بقلم جون ألترمن: لم توفّق وزيرة الخارجيًّة الأميركيَّة كوندوليزا رايس في اختيارها للشخصيّات التي ستحضر مؤتمر أنابولس للسلام المزمع خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. فعلى الرغم من الإدراك المتأخّر للإدارة الأميركيّة بضرورة رصّ الصفوف والتركيز على السلام العربي الإسرائيلي، تأتي الدّعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام يجمع الزعماء الفلسطينيين والإسرائيليين وغيرهم من الشخصيات البارزة، متواضعة جداً وفي غير محلّها.

منذ وقت قصير، بدأ التساؤل حول حقيقة وجود أرضية مشتركة بين العرب والإسرائيليين، وذلك في أعقاب اتفاقيات أوسلو التي شكّلت انطلاقة حقيقيًّة تسلّط الضوء على بعض الأمور المتداخلة بين الطرفين، وتبرز الحدّ الأقصى مما يمكن أن يقدمه الطرف الإسرائيلي، مقابل الحدّ الأدنى مما يمكن أن يرضى به الطرف الفلسطيني. وتأتي سبع سنوات من المفاوضات التي تضمنت بعض النجاحات لتؤكّد أهميًّة التفاصيل. فبعد انتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أواخر العام 2000، أورث الإدارة الحاليّة quot;معايير كلينتونquot; التي تلخّص ما تمّ الاتفاق عليه من حيث المبدأ، وتبرز ما يمكن توقّعه خلال أي اتّفاق مستقبليّ.

وكانت المشكلة آنذاك كما هو الحال اليوم تكمن في مقدرة الإثبات للمتشكّّّكين أن اتفاق السلام من شأنه أن يُحِلّ السلام فعلاً. في هذا السياق، جاءت خارطة الطريق التي وضعت في العام 2002 لتؤكّد إمكانيّة إحلال السلام من خلال إيجاز الخطوات المتبادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي من شأنها تحقيق السّلام وقيام دولة فلسطينيّة بحلول العام 2005. إلا أن هذه الوثيقة سقطت ضحيّة العنف.

في أعقاب ذلك، ارتفعت أصوات المتشككين. وفشل انتصار حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات الفلسطينية في التخفيف من حدّة الخطاب وتصرّفات هذه الحركة. تلا ذلك طرد حركة فتح قسراً من غزّة، ما عكس الصعوبات التي تحول دون بسط السلطة الفلسطينية للسيطرة، بالإضافة الى كونه مؤشّراً إلى سيطرة المتشدّدين على حركة حماس. وادرك الإسرائيليون أن انسحابهم من غزّة لم يوقف الصواريخ الفلسطينيّة. وفيما ترى الغالبية الفلسطينيّة بأن الجدار العازل الذي تشيده إسرائيل ليس إلا محاولة منها للسيطرة على أراض إضافيّة، تعتبر الغالبية الإسرائيليّة أنه شرط ضروريّ للتصدّي لعدوّ يهاجم بلا هوادة.

ولم يعد التشكيك هو العائق الوحيد الذي يحول دون تحقيق سلام عربيّ إسرائيليّ، إنما تكمن المشكلة اليوم في الاستراتيجيّة. وتشير استطلاعات الرأي إلى إجماع غالبيّة الفلسطينيين والإسرائيليين حول ضرورة البحث عن حلّ في دولتين، مع الاعتقاد أن واحدة من هاتين الدولتين قابلة للتحقيق. فمن جهة، يجادل الإسرائيليون أنّ الحرب والمفاوضات والانسحاب أحاديّ الجانب خطوات لم تجد نفعاً، وهو جدل يستهلك الفلسطينيين أيضا، مع قسم منهم مؤمن بأن العنف هو السبيل الوحيد لإجبار الإسرائيليين على التفاوض.

ولا يدفع المؤتمر الذي تدعو إليه السيّدة رايس بهذا الجدل إلى الأمام، بل على العكس. يجمع أنابوليس بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس المتفقين أساساً على مبدأ التفاوض، والمؤيّدين لفكرة عقد مؤتمر يعيد قولبة مواقفهما المعلنة، فيما تشارف حياتهما السياسيّة على النهاية. ولو اختلفت الظروف، ربما كانت ستختلف النتائج أيضاً. إلا أن الخصومة بين الزعيمين تشكّل موضع سخرية للجميع. فالجانب الفلسطيني يجد نفسه بسبب ضعفه السياسي مجبرًا على طلب المزيد، بينما يقلّل الجانب الإسرائيلي من تنازلاته. في غضون ذلك، يجتمع الزعيمان برعاية رئيس أميركيّ تشارف حياته السياسيّة أيضا على النهاية، فيما تثقل كاهله ملفّات شرق أوسطيّة أخرى تجعل الصراع العربيّ الإسرائيليّ يأتي ثالثا من حيث الأهميّة، بعد العراق وإيران.

ومع كل هذه الظروف، لن يصب مؤتمر أنابوليس في مصلحة الأطراف المؤيّدة للسلام، إذ من شأنه ان يسلّط الضوء على العوائق التي تحول دون تحقيقه على الرغم من وجود أطراف مؤيدة مشاركة فيه، وبالتالي يعزز الأصوات الرافضة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

للخروج من هذه المعضلة، يتوجب على الفلسطينيين والإسرائيليين الإكثار من السياسة والتقليل من الدبلوماسيّة. كما يتوجّب عليهما إجراء حوار صادق حول الاتجاه الذي يريدون الذهاب فيه، وعليهما الاتفاق حول الاستراتيجية. ويبدو الإسرائيليون مستعدين لإطلاق حملة انتخابية تناقش هذه المسألة تحديداً، ومن شأنها ان تسهم في توضيح الموقف الإسرائيلي من السلام.

على الضفة الأخرى، يواجه الفلسطينيون أوقاتا عصيبة بسبب الفوضى التي تخيم على سياساتهم. خلال 22 شهراً مضت، انتجت الجهود التي يقودها الغرب والهادفة الى إضعاف حركة حماس اقتتالا داخليا بين الفلسطينيين عوضاً من توحيد صفوفهم. وفيما لا تملك حماس القدرة الكافية لتحكم، لديها ما يكفي من القدرات لتزرع الفوضى.
المشكلة هنا هي سياسية في المقام الأول وليست دبلوماسية، ويتطلب تحريك الشق السياسي جهودا حثيثة والتزاما اميركيا لإحداث تغيير لدى الجانبين، مع وجود أرضية موحدة تجمع الفلسطينيين. ومع هذه اللائحة الطويلة وتحت رعاية رئيس أشبه بالبطة العرجاء، لن يتمخض سلام عن مؤتمر يشوبه سوء التخطيط.

*ترجم عن فايننشال تايمز