ترجمة سامية المصري: أراد كل من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن يرسلا قوة دولية للفصل بين إسرائيل وإرهابيي حزب الله في لبنان. قال بلير أن قوة الأمم المتحدة يجب أن تُبعَث quot;... كي يتوقف قصف إسرائيل, وبالتالي تعطي سبباً لإسرائيل لكي توقف بدورها الهجمات على حزب الله.quot; وقال كوفي عنان أن قوة كهذه يمكنها quot;... السعي من أجل الاستقرار.quot; لكن فكرتهما تفترض أولاً أن وقف إطلاق النار سيحمي من يستحق الحماية, وثانياً أن استعادة المنطقة للاستقرار سيجلب سلاماً طويل الأمد. ويرى جِد بابين نائب وكيل وزارة الدفاع في حكومة جورج إتش.دبليو. بوش أن كلاً من الافتراضين خاطئ تماماً.

ويذكر في مقاله الذي نشره موقع ريل كلير بوليتيكس السياسي أن حزب الله ليس جماعة صغيرة مُهمَلة متفرقة في أنحاء لبنان. إنه تنظيم إرهابي ضخم, بُني على مدى عقود ويشتمل على آلاف الرجال والسلاح والمناصب والمكاتب وكل ما يُمكّنه من أن يحكم جنوب لبنان. وإسرائيل تدمر الآن تلك البنية التحتية. سينتفع حزب الله من وقف إطلاق النار بينما سيهدد هذا إسرائيل, إذ إنه سيحمي كلاً من حزب الله والدول الداعمة له ndash; سوريا وإيران ndash; إضافةً إلى اللبنانيين الذين قبلوا أن تكون منظمة إرهابية جزءاً شرعياً من حكومتهم. إن وقف إطلاق النار سيسمح لحزب الله بإعادة بناء قاعدة قوته, وسيمكنه من استئناف هجماته متى رغبت دمشق وطهران في ذلك. أما بالنسبة لإسرائيل, فإن قوات الأمم المتحدة لن تقدم الأمن مهما حصل أمام الهجمات في المستقبل. إن سجل الأمم المتحدة الطويل على الحدود الإسرائيلية اللبنانية يثير السخرية من مصطلح quot;قوات حفظ السلامquot;. في كتابي الذي بعنوان quot;داخل الملجأquot; هناك صورة لأحد مخافر الأمم المتحدة على تلك الحدود. عَلَم الأمم المتحدة وعَلَم حزب الله يرفرفان جنباً إلى جنب. وأخبرني المراقبون أن أفراد الأمم المتحدة وحزب الله يتقاسمون المياه وخطوط الهاتف, وأن وجود الأمم المتحدة يعمل كغطاء يحمي من الضربات الإسرائيلية الموجهة إلى الإرهابيين.

كان الرد الإسرائيلي على الهجوم الذي قاده حزب الله اللبناني أكثر عنفاً وتأثيراً مما كان يتوقعه حزب الله أو إيران أو سوريا. وكانت حكومة أولمرت قد امتنعت عن أي رد ذي أهمية على الهجمات السابقة من غزة ولبنان, مما شجع كلا النظامين الإرهابيين. إن تصرف النظامين السوري والإيراني جعل سياستهما الخارجية على شفا الهاوية. إنهم يهاجمون متى ما استطاعوا بطريقة عدوانية, طالما أنهم يعتقدون أنهم لا يتسببون بردة فعلٍ عنيفة. أرادت إيران أن تصرف انتباه قمة مجموعة الثماني عن الاتفاق على فعل أي شيء حول برنامجها للتسلح النووي, ولذلك أخبرت نوابها في لبنان ndash; حزب الله ndash; أن الوقت قد حان لبدء هجومٍ نوعي.

بدأت هجمات حزب الله بعد أسبوعين تقريباً من مواجهة إسرائيل للإدانات الدولية المعتادة لردة فعلها تجاه أسر حماس جندياً إسرائيلياً. وحتى بعد هجوم غزة ndash; ومدفوعين من قِبَل الإدانة الدولية للاستجابة الاسرائيلية quot;غير الملائمةquot; ndash; اقتنعت كل من إيران وسوريا بأن إسرائيل لن تقوم بأكثر من هجمات رمزية في لبنان. وللمرة الأولى تصرفت إسرائيل طبقاً لنظرية جورج بوش القائلة بأن: الحكومة التي تشمل أو تساند أو تؤوي الإرهابيين مسؤولة عن أفعالها. والسبب الذي على أساسه يجب ألا تقبل إسرائيل بوقف إطلاق النار وأن قوى الأمم المتحدة يجب أن يُرفض استقبالها هو حقيقة أن الدول العربية ستبدأ بتفتيح أعينها.

