الحريات الصحافية في العالم العربي (2)
الأردن: إعلام يترنح بين مرجعيات متعددة ورقابة حكومية

طلاب أردنيون يقرأون الصحف
رانيا تادراس من عمان: تتأرجح الحريات الصحافية في الأردن بين انفراجات وانتكاسات وقيود تحد من تقدمها، في ظل غياب تقارير رسمية معلنة عن مستوى الحرية في الأردن. ومع قرار العاهل الأدرني الملك عبد الله بإلغاء وزراة الاعلام عام 2003، وجدت المؤسسات الإعلامية والحريات المرتبطة بها نفسها أمام مرجعيات متعددة، أعاقت أي تقدم أو إنفراج ما دفع بالحكومة الأردنية للحديث عن إعادة هيكلية للإعلام بتفاصيل وملامح ما تزال مبهمة. quot;إيلافquot; استطلعت آراء العاملين في الوسط الصحافي في الأردن حول مستوى الحريات quot;المتقلبquot; برأيهم، فهو quot;محكومquot; لمتغيرات تفرضها الرقابة وتعدد المرجعيات الإعلامية بعد إلغاء وزارة الإعلام عام 2003، على الرغم من الدعم الملكي القائل بأن quot;الحريات الصحافية سقفها السماءquot;. ورأى الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة العرب اليوم اليومية فهد خطيان في حديث لـ quot;إيلافquot;، أن الأردن يتمتع بهامش جيد من الحرية الصحافية. عازيًا ذلك quot;إلى جهود وفضل العاهل الأردني عبدالله الثاني الذي يتمتع بروح تقدمية تجاه دور وسائل الإعلام في المجتمع، فتوسيع الحرية الإعلامية يعزز مصلحة الجميع والمجتمع quot;.

وعن إلغاء وزراة الاعلام وتراجع مستوى الحريات في الاردن، يقول خيطان إن الوزارة من حيث المبدأ شكل رقابي، وبعد إلغائها تحول هذا الشكل الرقابي إلى الجهات التي حلّت مكانها خصوصًا في الصحف شبه الحكومية. ولعل ما يظهر من تقريرquot; مراسلون بلا حدود quot; حول تراجع مستوى الحريات، يؤكد أن الاردن يراوح مكانه، لأن دولاً اخرى واصلت مشوراها الاصلاحي ما يعني عمليًا اننا في تراجع quot;.

من جهته، يفند عضو نقابة الصحافيين والصحافي في صحفية الرأي الأردنية اليومية فيصل ملكاوي الاسباب التي تتحكم بالحريات، معتبرًا أن مستوى الحريات الصحافية الأردنية جيد وان كان يتعرض لانتكاسات في بعض الأوقات بسبب عوامل عدة منها المجتمع وعاداته وتقاليده التي تحد من حرية العمل في قضايا معنية كالشرف مثلاًquot;. ويضيف: quot;من معوقات العمل الصحافي ايضًا عدم توفر معلومات حقيقية أو إخفاؤها في حال وجدت. كل هذه الامور المقيدة تدفع الصحافي الى الشعور بالاحباط quot;.

ويشير ملكاوي الى غياب الكفاءة المهنية وجهل العامل لحقوقه وواجباته، معتبرًا انها ايضًا تدخل ضمن اسباب تراجع الحريات، لكنه يرى ان الاردن قد بدأ يسير على طريق تعزيز مناخ الحريات مع إلغاء توقيف أي صحافي على خليفة أي قضية مطبوعات، اضافة الى تفعيل قانون الحصول على المعلومة وتأكيدات العاهل الاردني ان حرية الاعلام سقفها السماء . ويرى ملكاوي ان quot;معالجة تركة وزارة الأعلام عبر اتفاق مختلف الإطراف على إيجاد بديل واحد ومناسب بدل من تعدد المرجعيات كما هو الوضع عليه الآن، سيساعد حتمًا على تعزيز مناخ الحريات في الأردن quot;.

وفي ظل حرية ناقصة، يرى ملكاوي ان الحلول تكمن في اعادة تأهيل وتدريب العاملين في القطاع الاعلامي، لضمان قيامهم بمهامهم بأمانة ضمن المنظمومة الاخلاقية التي تحكم عمل الصحافي خصوصًا وان القوانين والتشريعات تشكل مظلة حماية لهم. وعن دور الحكومة يضيف quot; على الحكومة خلق اجواء من الثقة والحد من هواجس الصحافيين كي نتمكن من الانطلاق الى مرحلة اخرى بسقف عالي يخدم مصالح المجتمع. فالحرية الصحافية تتحول من مجرد شعار إلى حقيقة عندما يتم التعاون الفعلي بين المؤسسات الإعلامية كافة ونقابة الصحافيين، وكل الجهات التي لها علاقة بالملف الإعلامي quot;.

