إستبدلت سيطرة الحكومة بملكية الأسرة:
الحريات الصحافية القطرية.. قوانين وquot;جزيرةquot;

تاج الدين عبد الحق من الدوحة:إكتسبت الساحة القطرية أهمية إعلامية مع تأسيس قناة الجزيرة قبل ما يزيد على عشر سنوات، لكن تاريخ قطر الإعلامي يسبق ذلك بعقود حيث كانت هناك صحف يومية ومجلات أسبوعية قبل الإستقلال عام 1971. وكانت من بين الصحف التي صدرت في تلك الفترة، صحيفة (العرب) التي كانت مشروعًا فرديًا، ثم جاءت بعدها صحيفة الراية التي ما لبثت أن أصبحت الصحيفة الأولى، فيما تراجعت صحيفة العرب تحت وطأة الأعباء المالية، وترنحت عدة سنوات قبل أن تتوقف عن الصدور أكثر من عقد كامل، ثم عاودت الصدور مؤخرًا بشكل جديد وملكية جديدة، إثر إزدياد الطلب على تراخيص الصحف وتحسن سوق الإعلان. وفي فترة توقف العرب كانت قد صدرت صحيفتان هما الشرق والوطن اللتان صدرتا كمشاريع صحفية ذات طابع مؤسسي، ليصل مجموع الصحف اليومية القطريةأربع صحف ناطقة بالعربية، إضافة إلى عدد من الصحف الناطقة بالإنكليزية.

وللوهلة الأولى، فإن هذا الانتعاش في الساحة الاعلامية القطرية بدا وكأنه يعكس روحًا جديدة خاصة، وأنه تزامن مع بدء بث قناة الجزيرة من قطر ومع بدء الحديث عن إلغاء وزارة الإعلام، إيذانًا بتقليص السيطرة الحكومية على العمل الإعلامي بشقيه العام والخاص.

لكن يبدو أن تراخي السيطرة الحكومية عبر الضوابط القانونية التي كانت تشرف على تطبيقها وزارة الاعلام قبل إلغائها، اخذت منحى جديدًا. فالصحف التي صدرت بعد إلغاء الوزارة أو قبل إلغائها بقليل، هيمنت عليها شخصيات من الاسرة الحاكمة عبر امتلاك حصص مسيطرة في رؤوس اموال هذه الصحف. وحسبما تذكره المصادر الاعلامية القطرية، فإن الشيخ حمد بن جاسم بن جبر الثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية له حصة مسيطرة في صحيفة الوطن التي تعد اوسع الصحف المحلية إنتشارًا، علمًا أن رئيس مجلس ادارة هذه المؤسسة هو الشيخ حمد بن سحيم آل ثاني نجل وزير الخارجية الاسبق الشيخ سحيم بن حمد آل ثاني، وهو ابن عم الامير . ويقال ايضًا ان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني يملك حصة مسيطرة في صحيفة العرب بعد ان اعيد اصدارها، كما ان شخصية اخرى من الاسرة الحاكمة هي الشيخ علي بن جبر ال ثاني يرأس مجلس ادارة جريدة الراية التي تعد الصحيفة الثانية من حيث الانتشار والاولى من حيث العراقة. ولا يقتصر التأثير على هذه الصحف بل إن الصحف الاخرى تخضع هي الاخرى لتأثير او سيطرة فعاليات اخرى قريبة من الاسرة.

وبغض النظر عن دوافع الاسرة الحاكمة في امتلاك صحف يومية، فإن هذه الملكية كانت ذات تأثير مباشر على طبيعة ومستوى الحرية التي تتمتع بها هذه الصحف. وحسبما يقول ناصر العثمان الذي يعد من الصحافيين القطريين المخضرمين والذي ترأس تحرير اكثر من صحيفة قطرية قبل ان يستريح الآن مستشارًا في جريدة الراية، إن طبيعة ملكية الصحف اثرت ايجابًا على مستوى الحرية الصحافية، اذ اصبحت هذه الصحف اكثر جرأة في تناول القضايا المحلية بالنقد، لانه اصبح لهذه الصحف مظلة معنوية ومادية قوية .