كان لقاء القاهرة الطارئ لوزراء خارجية الدول العربية الثمانية عشرة الحدث الأكثر أهمية في المنطقة منذ سقوط صدام. هذه اللقاءات اعتيادية, تُعقد في الأزمات أو للتهيؤ السياسي, وفي كل مناسبة قبل أن ينتج عن الأخيرة إدانة إسرائيل و (أو) الولايات المتحدة. ابتدأ اللقاء وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ الذي اقترح قراراً يدين أعمال إسرائيل العسكرية داعماً quot;حق لبنان في مقاومة الاحتلال بجميع الوسائل الشرعيةquot; (بلهجة وصفها التقرير الإخباري للأسوشييتد برس بأنها quot;لهجة طالما استعملها حزب الله لتبرير وجود فدائييه في جنوب لبنانquot;). المسوّدة اللبنانية كذلك دعت إسرائيل للإفراج عن جميع الأسرى اللبنانيين, وأيدت حق لبنان في quot;تحريرهم بجميع الوسائل الشرعية.quot; وquot;الأسرى اللبنانيونquot; هم جميعهم من أعضاء حزب الله وquot;الوسائل الشرعيةquot; يمكن ترجمتها بالإرهاب. وزير الخارجية السوري وليد المعلم أيد بقوة لبنان وحزب الله. لكن كانت هناك عقبة تاريخية منعت التصديق اللبناني على الإرهاب.

وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قاد حكومة ثلاثية بانضمام مصر والأردن الذي, حسب تقرير الأسوشييتد برس, quot;... انتقد تصرفات الجماعة الفدائية واصفاً إياها بـ (التصرفات غير المتوقعة وغير المناسبة وغير المسؤولة)quot;. وقال الفيصل: quot;هذه التصرفات ستجر المنطقة إلى الوراء عدة سنوات, ونحن ببساطة لا يمكننا أن نقبلها.quot; هذه هي التذمرات التي سبقت زلزالاً سياسياً. القادة العرب خائفون من أن تنقلب نتائج أفعال الإرهابيين الذين دللوهم لسنوات عليهم, وهم خائفون جداً مما يمكن أن تفعله إيران في المرحلة التالية. علينا أن نعزز هذه المخاوف, لأنها تمثل الرافعة الأولى والكبيرة التي يمكن أن تُحرِّك هذه الدول.

لدى وزراء الخارجية العرب بصيص من درسٍ بدأ يتضح في أذهانهم. إن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض في الأمم المتحدة لإدانة التصرف الإسرائيلي يوضح أنه إذا فرضت إسرائيل ترتيبات على دعم الإرهاب فلن تقف الولايات المتحدة في طريقها. ومعاقبة لبنان على قبول حكومتها بحزب الله هي الخطوة الأولى. والخطوة المنطقية الثانية ستكون معاقبة سوريا, ومن ثم إيران. وإذا قصد الرئيس بوش أن يطبق السياسة التي صرح بها فإنه لن يفسح المجال أمام إسرائيل وحسب, بل سيكون رائداً في ذلك. وبدلاً من انتقاد كوفي عنان وطلبه إليه محادثة بشار الأسد والضغط على سوريا, عليه أن يجد مبعوثاً يمكن الاعتماد عليه أكثر. وفي هذه الأثناء, يلوح اسم بيتر بيس .

سيَحُثّ الإيرانيون والسوريون حزب الله لتصعيد المعركة في الأيام القادمة. وسيتم استخدام الكثير من القذائف والمفجرين الانتحاريين في مواجهة إسرائيل. وسيواصل الإسرائيليون هجماتهم في لبنان وغزة. وفي حال ضغطنا على الإسرائيليين لوقف هجومهم قبل الأوان سيتلاشى الأمل الذي ظهر عن لقاء الوزراء العرب, وسيكون الدرس الذي تعلموه هو أن مؤيدي ومساندي الإرهابيين سيفلتون من العقاب. وفي حال واصلنا رفض وقف إطلاق النار وشجعنا إسرائيل لتوجيه ضربة قوية لحزب الله فإن لبنان والسعودية ومصر والأردن ستدرك أن الدرس هو العكس تماماً. وبالنسبة لسوريا وإيران فإن الدرس يجب أن يُطبّق مباشرة.

ترجمة: سامية المصري
الرياض
18 يوليو2006