دعم دولي معنوي وسياسي ومالي للبنان ولكن...
مؤتمر روما: لا مطالبة حتى بوقف للنار

إيلي الحاج من بيروت: كما كان متوقعاً لم تصدر مطالبة بوقف للنار فوري وعاجل عن مؤتمر روما الدولي في شأن أزمة لبنان، بل إعلان عن سعي إلى وقف النار، وكان اللبنانيون عوّلوا على هذا المؤتمر الذي انعقد اليوم بعدما تقرر على عجل ، علّه يكون خطوة أولى على طريق رسم حل ووقف الحرب التي علقوا فجأة في وسطها .

رغم ذلك، يمكن القول إن المؤتمر أطلق إشارة إلى إخراج معالجة الحرب من إطار الأمم المتحدة إلى إطار دولي خاص ، إذ كان لافتاً إلى حد بعيد ان مجلس الأمن للمرة الأولى في تاريخه لم يطلب وقفا للنار كما يفعل عادة عند نشوب نزاع بين دولتين. لا بل يتبيّن ان مجلس الأمن في هذه الحرب لن تكون له الأولوية، فيما البحث جارٍ عن آليات وقوات دولية أطلسية من خارج اطار الأمم المتحدة تكون مؤهلة وقادرة على القيام بمهمات قتالية ردعية.

وأكد مؤتمر روما ان لا ضغوط على اسرائيل لوقف النار من دون التوصل الى اطار سياسي جديد يخلق ظروفا ملائمة لتنفيذ القرار الدولي ١٥٥٩ ، ويحرمquot; حزب اللهquot; فرصة العودة الى ما كان عليه الوضع قبل ١٢ تموز / يوليو . وهذا التوجه وقفت وراءه واشنطن التي ترفض حلولا موقتة وتصر على حل تكامل في اطار رزمة واحدة لوقف الحرب تستند الى فرض مبدأ إزالة تهديد صواريخ quot;حزب اللهquot; لإسرائيل نهائيا ومنع اعادة تكوين ترسانته العسكرالاستراتيجية. باعتبار أن المسألة التي تطغى حالياً هي سبل تحقيق أمن إسرائيل، وتجاوز الأمر موضوع الأسرى، أما القوات الدولية الرادعة التي طرحت بإلحاح فكرة ارسالها الى لبنان فبدأ الحديث عن تكليفها مهمة تتجاوز المنطقة الحدودية لتنشر على كل المنافذ البحرية والبرية والجوية وتفرض رقابة شاملة على دخول السلاح.

وبديهي أن مؤتمر روما لم يكن المكان ولا الإطار المناسب والمؤهل لإنتاج تسويات سياسية في لغياب الفئات الأساسية المعنية مباشرة او غير مباشرة بالحرب الدائرة، أي اسرائيل،quot; حزب اللهquot;، ايران، سورية.

وفي وقت تصر الولايات المتحدة على عدم اجراء أي اتصال وتفاوض مع ايران وسورية، تبدو مواقف هاتين الدولتين ثابتة عند ثلاث نقاط لم تعد متناسبة مع تطور الأحداث، وهي: وقف الهجوم الاسرائيلي من دون شروط، تبادل الأسرى والعودة الى جوهر المشكلة وهو الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية وعدم تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالصراع.

ولم يساعد التباين الأوروبي - الاميركي في ما يتعلق بسبل حل الأزمة المتفجرة في التوصل إلى نتائج ملموسة للمؤتمر. ويتمحور هذا التباين على مسألتين. الأولى وقف النار التي تعتبرها فرنسا أولوية لاطلاق مسار سياسي يتضمن انسحاب quot;حزب اللهquot; ونشر الجيش اللبناني وتبادل الأسرى وتسوية قضية مزارع شبعا، ومن دونه لا يمكن ارسال قوةات دوليةإلى لبنان. أما الثانية فتتعلق برغبة واشنطن في أن تكون هذه القوات الدولية أطلسية للتدخل السريع لكونها موجودة وجاهزة، فيما تبدي دول اوروبا حذرا حيال فكرة ارسال حلف الأطلسي الى منطقة الشرق الاوسط البالغة الحساسية والتعقيد.

أما العائق الآخر أمام خروج المؤتمر بنتائج أساسية فكان التباين العربي - الأميركي إذ عرضت على المؤتمرين مبادرة لبنانية- عربية جاء في بندها الأول الوقف الفوري لكل العمليات العسكرية من الجانبين، فيما البنود الأخرى تناولت انسحاب القوات الاسرائيلية ونشر قوات دولية وتعزيز دور الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية، وتطبيق القرار ١٥٥٩ بطريقة تزيل مخاوف الانقسامات والفتنة الداخلية والاقليمية، وترك مصير ومستقبل لبنان وأي ترتيبات أمنية للبنانيين أنفسهم، وبما يؤدي الى نزع أسلحة الميليشيات وتحويل quot;حزب اللهquot; حركة سياسية، مع التشديد على أهمية بحث خطط اعادة اعمار ما دمرته الحرب من مرافق وبنية تحتية وتوفير الدعم العربي والدولي.

يضاف إلى ذلك كله عدم تبلور موقف لبنان رسمي متكامل وواضح لأن الرئاسات والقوى المكونة للائتلاف الحكومي ليست على موجة سياسية واحدة. فاللبنانيون التقوا على التصدي لنتائج الهجوم الإسرائيلي الانسانية والاقتصادية المدمرة، وأعطوا ذلك أولوية مطلقة مؤجلين المناقشات وتحميل المسؤوليات الى ما بعد انتهاء الحرب ، لكنهم لم يتفقوا على طريقة الخروج من هذه الحرب والأثمان التي يجب دفعها.

لهذه الأسباب مجتمعة لم يخرج مؤتمر روما بإعلان ولا حتى بمطالبة بوقف النار ولا بأي نتيجة يمكن أن تحد من حرية اسرائيل في عملياتها العسكرية التي تعوّل عليها واشنطن لإقامة واقع جديد ميدانياَ يمكن البناء عليه سياسيا.

إلا أن المؤتمر حقق في المقابل أقصى ما كان يمكن توقعه منه: خطوط عريضة للتسوية السياسية والحل الشامل على قاعدة الهدنة لعام 1949 وتطبيق القرار 425 والقرار 1559 واتفاق الطائف، وإعلان السعي إلى وقف للنار، وتوفير دعم دولي معنوي وسياسي ومالي تعتبر حكومة لبنان في أمس الحاجة إليه.