بلال خبيز من بيروت: لا يمر صباح على صحف العالم إلا ويصدر خبر من هنا او هناك يفيد ان الوضع اللبناني في طريقه إلى انفجار ما. الخطط الموضوعة والتقديرات في ما يتعلق بحجم الانفجار ومكانه وزمنه لا تحصى وبعضها يقرب من حد التجديف. لكن الإجماع قائم على ان الحرب الاخيرة التي تعرض لها لبنان طوال النصف الثاني من تموز ndash; يوليو والنصف الاول من آب ndash; أغسطس الماضيين لم تختتم بعد. وان استكمالها ليس أكثر من مسألة وقت يتسنى خلاله للمحاربين ان يعيدوا تنظيم صفوفهم.

في الأثناء تتزايد المعلومات الصحافية والاستخبارية عن نشاط ملحوظ في بيروت والمناطق لأجهزة الاستخبارات العربية والعالمية. بيروت في هذه الأيام تشبه برلين الحرب الباردة. حيث تحاك فيها كافة السيناريوهات الاستخبارية الممكنة والمستحيلة في آن واحد. الخلاصة ان البلد مفتوح على كافة الاحتمالات، وان كافة القوى المؤثرة في الوضع اللبناني تملك من الاسلحة ما يكفي لإشعال اكثر من نار صغيرة في المنطقة، قد تشمل بلهيبها بلاداً أخرى تصغر او تكبر بحسب التداعيات.

وعلى فوهة البركان، لا يجد اللبنانيون، زعماؤهم على وجه الخصوص، اي حرج في جعل الانقسام الاهلي اكثر حدة من اي وقت مضى. ولا يتورع اي منهم عن دفع خياراته إلى حدها الأقصى مقطعاً كل الجسور التي ما زالت قائمة بين اللبنانيين. ولا يبدو الوضع الشعبي بعيداً عن هذه الخيارات الأقصوية اصلاً. فالمناطق المحتشدة بجماهير طوائفها تشبه جمراً تحت الرماد. تحت رماد الحرب الاخيرة هناك جمر كثير لم تنطفئ جذوته بعد. ويبدو ان الشعب اللبناني، وهو شعوب متنافرة في اناء واحد، مستعد لتكرار التجربة المرة التي اكتوى بنارها من قبل. لم يعد ثمة الكثير مما يمكن وصفه بالمشترك بين اللبنانيين، حتى في المستوى الاجتماعي البحت.

لم يكن السيد حسن نصرالله يجدف في ما لا صحة له حين اعلن عن انتصار استراتيجي في احتفال النصر الإلهي الذي اقيم في ضاحية بيروت الجنوبية في 22 ايلول ndash; سبتمبر الجاري، فالسيد نصرالله يتحدث عن خسارة اسرائيلية في الحرب غير مسبوقة، لكنه يعرف انه لم يهزم اسرائيل هزيمة نهائية وان هذه الهزيمة هي الأولى في طريق الانحدار الإسرائيلي والهزائم المتتالية. ولهذا الافتراض ما يسنده واقعاً، لكن التشديد على هذا الانتصار يعني ان الانتصار سيكون ابلغ واوضح في المعركة القادمة. حزب الله الذي خسر منطقة نفوذ في هذه الحرب والذي اقام مهرجانه تحت حماية الطائرات الفرنسية بحسب الصحف الإسرائيلية وما تناقلته وسائل الإعلام، يحضر نفسه للجولة المقبلة.

وهذا بالضبط ما يثير الخوف في نفوس شركائه من الطوائف اللبنانية. فالحرب الأخيرة اهدرت سلاح الطائفة السنية الامضى في لبنان، والذي يعتمد اصلاً واساساً على القبض على مقاليد السياسة في بيروت العاصمة والتي تجر الاقتصاد اللبناني خلفها. وبيروت المعرضة للقصف الإسرائيلي مدينة لا يمكن تسويقها اقتصادياً في العالم، مما يعني ان الطائفة التي تملك مقاليد السياسة فيها وشطراً واسعاً من بنية الاقتصاد التحتية تشعر بحرج بالغ وخسارة فظيعة نتيجة الحرب ونتيجة التهديد بتجددها. ذلك يعني انه يمكن لحزب الله ان يربح الحرب لكن بيروت ومن يمثلها خسر هذه الحرب في نهاية المطاف. لهذا لن يوافق زعماء السنة في لبنان على التسليم بأن نصراً إلهياً او استراتيجياً قد تم، فهم يعاينون خسائرهم يومياً ويعرفون ان الحرب تكاد تنزع اسلحتهم وتقضي على مواردهم. وإذا كان السنة في لبنان يتسلمون مقاليد السياسة في مدنه الكبرى وتتركز مواردهم في الاقتصاد وما يترتب عليه، فإن الموارنة والدروز يشعرون ان البلد الذي يعيشون فيه وهو ملجأهم الوحيد في الشرق وفي العالم العربي مهدد بالزوال، مما يعني ان استمرار الحروب على هذه الرقعة الصغيرة من الأرض العربية قد يفرغ البلد من مسيحييه ويجعل البقية الباقية منهم قيد التحضير للهجرة، وعلى النحو نفسه لا يستطيع اهل الطائفة الدرزية ان يسلموا بهذا النصر إذا كانت الحرب القادمة ستجعل موقعهم الجغرافي والسياسي اقل تأثيراً في المعادلة اللبنانية على نحو صريح وفاقع.

هذه المفارقة التي تعصف بمعاني النصر والهزيمة لدى اللبنانيين، تجعل من خشية اهل الطوائف اللبنانية من تجددها باعثاً على انقسام اهلي لا رجعة فيه. مما يعني ان البلد يقع اليوم امام خطر من خطرين، اما ان تجدد اسرائيل حربها عليه وتمعن في تهديمه مادياً وبشرياً وإما ان ينفجر الوضع الداخلي نحو ما يشبه حرب اهلية لا رجعة فيها، تودي بوحدة البلد واستقلاله وتشرع ابوابه امام رياح الأرض.