القمة الروحية في بكركي
تحقيق نصف استقلال لبنان

بلال خبيز: الإجماع الذي خرجت به القمة الروحية اللبنانية في مقر البطريركية المارونية في بكركي على النقاط السبع في ورقة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة

اقرأ أيضا

قمة بكركي تطالب باستعادة سيادة الدولة على الجنوب

السوريون مقتنعون بانسداد افق التسويات

مقتل ثلاثة جنود اسرائيليين في جنوب لبنان

إسرائيل تريد تمهيد الطريق لقوة دولية

مفتي سورية: نصرة المقاومة اللبنانية واجبة

عون: السبيل للسلام بإقرار السواسية بين الإسرائيليين واللبنانيين

صعوبات تواجه وصول المساعدات إلى جنوب لبنان

الشرق الأوسط سيظل يفتقر إلى السلام

حزب الله يطلق 100 صاروخ يومياً على إسرائيل

يكاد أن يعادل إعادة تأسيس البلد من جديد. ليس لأن رؤساء الطوائف الروحيين اتفقوا على ما اتفقوا عليه، وهذا في ذاته بالغ الأهمية من دون شك، بل ايضاً وفي الأساس لأن هذا الاتفاق تأسس على تضامن وطني حاسم في مواجهة العدوان الإسرائيلي من جهة وصمود مقاوم على الجبهة استطاع حزب الله من خلاله ان يثبت انه يستطيع اذية اسرائيل فعلياً، وان المغامرة في لبنان ليست نزهة في سماء صافية. لبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي اثبت انه يملك مقاومتين، وكلتاهما بالغة الأهمية، مقاومة في الميدان اثبتت بالصمود الذي لم تواجه اسرائيل مثله في حروبها كافة ان لبنان لم يعد من الجهة الإسرائيلية قابلاً لأن يكون ساحة سهلة لتصفية الحسابات.

وتالياً لا بد ان اسرائيل ستفكر اكثر من مرة في المقبل من السنوات والأيام قبل ان تقدم على مغامرة سهلة في لبنان، لكن هذه المقاومة العسكرية التي لا جدل في مدى فاعليتها، لم تكن لتستطيع ان تحقق انجازات فعلية من دون تضامن حقيقي لبناني في مواجهة العدوان. فالكلفة البشرية والمادية التي اصابت لبنان في اقتصاده ومستقبله كانت افدح مما يتخيل اي كان. كما لو ان اسرائيل ارادت من خلال عدوانها الذي تجاوز كل حد ان تجعل لبنان اشبه ما يكون بهيروشيما الشرق الاوسط.

العدوان الإسرائيلي اراد ان يضرب بلبنان مثلاً حياً في الدمار والكلفة الهائلة للمنطقة العربية برمتها وان يحذر من خلاله اي محاولة عربية للعبث بأمن اسرائيل من اي جهة. لكن تضامن اللبنانيين في ما بينهم، وصورة هذا البلد في العالم والتي حققها بجهد ابنائه جميعاً في السنوات التي تلت الحرب الاهلية، جعلا امر إعادة بناء ما تهدم ممكناً.

انسحبت اسرائيل في العام 2000 تحت ضغط مقاومة حزب الله، لكن الانسحاب يومذاك اعتبر انسحاباً تكتيكياً في معركة اسرائيل مع سورية وايران، حيث ارتأت اسرائيل ان تقطع الاصبع السورية في جنوب لبنان، وان تجعل منها مغلولة اليدين في صراعها بالوكالة من لبنان. وتالياً كان الانسحاب الإسرائيلي يخسر في لبنان خطوة لكنه يربح في سوريا عشر خطوات. لكن الهجوم الإسرائيلي الجديد اثبت لإسرائيل ان الأمر ليس بهذه البساطة وان البلد يستطيع ويريد الدفاع عن نفسه، وانه يحسن ان يجعلها تخسر في الميدانين: العسكري حيث بدت مقاومة حزب الله صلبة وذات جدوى، والسياسي حيث حشرت اسرائيل منذ الايام الاولى في موقع المعتدي والهمجي والذي يستبيح مقدرات شعب ووطن ويدمرها عن بكرة ابيها. تكامل المقاومتين جعلا التضامن مع البلد حاسماً على مستوى العالم كله ومن دون استثناء. فالبلد حقق تضامناً جدياً معه من طرفي الصراع. وحدها الإدارة السورية لم تجد ما تفعله تضامناً مع لبنان، بل وذهب وزير خارجيتها وليد المعلم إلى التهديد المبطن بتحويل لبنان عراقاً اخرى، بما يعني ذلك من اقتتال شيعي- سني لا يبقي ولا يذر، جعل سورية خارج اللعبة اقله حتى الآن.

اتت القمة الروحية في بكركي تتويجاً فعلياً لتحقق نصف الاستقلال اللبناني. لبنان لم يعد صندوق بريد للرسائل الإسرائيلية. صحيح ان هذا الإنجاز تحقق على كم هائل من الدمار والخسائر التي لا تعوض. لكنها المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يكون فيها الدم لبنانياً صافياً إلى هذا الحد والمقاومة لبنانية حقاً إلى هذا الحد، والبلد موحداً تحت الدمار وتحت آلة الحرب العسكرية إلى هذا الحد. لبنان توحد في وجه العدوان وقاوم حتى الرمق الاخير. واليوم ثمة مهمة بالغة التعقيد تقع على عاتق اللبنانيين ويجب ان يتم انجازها على نحو سريع وبأقل كم من الخسائر، وتتمثل هذه المهمة بمنع الدول الشرق اوسطية وفي مقدمها سورية وايران ان تعامل البلد مرة أخرى كما لو انه صندوق بريد.

لقد دفع اللبنانيون ما يكفي من مستقبلهم وحيواتهم وماضيهم ليثبتوا لإسرائيل ان البلد لم يعد صندوق بريد لإسرائيل، وهذه الخسائر الفادحة التي طاولت اللبنانيين في ارواحهم وارزاقهم هي نفسها التي يجب ان تشكل عصب المناعة الأساسي الذي يمنع الدول الشرق الأوسطية التي تحلم بادوار اقليمية ان تجعل من لبنان صندوق بريد على حساب ارواح ابنائه. وهذا ما بدا واضحاً وحاسماً في مقررات القمة الروحية وعلى نحو لا لبس فيه.