جنازة عسكرية لمحفوظ بعد الصلاة بمسجد الحسين
مصر تودع آخر الحرافيش والليبراليين الأوائل

إقرأ أيضا

محفوظ ذاكرة الحارة المصرية

سبب وفاة نجيب محفوظ الذي سيشيع جثمانه اليوم

ملف رحيل نجيب محفوظ: مقالات، متابعات وذكريات

كتب ـ نبيل شرف الدين : الليلة الماضية لم تتعطر أجواء القاهرة بأنفاس أحد أنبل أبنائها، ربما كان آخر سلالة quot;ثورة 1919quot;، وأحد أجمل أيقوناتها الإنسانية، لأنه باختصار قرر أن يموت، هذا حقاً ما يرسخ في اعتقادي بأن نجيب محفوظ ـ وهو غني عن التعريف ـ لم يمت، بل اتخذ قراره بكل هدوء quot;أن يمضي في سلامquot; . وحتى تكتمل بقية فصول هذا السيناريو بهدوئه المألوف، دون أن يزعج أو يشغل أحداً، لذا دخل مستشفى الشرطة، ليس فقط لأنها تقع أمام منزله مباشرة، بل أيضاً ليوفر على quot;خلق اللهquot; مشقة زيارته، فليس مسموحاً لغير كبار المسؤولين والشخصيات العامة وضباط الشرطة، بدخول ذلك المستشفى المدجج بالحراسات، فضلاً عما أحيط بالجناح الذي رقد فيه محفوظ من إجراءات أمنية صارمة .

إذن هناك .. وسط كرنفال الأزياء البيضاء، ذلك الأبيض الشاحب الذي اختلطت فيه أزياء الممرضات والأطباء الأبيض، بزي رجال الشرطة الصيفي الأبيض، والأسرة بدورها quot;بيضاءquot; بالطبع .. كل شئ أبيض هناك، يشي بشحوب تدون على متنه نهايات الحكايات .. حكايات الرحيل، حين لا يكون ثمة مفر منه .

وهكذا رقد العم نجيب محفوظ وسط هذه quot;الغابة البيضاءquot;، كان يغيب عن الوعي حيناً، ويفيق أحياناً حيث يوزع ابتساماته الماكرة، التي فشل الزمن أن يسلبه إياها، بعد أن انتزع منه القدرة على السمع أو الإبصار الجيد، أو الكتابة، فقط تبقت تلك الابتسامة اللعوب، والقدرة على الحلم، التي لم يدخرها لنفسه، بل قاسم الملايين فيها حتى لو كانت quot;أحلام فترة النقاهةquot; . ولعل محفوظ المتواضع الحقيقي من دون أدنى ادعاء، ربما لن يكون سعيداً ـ أو بتعبير أدق لن يكون متحمساً ـ لو كان يعلم أن جنازته سوف تشيع عسكرياً وتطلق لأجله المدفعية 21 طلقة، ويطلق النفير quot;نوبة رجوعquot;، ويسير رجالات الدولة خلف نعشه المحمول على عربة مدفع تجرها الخيول، على وقع الموسيقى الجنائزية، وربما كان بحدسه قد توقع ذلك، وهو البسيط ابن البسطاء، لهذا حرص أن يوصي مريديه واسرته بتحقيق رغبته الأخيرة، بأن يصلى على جثمانه في مسجد الإمام الحسين، حيث تفتحت عيناه وتربى في رحابه الطاهر، وربطت بين ثلاثتهم ـ محفوظ والإمام والضريح ـ ثمة علاقة يستشعرها كل من استنشق عبير حكايات محفوظ، الموشاة بحس صوفي عميق، وتمرد أصيل على سماسرة السماء، مقابل انحياز لكل ما هو حقيقي وأصيل .

جنازة عسكرية
فعلها إذن العم نجيب، وقرر الرحيل، وأجبر العالم كله على تتبع الأنباء السيارة، حيث جرى تشييع جثمان الروائي المصري الكبير ظهر الخميس من مسجد quot;آل رشدانquot; بحي مدينة نصر شرق القاهرة، بعد أن خرج الجثمان من حي الجمالية وسط القاهرة الذي شهد مولده وصباه الباكر، حيث أقيمت جنازة عسكرية للفقيد، تضمنت طقوس حمل جثمانه على عربة مدفع تجرها الخيول، بعد لفه بعلم مصر، ولو كان نجيب قد استشير في الأمر، لطلب أن يلف في ذلك العلم الأخضر بهلاله ونجومه الثلاثة، وهو العلم الذي أنزل منذ انقلاب العسكر عام 1952، وطالما راود العم نجيب حلم رؤية هذا العلم الجميل يرفرف ثانية في سماء مصر، لكن quot;ليس كل ما يتمنى المرء يدركهquot; .