مشكلة الحريات: معوقات حكومية وليس قوانين وتشريعات

أردنيان يتابعان الأخبار عبر الانترنت
ولا تزال الحريات الصحافية في الاردن تراوح مكانها، على الرغم من التشريعات والقوانين والنصوص الدستورية الواضحة، وذلك لأنها تصطدم بقرارات حكومية وعوامل مؤثرة تشكل تعيق تقدمها وتمنع خلق مناخ الحرية الملائم لتعزيز دور الصحافة باعتبارها السلطة الرابعة. وفي ما يتعلق بالقوانين والتشريعات الإعلامية التي تكفل وتصون الحريات الإعلامية في الأردن، يؤكد المستشار في المجلس الاعلى الإعلامي يحيى شقير لـ quot;إيلاف، أنه على الرغم من وجود القوانين والتشريعات التي تضبط وتنظم الحرية الصحافية، فإن تطبيقها على ارض الواقع لم يرتقِ الى الحد المطلوب. ويعرف شقير ان الحريات الإعلامية الصحافية بأنها quot;إلتزام الدولة الأردنية بالضمانات الدستورية والقانونية والدولية المتعلقة بدور الصحافة في المجتمعات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبيرquot;. مضيفًا أن الصحافة كذلك هي مكبر الصوت للتعبير عن حريتها.

وكفل الدستور الأردني في فصل الحقوق والواجبات للأردنيين مقدمة الحريات العامة حول حرية الصحافة والتعبير حيث نصت المادة 15 -1 من الدستور على ما يلي quot; تكفل الدولة حرية الرأي لكل أردني بالقول ، والكتابة، والتصوير وسائر وسائل التعبير. كما نصت الفقرة 2 على ان quot; الصحافة والطباعة حرتانquot;.

ولم يقتصر ذكر الحريات على الدستور فقط، بل ساهمت القوانين والتشريعات الاردنية يتنظيمها وتعززيها. وفي هذا الصدد يقول شقير إن القوانين الأردنية لا تنظم حق الحرية والتعبير والصحافة وإنما تعصف به وتخلعه من جذوره، خصوصًا في ظل عدة قوانين لها علاقة بحرية التعبير والصحافة في الأردن، فهناك قانون المطبوعات والنشر، والعقوبات، وقانون محكمة أمن الدولة.

وتجدر الإشارة إلى إن الأردن طرف في عدد من الاتفاقيات الدولية التي تفرض عليه احترام هذه المواثيق، وأهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي نشر في الجريدة الرسمية الأردنية 1-6 ndash; 2006. ويعلق شقير على الاتفاقية باعتبار quot; ان المادة 19 من العهد تنص علىquot;حق كل شخص في استفتاء وتلقي وبث المعلومات من دون اعتبار للحدودquot;. ورغم وجود هذه الضمانات التي تلغي القيود، لكن هناك تراجعًا في مستوى الحريات quot;. وقد ذكر تقرير منظمة quot;مراسلون بلا حدود quot; ان مستوى الحريات الصحافية في الاردن قد تراجع بـ 13 نقطة مقارنة على ما كانت عليه العام الماضي أي بمرتبة 122 من اصل 169.

وحول هذا التراجع، يقول شقير ان الاسباب تعود الى تملك الحكومة لوسائل الاعلام. ويضيف أنه على الرغم من حماسة الحكومة للخصخصة لكنها ما زالت تحتفظ بـ 60% من أسهم المؤسسة الصحفية الأردنية الرأي، وكذلك جريدة الدستور، مما يعني تدخل الحكومة في السياسيات التحريرية لأكبر صحفيتين في الأردن. اما السبب الثاني، وفق شقير، فهو الرقابة على البث الاذاعي الذي وعلى الرغم من الترخيص لـ 17 اذاعة محلية، إلا ان اثنين منها فقط تمتلك الحق ببث البرامج ووالاخبار السياسة، يضاف الى هذا فرض رسوم تزيد بنسبة 50% على الاذاعات التي تبث أخبارًا سياسية. ويستطرد قائلاً: quot; ان حظر هيئة المرئي والمسموع واختصارها بثلاث دقائق يوميًا للدعاية الانتخابية تحدّ من الحوار السياسي في البلد، خصوصًا أننا على أبواب انتخابات برلمانية quot;.

وتبقى مسألة الحصول على المعلومات من اهم معوقات الحرية، وعلى الرغم من دخول قانون الحصول على المعلومات حيز التنفيذ منذ ما يقارب الشهرين، إلا ان شقير لا يبدو متفائلاً، خصوصًا أن تجاوب المؤسسات الحكومية شبه معدوم على حد قوله. كما يرى أن عدم الالتزام بروح القانون يعرقل تقدم اي حرية. وهذا حدث حين تمت عرقلة بث تلفزيون AVT الأردنية وإجبار مالكها على بيعها، وكذلك خطوة دائرة المطبوعات والنشر بفرض رقابة على المواقع إلكترونية. إن خطوة هذه الدائرة في ظل ثورة الاتصالات تثبت انها لا تزال تفكر بعقلية الذي يسكن بالقلعةquot;. ويرى أن تحقيق الوصول بالشكل الصحيح نحو الحريات بمنع الرقابة المسبقة على الصحف، لأن الرقابة تفرض فقط في الأحكام العرفية، وكذلك فإن الدعم الحقيقي للحرية يكون عبر سيادة دولة القانون.