بين أحلام معلِّم دبلوماسية دمشق الوردية والشيطانية
الدوحة وصنعاء تشقّان عصا الطاعة

نصر المجالي من عمّان: رأى مراقبون أن كلا من دولة قطر عضو مجلس التعاون الخليجي واليمن الساعي إلى عضوية كاملة في المجلس، خرجتا على إرادة دول المجلس الأخرى ودول عربية معتدلة مثل مصر والأردن في شأن التعامل مع الأزمة السياسية والعسكرية الراهنة التي تعصف بالمنطقة،، وفي الوقت الذي كان فيه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى نعى عملية السلام بكاملها، وكذلك اتفاق عمداء الدبلوماسية العربية بعد جهد جهيد على ثلاثة قرارات تتعلق بلبنان وفلسطين، فإن اجتماع الوزراء العرب لم يخلُ من مصادمات كلامية بين عدد منهم، كان أطرافها وزراء خارجية كل من المملكة العربية السعودية (الأمير سعود الفيصل) وسورية (وليد المعلم) والكويت (الشيخ محمد الصباح) وقطر (حمد بن جاسم بن جبر). وفي التفاصيل، فإنه فضلا عن التصادم الكلامي بين وزيري خارجيتي السعودية وسورية، فإن وزير خارجية اليمن انضم مع وزير خارجية قطر الى التحالف الناشئ من جانب عدد من الدول العربية بقيادة دمشق والجزائر ضد الحلف الذي تقوده كل من الرياض والقاهرة وعمّان. ويبدو ان انشقاق وزير خارجية اليمن كان بسبب رفض عواصم قرار عربية لدعوة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لعقد قمة عربية طارئة.

وخلافاً لما حاولت بعض العواصم إظهاره من اتفاق وزاري عربي في القاهرة حول القضايا المطروحة للبحث في القاهرة أمس، إلا أن التقارير التي تسربت من مقر الجامعة العربية تؤكد أن خلافات عميقة خيمت على الاجتماعات. ووجد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نفسه مضطرا لرد كثير مت التلميحات والكلام الذي ارتفع الى حد التصريح الهجومي من جانب وزير خارجية دمشق وليد المعلم، والحال نفسه حدث مع وزير خارجية الكويت الشيخ محمد الصباح الذي رد على وزير خارجية قطر، بينما وقف وزيرا خارجيتي الأردن ومصر داعمين لموقف النظير السعودي.

وحسب مراقبين، فإن الخلافات تعمقت أكثر بين وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم الطارئ في جامعة الدول العربية في القاهرة، حيث انقسموا بين منتقد لمغامرات حزب الله اللبناني التي quot;قد تجر المنطقة إلى حرب شاملة غير محسوبة النتائجquot;، بينما فريق آخر يدعو إلى مساندة الحزب من دون شروط.

ووجه وزير خارجية سورية وليد المعلم انتقادات شديدة للموقف السعودي، غير أن الأمير سعود الفيصل رد عليه بقوة مؤكدا أن quot;مغامرات حزب الله غير مسؤولة وإنها جاءت في توقيت غير مناسب وأنه يجب أن ينسق مع الدولة اللبنانية لا أن تكون الحكومة اللبنانية آخر من يعلمquot;، وأضاف سعود الفيصل quot;تصرفات حزب الله تجر المنطقة إلى حرب كبيرة وأنه يعيد المنطقة سنوات إلى الوراء ولا يمكننا أن نقبل ذلكquot;.

وكان المعلم قال في مداخلة له quot;كيف نأتي إلى هنا لمناقشة الموقف المتفجر في لبنان بينما يقوم آخرون بانتقاد المقاومةquot;، وأضاف quot;بينما أنا في الطائرة من دمشق إلى القاهرة لحضور الاجتماع رأيت البوارج الإسرائيلية تقصف المدن اللبنانية..فحلمت إن الاجتماع الوزاري سيخرج بمواقف داعمة للبنان وحزب الله ولكن رأيت حتى قبل الاجتماع أن بعض الأطراف خرجت بمواقف أفشلت الاجتماع حتى قبل أن يبدأquot;.

وهنا رد الأمير سعود الفيصل محتدا ً وقال quot;يبدو أنها أحلام شيطانية لا يمكن الاستجابة لها .. فالدول العربية غير مستعدة للتخلي عن العمل العربي الموحد للنزول إلى مثل هذه الأحلامquot;.