وكان من المفترض أن يتم تشييع جثمان الفقيد من مسجد مصطفى محمود بحي المهندسين نظرا لأن الأقرب لمنزل الراحل وأيضاً لمستشفى العجوزة التي وافته المنية بها، غير أن اختيار مسجد آل رشدان للصلاة على جثمان الفقيد جاء لاعتبارات أمنية كما أعلن عن ذلك رسمياً، إذ شارك عدد من كبار رجال الدولة في تلك الجنازة مما اقتضى توفير الأمن .
في السياق ذاته، نعى الرئيس المصري حسني مبارك الفقيد الكبير، وقال بيان أصدرته رئاسة الجمهورية إنه ينعي إلى شعب مصر علما فذا في الأدب العربي، انحاز لشعب مصر على الدوام من خلال رواياته ، وأضاف البيان أن الرئيس محمد حسني مبارك إذ ينعي محفوظ للشعب علما من أعلام الفكر والثقافة ، روائيا فذا ، ومفكرا مستنيرا ، وقلما مبدعا ، داعيا الله أن يسكن الأديب العالمي فسيح جناتهquot;، كما تلقى مبارك برقية عزاء من عدد من الملوك والرؤساء والأمراء في وفاة الفقيد الكبير .

آخر الحرافيش
لم يكن quot;الحرافيشquot; أبطالاً في رواية محفوظ فحسب، بل لعبوا أيضاً دور البطولة في حياته الاجتماعية والعامة، فهم أعضاء quot;الشلةquot; التي أسسها نجيب ورفاقه المقربون منذ عقد الأربعينيات وضمت مجموعة من المثقفين الشبان (حينئذ) أصحاب المشاريع الثقافية والفكرية الواعدةrlm;,rlm; وكانت هذه quot;الشلةquot; تجتمع كل خميس في منزل أحد أفرادهاrlm;,rlm; وضمت quot;الحرافيشquot; التي كانت طيلة الوقت قادرة على التطور والتفاعل مع الحياة، كلاً من :rlm; عادل كامل، وعلي أحمد باكثير، ويوسف جوهر، ومحمد عفيفي، والفنان أحمد مظهر، وأحمد زكي مخلوف، وعاصم حلميrlm;,rlm; ثم انضم اليها لاحقا صلاح جاهين وتوفيق صالح ثم بهجت عثمانrlm;.
وكانت لقاءات quot;الحرافيشquot; تلتئم في البداية على شاطئ النيل، وفي شوارع القاهرة ومقاهيهاrlm;,rlm; ثم بيت محمد عفيفي في الهرمrlm;,rlm; وبعد وفاته انتقلت الي بيت عادل كامل .
ويعترف محفوظ بأن الحرافيش أو الصداقة عموما والتزاماتها لم تعطله يوما عن الكتابة أو القراءةrlm;,rlm; لأن محفوظ وفر لهذه quot;الشلةquot; الوقت الذي حدده من كل أسبوع في اطار نظام حياتي صارم التزم به طيلة حياته الوظيفية حتى إحالته على التقاعد، هذا فضلاً عن الانتظام في القراءة والكتابة طوال أيام الأسبوع ماعدا الخميس والجمعة، إذ كان الخميس مخصصا للقاء quot;شلة الحرافيشquot; التي لم تكن تقبل أي أعضاء جددا إلا بصعوبةrlm; بالغة وبتزكية من أغلبية أعضائها،rlm; بينما خصص كل يوم جمعة للقاء دائرة أوسع من الأصدقاء والأدباء والصحافيينrlm;,rlm; الذين كانوا يلتقون في كازينو quot;صفية حلميquot; بميدان الأوبرا وسط القاهرةrlm;,rlm; ثم انتقل اللقاء إلى مقهى quot;ريشrlm;quot;,rlm; وقبيل جائزة نوبل عام 1988rlm; بسنوات انتقلوا مرة أخرى إلى كازينو قصر النيلrlm;,rlm; وهو اللقاء الأسبوعي الذي اتسع تدريجياً ليشمل خمسة لقاءات هي معظم أيام الأسبوع، ماعدا السبت المخصص للأسرة،rlm; والخميسrlm;rlm; المخصص لرفاقه الحميمين quot;شلة الحرافيشrlm;quot; .

