حزب الله بعد انهيار شريكه المسيحي
إعادة الانقسام الأهلي إلى اصوله التاريخية

مناصر لحزب الله على طريق المطار خلال يوم الإضراب الذي أعلنته
المعارضة الثلاثاء في 23 يناير (كانون الثاني) أ ف ب
بلال خبيز: شاع في وسائل الإعلام وبين السياسيين في لبنان إثر احداث يوم الثلاثاء الأسود، ان طلباً ايرانياً واضحاً وصريحاً حدا بحزب الله إلى تعليق عمليات قطع الطرق في بيروت والمناطق. وأغلب الظن ان مثل هذا الطلب قد طُلب فعلاً من حزب الله، وكان له أثره الكبير في قرار الحزب المذكور. وليس مستغرباً ومستهجناً ان يخضع حزب الله للإرادة الإيرانية وينفذ مطالبها، خصوصاً إذا ما تذكرنا ان السيد حسن نصرالله في خطبته الاخيرة امام مجلس العزاء العاشورائي ليل 28 جانفي ndash; كانون الثاني اعاد تأكيد خصوعه الواضح لسلطة ولاية الفقيه المتمثل بالسيد خامنئي وارث الولاية من المرشد الروحي للثورة الإيرانية وقائدها الاول الراحل إية الله الخميني. مع ذلك لا يمكن النظر إلى حزب الله وسلوكه في الداخل اللبناني بوصفه لا يملك حق التقرير في اي خطوة يريد القيام بها، او يرى مصلحة له في ادائها.

وسبق للسيد حسن نصرالله ان اعلن في خضم الأزمة الطاحنة التي عصفت بلبنان منذ بداية الأسبوع الاخير من شهر جانفي ndash; كانون الثاني، ان الجمهورية الإسلامية لن تحرج اصدقائها في لبنان. مما يعني ان هامش المناورة والحركة التي يملكها الحزب لا يستهان بمجالها الواسع. وكان الزميل نصير الأسعد قد اشار في مقالة نشرتها صحيفة quot;المستقبلquot; اللبنانية ان الجمهورية الإسلامية في ايران التي تجد نفسها مضطرة إلى ابداء قدر من المرونة في المواقف حيال لبنان والعراق وفلسطين في هذه الفترة، وبعد تجدد الهجوم الاميركي على المنطقة، تحسن ايضاً التفاوض quot;على الحاميquot;، بمعنى انها تحاول الاستفادة من اي اختلال في موازين القوى في الساحة الداخلية اللبنانية لصالح حزب الله تحسيناً لشروطها في المفاوضات.

لكن تبعية حزب الله للسيد الإيراني وخدمته سيداً آخر هو السيد السوري لا تعفي من ملاحظة التغيرات في موازين القوى الحاصلة في لبنان، والتي تم تظهيرها على نحو واضح في احداث يوم الثلاثاء الأسود. حيث ان ما جرى في المناطق الشرقية من بيروت وفي مناطق المتن وكسروان وبعض شمال لبنان، اثبت هشاشة الموقع العوني في المعادلة المارونية العامة. إذ جوبه التيار الوطني الحر في ذلك اليوم بمزاج شعبي غالب يؤثر عدم الإنزلاق إلى خطوات تصعيدية كبيرة من قبيل التجاوب مع الإضراب العام الذي دعت إليه المعارضة التي يقودها حزب الله، فضلاً عن نجاح رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية السيد سمير جعجع في تحشيد محازبيه لمواجهة مناصري التيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون مما ادى إلى فتح الطرق كافة في المناطق المسيحية عموماً من بيروت وجبل لبنان وشماله.

هذا الهزال الذي اصاب الجنرال عون وتياره في الوسط المسيحي عموماً ادى إلى اخراج قادة حزب الله عن طورهم في التصريحات الأخيرة. فتركز هجوم هؤلاء في الأيام التي تلت هذه الحادثة على خطين متوازيين ويتسمان بالحدة نفسها. فوجهوا للزعيم الدرزي وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع اتهامات بالغة الخطورة وشنوا عليهما حرباً مواقفية لا مجال فيها لأي لبس او غموض، ولا مجال فيها لأي تراجع. والهدف من هذا كله في ما يبدو يمكن رده إلى اتجاهين يؤشران إلى وجهة الهجوم الذي ينوي حزب الله تركيزه في المقبل من الأيام. حيث يريد حزب الله، عملاً بالنصيحة الإيرانية المتخوفة من انتشار نار الفتنة الشيعية ndash; السنية خارج حدود العراق، إلى تركيز الهجوم مجدداً على الطابور الخامس الذي يذكي نار هذه الفتنة، وهذا الطابور الخامس، بحسب قادة حزب الله، ليس اقل من طائفتين كبيرتين من الطوائف اللبنانية. فحزب الله الذي يريد تجنب الفتنة الشيعية ndash; السنية في لبنان يحاول اعادة الانقسام الاهلي اللبناني إلى خطه التاريخي الأصلي اي الانقسام المسيحي ndash; المسلم، مضيفاً إليه عنصراً جديداً هو الطائفة الدرزية التي يناصبها حزب الله اليوم اعلى درجات العداء. وبهذا يستبدل حزب الله الفتنة الراهنة بفتنة من الماضي اللبناني، وينفخ في نار الانقسام الاهلي المسيحي ndash; الإسلامي بما يصب حكماً في غير مصلحة الجنرال عون.

والحق ان مثل هذا السلوك المكشوف انما يفصح عن يقين حزب اللهي بانهيار الحليف المسيحي الذي مثله الجنرال ميشال عون طوال الشهور الماضية. مما يعني حكماً انهيار النصاب السياسي الذي مكن حزب الله من الانتقال داخلياً من موقع المدافع عن نفسه امام قرقعة التدويل التي علا زعيقها إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي تغذت من نصاب سياسي غالب تمثل في الاجماع المسيحي - السني - الدرزي في مواجهة حزب الله وحركة امل وبعض نثريات الطوائف الأخرى. مما جعل حزب الله يشعر في تلك الأيام ان النصاب السياسي المتشكل في مواجهته قادر على فرض شروطه باعتبار انه نصاب غالب ويستطيع محاصرة الطائفة الشيعية بصرف النظر عن مدى حجم قوتها وقدرتها على المناورة والتعطيل.

لم يكن حزب الله على المستوى الداخلي قادراً على الانتقال من حال الدفاع التي وسمت سلوكه في الفترة التي اعقبت اغتيال الرئيس الحريري إلى حال الهجوم التي بدأت بشائرها الخطيرة تطل على اللبنانيين منذ اعلان ورقة التفاهم بين حزب الله وتيار الجنرال عون التي تم توقيعها والاعلان عنها في السادس من شباط ndash; فبراير من العام الماضي من دون تحقيق التوازن في الميزان السياسي الداخلي، مما جعل حليفه العوني درة تاج حملته المعارضة. وبتهاوي التأييد الشعبي للجنرال عون وتياره في الوسط المسيحي وجد حزب الله نفسه مجبراً على البحث مجدداً عن تأمين تحالف سياسي جديد يوازن التحالف المتشكل في مواجهة مشاريعه وخططه. وهو إذ ينظر بعين المترقب لنتائج المباحثات السعودية ndash; الإيرانية فإنه يطمح إلى ادخال البلد في انقسام اسلامي - مسيحي يستعيد كل تراث الحرب الأهلية السابقة. وهذا ما حرص على ابرازه كل قادته المفوهين في الخطب التي اعقبت ثلاثاء لبنان الأسود.