وعلّق وزير خارجية الكويت مساندا رد سعود الفيصل بالقول ساخراً quot;لا يبدو أنها أحلام وردية غير قابلة للتحقيقquot; وأضاف الشيخ محمد الصباح موجها كلامه للوزير السوري بدون منحه أية القاب quot;يا معلم لا يمكن أن نعطي دفة الأمور لكي تديرها منظمات كحماس وحزب اللهquot;.

كما رد الوزير الكويتي على تعليق لوزير خارجية قطر حمد بن جاسم بن جبر الذي حاول تهدئة الموقف مطالبا بـ quot;الاستجابة لمطالب الشارع العربيquot;، فقال محمد الصباح quot;عن أي شارع عربي تتكلم يا حمد؟ عن الشارع الذي هتف لصدام حسين وأبو مصعب الزرقاوي؟..وكان الاثنان على خطأ..هذا الشارع غير موجودquot;.

يذكر أن دولا عربية عديدة تتهم قطر بأنها تقف وراء الحملات والتغطيات الاخبارية والتقارير التي تبثها فضائية (الجزيرة) خلال الأزمة اللبنانية، ويرى المراقبون أن الفضائية الممولة من الدوحة quot;وجهت بوصلة انتقاداتها للموقف الذي اتخذته المملكة العربية السعودية ودول حليفة مثل مصر والأردن، ضد مغامرات حزب الله غير المحسوبة على الساحة اللبنانية وهي التي قد تجر المنطقة كلها الى حرب شاملةquot;.

وإليه، رفض غالبية وزراء الخارجية العرب مطالب تقدم بها كل من وزير خارجية سورية ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق قدومي لتقديم مبلغ مليار ونصف المليار دولار لتشكيل جيش عربي موحد للوقوف في وجه إسرائيل.

كما رفض عدد من الوزراء فكرة قيام دول مجلس التعاون الخليجي بتحمل تكاليف إعادة إعمار لبنان، وأبلغ وزير خارجية الكويت حال عودته البارحة من القاهرة الصحافيين ان سبب اعتراض الكويت على تحملها تكاليف اعادة الاعمار في لبنان يعود الى ان الاجتماع ليس للمانحين انما لدعم صمود الشعب اللبناني، متسائلا كيف لنا ان نلتزم باعادة الاعمار واسرائيل ما زالت تقصف لبنان؟ فهناك مسؤولية اخلاقية وقانونية وسياسية على اسرائيل، والمطالبة يجب ان تكون لاسرائيل.

وطالب الشيخ محمد الصباح بتشكيل موقف عربي موحد لطرح الموضوع على مجلس الامن والمحكمة الدولية حسب معاهدة جنيف التي تحدد المسؤولية القانونية على الدولة المعتدية وقال لهذا رأينا انه من المصلحة الا نرفع هذا العبء عن اسرائيل في هذه المرحلة.

وفي رده على سؤال حول سبب رفض الكويت لفكرة تمويل جيش عربي رادع لاسرائيل قال وزير خارجية الكويت quot;الدول العربية اتفقت على نهج السلام والذي يفكر في ان الحروب في ظل الظروف الحالية يمكن ان تأتي بنتيجة ايجابية فهو لا يفكر في مصلحة عربية طويلة المدىquot;.

وقال quot;اننا تجاوزنا مرحلة لا صوت يعلو على صوت المعركةraquo; وأشار إلى أن quot;صوت المعركة هو ببناء القدرات الذاتية، والسياسية والاقتصادية والديموقراطية والحريات وحقوق الانسانquot;، موضحا ان هذا هو الطريق الذي يمكن ان نعزز موقفنا في مواجهة اسرائيل وليس بشراء الدبابات.

وأخيرا، حول نعي الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لعملية السلام في مـؤتمر صحافي عقده عقب الاجتماع الطارىء قال الشيخ الصباح quot;هذا ناتج عن الاحباط والعربدة الاسرائيلية ولا ألوم اي احد يعتقد ان الطريق والحل السلمي وصل الى نهايته فهذا يعكس حالة الاحباط الشديد وهذه رسالة مهمة للمجتمع الدولي .. أما بالنسبة لسبل مواجهة استخدام الفيتو الاميركي ضد اي تحرك مستقبلي، فإن هذا يعتمد علينا نحن العرب في كيفية طرح قضيتنا بطريقة مفهومة للعالمquot;.