإسرائيلية في لبنان وجواره تعني في السياسة ان اسرائيل تريد فرض شروطها بالنار والتهديد على لبنان وجواره، وهو عين الاسلوب الذي اتبعته الحركات الأصولية المتطرفة في افغانستان والعراق، كما انه الاسلوب نفسه الذي اعتمده حزب الله اصلاً في مواجهة اسرائيل. فقوة حزب الله لم تكن يوماً في غزارة نيرانه وتقانته العسكرية بل في قدرة مقاتليه على الصبر والتحمل والدخول في حرب طويلة النفس ودامية على الدوام. وحين يمتلك العدو الشروط نفسها ينزع من حزب الله اسباب قوته، ويصبح الميزان مختلاً اختلالاً فادحاً لصالح الآلة العسكرية الاكثر تطوراً وهي في هذه الحالة اسرائيل من دون شك.