إيلاف : كنت جالساً مع الرئيس العراقي جلال طالباني مطلع الشهر الحالي عندما كان التلفزيون العراقي يبث محاكمة صدام حسين. وكانت الجلسات قد انتقلت إلى مرحلتها الثانية، حيث ذكّرت بالقتل العشوائي للأقلية الكردية في العراق في الثمانينات، وتم تشغيل أشرطة الفيديو التي تصور تسميمهم بالغاز وإطلاق الرصاص عليهم في قاعة المحكمة، إثباتاً لشهادات الناجين المحزنة.

يقول الصحافي كريستوفر هتشنز في مقاله في لوس أنجلس تايمز أنه شعر بخليطٍ من الرضا والاستغراب حينما وضع الأمور بجانب بعضها البعض. فقد كان مناسباً أن يكون أول رئيس عراقي منتخب من الأكراد، لكنه لم يستطع أن يدرك السبب الذي دعا الرئيس العراقي إلى الابتعاد بنفسه عن اتخاذ هكذا قرار. وذكر أن اتحاد كردستان الوطني الذي يقوده طالباني يمثل مؤسسة فرعية من الاشتراكية العالمية التي تعارض عقوبة الإعدام. وفي أسوأ أيام quot;الأنفالquot;، كانت دانيال ميتيران واحدة من أصدقاء الأكراد، وهي زوجة الرئيس الفرنسي الراحل الذي سيكون آخر تذكاراته إلغاءه المقصلة. وهي التي كانت اقترحت على المعارضة العراقية أن تكون الحكومة الأولى في الشرق الأوسط التي تلغي عقوبة الإعدام.

لكن ذلك لم يحدث، بل بقيت عقوبة الموت مقررة في دستور العراق، وتم تنفيذ حكم الإعدام على صدام حسين فجر السبت.

كان ذلك سيئاً جداً. فهناك كثير من الأمور لا بد من أن تثير الارتياب في المحاكمة وفي الحكم على حسين. وإحداها الطائفية التي لحقت بكليهما، كما أنها تسيطر على كل شيء في العراق. فقد كان كافياً للبعض أن يُدان صدام بالمذبحة التي أمر بها في حق سكان قرية الدجيل الشيعية عام 1982، في حين كانت جرائمه أكبر وأقسى في حق كردستان والكويت وإيران والشعب العراقي بشكلٍ عام.

الأكثر من ذلك أنه لم تتضح الفوائد التي سيأتي بها إعدامه. لقد سمعت من سياسيين شيعة أن موت صدام سيساعد في قمع التمرد السني بحرمانه من الشخصية الرمز، والقضاء على فرصة عودة البعثيين إلى الحكم. لقد بدا لي ذلك منتهى الحماقة والغباء. فلم تكن هناك أي فرصة لعودة حسين إلى السلطة، ويبدو أن إعدامه سيشعل العنف أكثر مما سيهدئه. (وبالحديث عن quot;الإعدامquot;، فإن كثيراً من هؤلاء القادة الشيعة لهم علاقات بفرق الموت التي تقتل العراقيين كل يوم وليلة).

على مدى نصف قرنٍ مضى، ترافق انتقال مقاليد الحكم في بغداد مع قتل أصحاب المناصب السابقين. فقد قام العراقيون بجر رئيس الوزراء الموالي لبريطانيا نوري سعيد في الشوارع والتمثيل بجثته في 1958، كما أذكر حينما كنت صبياً عبد الكريم قاسم الموالي للشيوعية عندما عُرِض على شاشات التلفزيون قتيلاً على أيدي فرقة الموت البعثية.

وكانت أكثر اللحظات بشاعة تلك التي كانت مسجلة على شريط فيديو لحسين في حملة تطهير قام بها حزبه بعد تسلمه السلطة. لم يتمكن أحد ممن رأوا هذا الشريط من نسيانه. وكان هذا العمل الوحشي هو ما رفع الستار عن كثير من القتل العشوائي والتعذيب الذي وصلنا إلى أدلته الموثقة من أرشيف النظام نفسه.

وكما تساءل تي. إس. إليوت: quot;بعد ما علمنا بذلك، فأي تسامح؟quot;

بالنسبة لكثير من العراقيين لم يكن أي تصرف يمكنه أن يمحو الماضي سوى تصرفاً يأخذ بثأرهم، وبالنسبة لهم فلن يطيب العيش طالما حسين باقٍ في قيد الحياة.

ولهذا التمازج من الخوف والغضب اختار البعض إعدام صدام حسين أمام الملأ، ودون هذا الضمان كان سيصعب على كثير من المواطنين تصديق رحيله بالفعل.

ولكن العراق لن يتخلص من الوحوش لأن حسين رحل عنه، بل سيعلو صوت الوحوش التي يتجول بعضها في البلاد الآن.

وفي تعليقها على مقتل نوري سعيد، قالت فريا ستارك إن ذلك يعكس quot;القسوة التي نالت من سمعة العراق... والقتل الذي طال أمده منذ أن قُتِل علي بن أبي طالب في الكوفة، وربما قبل ذلك بكثير. حتى مقتل آل البيت كان على تلك الأرض.quot;

اختتم هتشنز مقاله بالقول إنه لم يكن ليضر القضاء الحكم على حسين بقضاء باقي أيام حياته في السجن دون إمكانية إطلاق سراحه، لكن ذلك سيمثل خرقاً للتقاليد المتعطشة للدماء. ولم يكن ليسيء الأميركيين أن يجدوا طرقاً لنقل كراهيتهم بغير هذه الصورة المتعجلة الحاقدة ndash; والمنحازة ndash; لعملية المحاسبة التي يجدر بها أن تكون جادة ودقيقة وصالحة.