ويقول العثمان إن النقد على الرغم من التحسن الذي طرأ عليه، ظل محصورًا في القضايا المحلية المتصلة بالخدمات فيما ظل التعاطي مع القضايا المتصلة بالسياسة القطرية من المحرمات، او خطوطًا حمراء لا نتعداها. ويشير الى ان التزام هذه الحدود لايتم عبر رقابة مسبقة بل يتم من خلال رقابة ذاتية او عبر اتفاقيات quot;جنتلمانquot; بين اصحاب الصحف والصحافيين والكتاب العاملين في هذه الصحف. ويقول انه على الرغم من ان القضايا المحلية قلما تقضي مضاجع السلطات، إلا ان طرحها في بعض الاحيان لم يخلُ من اثارة قادت الصحافيين الى المحاكم. ويقول ان هناك العديد من قضايا النشر التي لا تزال المحاكم تنظر فيها.

ولا يعرف العثمان عن حالات منع فيها كتاب من الكتابة، لكنه يقول انه يلاحظ في بعض الاحيان غياب بعض الاسماء عن الساحة ، لكنه سرعان ما يكتشف ان ابتعادهم كان لأسباب شخصية، وليس بناء على تعليمات من جهات عليا. ويقول انه شخصيًا يشعر بالاحباط والرغبة في عدم الكتابة، عندما يشعر ان التفاعل مع ما تطرحه الصحافة ليس بالمستوى المطلوب، ويقول ان تجاهل النقد لا يقل تاثيره على الكاتب من القمع.

ويرفض العثمان التعليق على بعض الحوادث التي تعرض لها الصحافيون. لكن مصادر اعلامية قطرية تذكر ان أحمد على رئيس تحرير صحيفة الوطن تعرض للضرب على يد جماعة قيل انهم من اسرة عبد الله العطية وهو نائب لرئيس الوزراء ووزير للنفط والصناعة. كما يذكرون ان الكاتب الدكتوراحمد عبد الملك منع من الكتابة بعد ان وجه نقدًا لقناة الجزيرة على تجاهل الكوادر القطرية. وحول هذه النقطة الاخيرة، يشكك العثمان في صحة هذا الامر ان لم يكن كنتيجة فكسبب. إذ إن رئيس تحرير الوطن احمد علي كان من اكثر الذين انتقدوا سياسة التوظيف في قناة الجزيرة، ولم يتغير موقعه ولم يمنع من الكتابة. والى جانب القضايا المحلية، فإن تناول القضايا العربية في الصحافة القطرية يتمتع بسقف عالٍ، كما يقول العثمان ويضيف انه قلما كان هناك منع لمقال على هذا الصعيد، إلا اذا تضمن تجريحًا خارجًا.

وعلى الصعيد التنظيمي، فإن إلغاء وزارة الاعلام لم يؤدِّ الى تطوير التشريعات الاعلامية، اذ لا تزال الصحافة القطرية محكومة بقانون المطبوعات والنشر القديم الذي يتضمن موادًا تسمح بحبس الصحافيين. ويقول ناصر العثمان ان مشروع قانون مطبوعات معدل تم اعداده منذ عدة سنوات لكنه لم يقر الى الآن، ويقول ان اهم المواد التي يتضمنها القانون المعدل السماح بمنح تراخيص لصحف جديدة والزام السلطة الحكومية ببيان الاسباب التي تستند اليها في رفض منح الترخيص الى ذلك، فإن القانون المعدل يضع ضوابط حول حرية الوصول والحصول على المعلومات باعتبار ذلك مكونًا اساسيًا من مكونات الحرية الصحافية. والقيود المفروضة على منح التراخيص الصحافية في قطر ليست هي القيود الوحيدة التي تعاني منها الساحة القطرية، فهناك قيود على العمل النقابي وهو ما يثير الاستغراب في بلد يعطي حق الانتخابات البرلمانية المباشرة كتعبير من الحكومة على حق القطاعات الاهلية المشاركة في الشأن العام.