يوميات المستشفى
أحد أكثر المقربين من نجيب محفوظ، وهو الصحافي محمد سلماوي، رئيس تحرير أسبوعية quot;الأهرام إبدوquot; الناطقة بالفرنسية، أوضح أن الفقيد الكبير مر قبيل رحيله بليلة حاسمة، إذ أصيب بجلطة في القلب وقد تمت السيطرة عليها، غير أنها عاودت إصابته مجددا مما ادى الى وفاته .

من جانبه قال الدكتور حسام موافي، رئيس الفريق الطبي المعالج لمحفوظ، quot;إن الأديب الكبير دخل المستشفى في السابع من يوليو الماضي إثر إصابته بجرح غائر في الرأس تطلب جراحة فورية، إلا أن أسباب الوفاة كانت بعيدة تماما عن هذه الإصابة ، فقد توفى رحمه الله نتيجة لتوقف عمل القلبquot;.

وأوضح د. موافي أن زوجة الأديب الكبير رفضت بشكل قاطع سفره للعلاج في الخارج ، مؤكدا أن كافة أجهزة الدولة كانت على أهبة الاستعداد لتسفيره لتلقى العلاج في الخارج في حالة موافقة اسرته على ذلك.
وحول اللحظات الأخيرة في حياة نجيب محفوظ، يقول طبيبه إنه quot;كان متمسكاً بالحياة، واعياً بكل شيء، وابتسم لابنتيه مراراً، وتحدث معهما بالإشارة، مثلما كان يتحدث معي، ولم يكن يزوره في الأيام الأخيرة سوى زوجته وابنتاه، لكن كانت حالته النفسية جيدة جداً، لدرجة أننا أفرطنا في التفاؤل، وسألت زوجته عما ستفعله عندما تغادر معه إلى منزلهماquot; .

وظل محفوظ الذي توفي عن عمر يناهز 95 عاما في وحدة العناية المركزة بمستشفى الشرطة بالعجوزة بعد أن أصيب بهبوط مفاجئ في ضغط الدم وفشل كلوي ، بعدما دخل المستشفى 16 يوليو إثر سقوطه على الأرض وإصابته بجرح سطحي في الرأس.

سيرة ذاتية
وفي السيرة الذاتية فقد ولد محفوظ عام 1911 في القاهرة وله نحو خمسين رواية من اشهرها ثلاثية quot;بين القصرينquot; quot;قصر الشوقquot; وquot;السكريةquot; وquot;اولاد حارتناquot; التي منع الازهر نشرها، وتخرج في جامعة القاهرة وعمل في وزارة الاوقاف وتولى ادارة الرقابة على المصنفات الفنية وخلال ذلك كتب سيناريو عدد كبير من الافلام السينمائية .
وتوقف محفوظ عن الكتابة بعد ان هاجمه اسلامي وطعنه في رقبته في 1994. الا انه في السنوات الثلاث الاخيرة كان يكتب قصصا قصيرة اطلق عليها اسم quot;احلام فترة النقاهةquot;. وقد كتب ما يقارب السبعين من هذه quot;الاحلامquot; الصوفية والفلسفية .
وحصل محفوظ على عدد كبير من الجوائز والاوسمة كان ابرزها جائزة نوبل للاداب عام 1988.
وتخصص عائدات كتب نجيب محفوظ التي اشرف قسم النشر في الجامعة الامركية على ترجمتها الى مختلف لغات العالم منها لجائزة تمنح باسمه وبمبادرة منه في يوم عيد ميلاده لتشجيع الكتاب الروائيين العرب قود بدأ بمنحها قبل عشرة اعوام.

