جاسم بودي*

ربما كتب علينا دائما ان نكون في موقع التساؤل:quot;لماذا الآنquot;؟
ربما كتب علينا دائما ان نضع ايادينا على قلوبنا خوفا من ترجمة هذا الرأي او ذاك في الصحف والمنتديات تظاهرات واحتجاجات واعمالا عدائية بين الناس... كل الناس على امتداد العالم.
ربما كتب علينا ان نتلقى الصدمات دائما من الآخرين ومن انفسنا ايضا ونتحضر لردود الفعل... في غياب قدرتنا على الفعل.
المناسبة، محاضرة للبابا بنديكتوس السادس عشر تحدث فيها عن الاسلام والنبي الكريم العزيز بما لا يليق وما لا يصح. اخطأ الرجل في المكان والزمان والمعنى والمضمون، واخطأ قبل ذلك كله في حق الكرسي الذي يمثله وهو كرسي السلام والتعاون والحوار والتلاقي وليس العكس، واخطأ في التركيز على ما يفرق لا ما يجمع... وما يجمع كثير كثير.
لن نعيد مناقشة آراء البابا ونفندها فقد فعلوا وسيفعلون، لكننا نريد ان ننظر الى الموضوع من زاوية اخرى مختلفة تماما عن ردود الفعل المكررة والمحقة، فمع الاحترام الكامل لحق الاعتراض الحضاري والاحتجاج السلمي والدفاع عن مقدساتنا ورموزنا الا اننا نحتاج الى مقاربة اخرى تكشف قصورنا كمسلمين وعرب في توضيح قضايانا وشرحها.
اقتنع الناس بتوضيح الفاتيكان ما قصده البابا او لم يقتنعوا، فجزء على الاقل مما قاله تؤمن به شريحة كبيرة من الغربيين. وسواء اقتنع الناس بتوضيحات البيت الابيض المتكررة عن تصريحات quot;بوش قلب الاسدquot; حول فاشية الاسلام والحرب الصليبية او لم يقتنعوا فجزء على الاقل مما قاله تؤمن به شريحة كبيرة من الاميركيين. وسواء اعتذرت الصحف التي نشرت الرسوم المسيئة للنبي محمد اشرف المرسلين ام لم تعتذر فان شريحة اجتماعية كبيرة حول العالم نظرت الى الموضوع بأفق ضيق ووضعته في خانة الحريات وأعداء الحريات... وكلما حصل خطأ وتبعته ردود فعل حصل خطأ آخر وردود اخرى حتى بتنا اسرى المسافة التي تتسع بيننا وبين الآخرين وكأن علينا ان ننتظر اساءة اخرى ضدنا لنجهز احتجاجا ضدها.
بعد 11 سبتمبر، قرر quot;الآخرquot; ان يرد على الارهاب مباشرة في موازاة خطة لشرح نفسه وتنظيم حملة دولية لتعميم ما يعتبره quot;قيما حرةquot; تحد ndash; في رأيه ndash; من عمليات مستقبلية. ولا نريد ان نناقش هنا المصائب التي ارتكبتها سيدة العالم في خطتها المزدوجة تلك والمعايير المزدوجة التي مورست فقد تحدثنا عنها كثيرا، لكننا نريد ان نسأل انفسنا عن خطة المسلمين والعرب للرد ايضا على الارهاب في موازاة خطة لشرح ديننا وقيمنا وثقافتنا وتنظيم حملة دولية لتعميم ما نراه quot;قيما انسانيةquot; تحد ndash; في رأي الجميع- من الظلم الدولي وتعيد الاحترام للاخلاق في السياسة الدولية.
هم جندوا كل المؤسسات ومراكز الابحاث وخصصوا الموازنات الضخمة لخططهم العسكرية وغير العسكرية ونحن ننتظر اساءة من هنا وتصريحا لبوش او احد اعضاء فريقه المحافظ او مقالا او رسمة او محاضرة لنضغط على زر التصريحات ونترك للشارع حرية الحركة نسبيا ونأسف للضحايا التي يمكن ان تنتج من اعمال العنف.