وترفض الاوساط الرسمية القطرية مناقشة مستوى الحريات الصحافية، باعتبار ان قطر بإطلاقها قناة الجزيرة تجاوزت موضوع الحريات الاعلامية، وإن هذه القناة التي تمولها الحكومة القطرية هي المحرك الحقيقي لمياه الاعلام الراكدة في الخليج والعالم العربي، إن لم يكن العالم الثالث ككل. كما انها هي التي رفعت سقف الحريات وتجاوزت في معالجتها للموضوعات السياسية والاجتماعية وحتى الدينية ما كان يعتبر اعلاميًا من المحرمات.

على ان مباهاة السلطات الرسمية القطرية بهامش الحرية النسبية التي تتمتع به قناة الجزيرة، لا يعني أن الساحة القطرية المحلية تتمتع بهامش الحرية نفسه المتاح لقناة الجزيرة التي ينظر اليها القطريون باعتبارها واحة مستقلة لا تربطها بمناخ الاعلام القاحل المحيط بها، الا الصلة الجغرافية المتمثلة في المكان والصلة المالية المتمثلة في التمويل. فاهتمام القناة ينصرف كليًا الى الشأن الخارجي ، دون ان تلتفت للشأن الداخلي القطري، إلا لتبرير موقف من المواقف السياسية المثيرة للقيادة القطرية او لتصفية حسابات بين قطر وجيرانها الاقربين او الابعديين. وتقول الاوساط الاعلامية القطرية ان المساحة التي اعطيت لقناة الجزيرة جعلت اي منافسة من اي قناة تلفزيونية خاصة في المستقبل باهضة وقد لا تكون هناك قوى قادرة على خوض غمارها حتى بافتراض انها منحت ترخيصًا.

ويبدو ان قناة الجزيرة التي تعتمد على الكوادر الاعلامية الوافدة قد اثارت الغيرة في نفوس الاعلاميين القطريين الذين استبعدوا من العمل فيها في حين ان من عمل منهم فيها عمل في مجالات هامشية لا ترضي طموحاتهم. وحسبما يقول صحافي قطري مخضرم، فإن الحكومة التي حاولت اخراج الاعلام من تحت وصايتها ادخلته في الوقت نفسه الى بيت قناة الجزيرة حيث لم يعد أحد يرى اعلامًا قطريًا خارج الدائرة الواسعة التي تنفرد باللعب بها هذه القناة.

وعلى الرغم من النجاح المهني الذي حققته قناة الجزيرة في اداء الرسالة التي انيطت بها، إلا ان الحكومة القطرية ، لم تقم بمنح أحد من القطاع الخاص تصريحًا لإنشاء قناة تلفزيونية مستقلة، علمًا بأن قناة الجزيرة فرخت عدد من القنوات مثل قناة الاطفال والقنوات الرياضية والقناة الاجنبية والقناة الوثائقية وغيرها، ما يعني ان القناة تجاوزت هدفها السياسي الى هدف تجاري تتمتع به الحكومة ورموزها ويحرم منه القطاع الاهلي الذي يمنع من ان يكون له الاعلام الذي يعبر عنه. وحتى الصحافة التي كان يفترض ان تكون متنفسًا لهذا القطاع لم تتطور حتى بعد في ظل الانتخابات واشراك المرأة القطرية فيها مرشحة وناخبة . فصدى هذا التطور البرلماني لم يكن واضحًا في الاعلام القطري، إذ ظلت لغته بعيدة عن الانخراط في الشأن السياسي المحلي واقتصر دوره النقدي على قطاعات الخدمات وهو دور لا يطال تأثيره قوى النفوذ الحقيقية في المجتمع القطري.

ويقول صحافي قطري يغبط قناة الجزيرة على ما تتمتع به من مزايا مهنية، إن الحكومة القطرية طورت من حيث الشكل مستوى الحريات الصحافية من خلال إلغاء وزارة الاعلام واطلاق قناة الجزيرة لكنها عززت سيطرتها على الساحة الاعلامية من خلال ملكية رموز الحكومة لكل الوسائل الاعلامية المؤثرة ابتداء من قناة الجزيرة وانتهاء بالصحف. ويشير الى ان الوسائل الاعلامية الرسمية كالاذاعة والتلفزيون القطري تعاني من الشلل المهني الذي يمنعها من التقدم او محاولة المنافسة على موطئ قدم في ساحة تفتقر الى هوية اعلامية واضحة.