توثيق

وفي ما يلي اهم اعمال الروائي المصري نجيب محفوظ الذي توفي اليوم الاربعاء في القاهرة عن 95 عاما، التي تحولت افلاما سينمائية او مسرحيات:
ـ بعض الافلام المقتبسة عن الاعمال الادبية لنجيب محفوظ :
1 - quot;الوحشquot; (1954 للمخرج صلاح ابو سيف)
2 - quot;فتوات الحسينيةquot; (1954 صلاح ابو سيف)
3 - quot;درب المهابيلquot; (1955 توفيق صالح)
4 - quot;بين السماء والأرضquot; (1959 صلاح ابو سيف)
5 - quot;بداية ونهايةquot; (1960 صلاح ابو سيف)
6 - quot;اللص والكلابquot; (1962 كمال الشيخ)
7 - quot;زقاق المدقquot; (1963 حسن الامام)
8 - quot;الطريقquot; (1964 حسام الدين مصطفى)
9 - quot;بين القصرينquot; (1964 حسن الامام)
10 - quot;القاهرة 30quot; (1966 صلاح ابو سيف)
11 - quot;خان الخليليquot; (1966 عاطف سالم)
12 - quot;السمان والخريفquot; 1967 (حسام الدين مصطفى)
13 - quot;قصر الشوقquot; (1967 حسن الامام)
14 - quot;ثلاث قصصquot; (1968 كمال الشيخ وحسن الامام)
15 - quot;ميرامارquot; (1969 كمال الشيخ)
16 - quot;السرابquot; (1970 انور الشناوي)
17 - quot;الاختيارquot; (1971 يوسف شاهين)
18 - quot;ثرثرة فوق النيلquot; (1971 حسين كمال)
19 - quot;صور ممنوعةquot; (1972 مجموعة مخرجين منهم مذكور ثابت ومحمد عبد العزيز واشرف فهمي)
20 - quot;السكريةquot; (1973 حسن الامام)
21 - quot;الشحاتquot; (1973 حسام الدين مصطفى)
22 - quot;الحب تحت المطرquot; (1975 حسين كمال)
23 - quot;الكرنكquot; (1975 علي بدرخان)
24 - quot;المذنبونquot; (1976 حسين كمال)
25 - quot;المجرمquot; (1978 سعيد مرزوق)
26 - quot;الشريدةquot; (1980 اشرف فهمي)
27 - quot;الشيطان يعظquot; (1981 اشرف فهمي)
28 - quot;أهل القمةquot; (1981 علي بدرخان)
29 - quot;فتوات بولاقquot; (1980 يحيى العلمي)
30 - quot;وكالة البلحquot; (1982 حسام الدين مصطفى)
31 - quot;الخادمةquot; (1984 اشرف فهمي)
32 - quot;ايوبquot; (1984 هاني لاشين)
34 - quot;المطاردquot; (1985 سمير سيف)
35 - quot;دنيا اللهquot; (1985 حسن الامام)
36 - quot;شهد الملكةquot; (1985 حسام الدين مصطفى)
37 - quot;التوت والنبوتquot; 1986 (نيازي مصطفى)
38 - quot;الحب فوق هضبة الهرمquot; (1986 عاطف الطيب)
39 - quot;عصر الحبquot; (1986 حسن الامام)
40 - quot;الحرافيشquot; (1986 حسام الدين مصطفى)
41 - quot;الجوعquot; (1986 علي بدرخان)
42 - quot;وصمة عارquot; (1986 اشرف فهمي)
43 - quot;اصدقاء الشيطانquot; (1988 احمد ياسين)
44 - quot;قلب الليلquot; (1989 عاطف الطيب)
45 - quot;ليل وخونةquot; (1990 اشرف فهمي)
46 - quot;نور العيونquot; (1991 حسين كمال)
47 - quot;سماره الأميرquot; (1992 احمد يحيى)


ـ مسرحيات اقتبست عن روايات وقصص نجيب محفوظ :
1 - quot;زقاق المدقquot; (المسرح الحر 1958)
2 - quot;بداية ونهايةquot; (المسرح القومى 1960)
3 - quot;بين القصرينquot; (المسرح الحر 1960)
4 - quot;قصر الشوقquot; (المسرح الحر 1961)
5 - quot;خان الخليليquot; (المسرح الحر 1963)
6 - quot;همس الجنونquot; (المسرح الحديث 1964)
7 - quot;ميرامارquot; (المسرح الحر 1969)
8 - quot;تحت المظلةquot; (مسرح الجيب 1969)