كم ندوة نظمنا او عقدنا في الدنمارك وغيرها من الدول التي اساءت صحفها الى ديننا ونبينا؟ لم نر مسيرة شموع يحملها اطفال الى السفارات الدنماركية والغربية، لم نسمع مداخلات تلفزيونية عن الجدل بالتي هي احسن في وسائل الاعلام هناك، لم تنظم الدول الاسلامية والعربية المستاءة مؤتمرا كبيرا في كوبنهاغن نفسها بالاتفاق مع السلطات يحاضر فيه قادة الرأي الدنماركي من مفكرين ورجال دين مسيحيين ومسلمين ومثقفين واعلاميين، لم نطلب من مؤسسات مختصة تنظيم حملة ضخمة للعلاقات العامة في الدول التي نشرت صحفها الرسومات ولم نخصص ميزانيات لاعلانات هادفة منصفة وعلى شكل رسومات مثلا، لم نسأل المسلمين الدنماركيين وهم الاخبر والاعلم بكيفية الرد على التحرك الامثل والصيغة الافضل لتنوير المحيط الذي يعيشون فيه بضرورة احترام قدسية النبي (صلى الله عليه وسلم) كالقيام باعتصامات سلمية امام رئاسة الوزراء بمشاركة دنماركيين من طوائف اخرى، او امام الصحف او قيام العشرات بالكتابة في صفحاتها بموضوعية... اكتفينا بتبرير حرق السفارات عندنا ومقتل العشرات احتجاجا على الرسوم من باكستان الى نيجيريا، فأسيء الى اسلامنا مرتين: مرة بيد غيرنا واخرى بيدنا.
مثل واحد نورده فقط للدليل على غياب رؤية اسلامية عربية للتصدي لواحدة من اكثر المراحل خطورة في العالم، مرحلة الصراع الحضاري التي صار يتحكم فيها- للاسف الشديد ndash; طرف دولي منظم وتنظيمات متطرفة، فلو ادركنا اولا كيف نأخذ المبادرة في التصدي للارهاب بعد 11 سبتمبر لما تولت المهمة اميركا وحدها وهي ليست بالطبع جمعية خيرية، ولو اعددنا خطة حضارية لمواجهة كل الاساءات التي لحقت بنا بعد ذلك التاريخ وردم الهوة الحضارية التي اتسعت بشكل مريب لكنا تصدينا بشكل افضل لصور الحروب الصليبية والفاشية والدموية وغيرها من الاساءات بالتعاون مع اهل الرأي والفكر الغربيين انفسهم ومؤسسات المجتمع المدني الاوروبية والاميركية، لكننا لم نقدم لكل هؤلاء حتى الآن سوى الردود الارتجالية ... وكم من الاخطاء ترتكب تحت عباءة الارتجال.
لنعترف اننا نتحرك على هامش ما يجري ولو اعتقدنا اننا في صلبه من خلال ردود الفعل، واذا بقيت المرجعية الاسلامية العالمية التوحيدية الجامعة لكل المذاهب غائبة خصوصا في هذا الظرف التاريخي الذي يفرض قيامها، فسيبقى العالم - ومن ضمنه قضايانا- تقوده مرجعيات سياسية ودينية كبرى فيما نحن نندد بالجرائم الارهابية بين بيوتنا تارة وبالاساءات والجرائم الدولية بحقنا طورا.
عودًا على بدء، لماذا تحدث البابا الآن؟ ماذا سيحصل غدا؟ كيف ستتطور القضية؟ اسئلة كثيرة ايضا يمكن ان تطرح لكن الاهم منها هو السؤال: واين نحن قبل محاضرة البابا وبعدها؟ والاصعب منها هو الجواب: من لا يمتلك رؤية لا يستطيع التخطيط.

*رئيس تحرير صحيفة quot;الرأي العامquot; الكويتية