كان شاهدا على ملحمة العصف بالمكان
عبد الله البدوي يواجه آل دافيد اليهودي
أسامة العيسة من القدس:
يبدو المواطن الفلسطيني عبد الله الزير (75) عاما، بلباسه التقليدي، كأنه خارج من التاريخ، أو آخر الجنود في جيوش الفتوحات العربية التي اجتازت فلسطين طوال قرون، ولم يعد لها وجود الان إلا
عبد الله الزير (عدسة إيلاف)
بشخص الزير الذي يحارب معركته الأخيرة بطريقته الخاصة، في ظل اختلال لا يوصف بالقوة بينه وبين خصومه.
ويحارب الزير الان، مستوطنين يهودا، أقاموا قبل سنوات قليلة مستوطنة باسم (أل دافيد) على التلة التي يوجد فيها منزل الزير، والتي تطل على صحراء البحر الميت، وجبال مؤاب الأردنية، وتحاذي أحد الأودية الشهيرة التي تصب في البحر الميت، التي يوجد بالقرب منها مواقع أثرية مهمة من بينها مجموعة مغر، سكنها الإنسان الفلسطيني الأول، وكشفت الحفريات الأثرية في بداية القرن العشرين عن بقايا مهمة بهذا الشأن.
ومنزل الزير يقع على تلك التلة بجوار قصر هيرودوس الكبير, أول حاكم عربي ادومي لفلسطين قبل ألفي عام, وعاش طوال سني عمره، كرجل quot;بريquot; كما يصف نفسه، عاشقا للصحراء والبرية، وأسلوب حياته أشبه بالبداوة، وأصبحت المنطقة التي يعيش فيها، مثل باقي الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
وأصبحت الكثير من الأراضي الخالية القريبة منه، أمكنة مناسبة لتدريبات الجيش الإسرائيلي، الذي كان يترك مخلفاته في هذه الأمكنة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من أولاد الفلسطينيين.
وكان عليه أن يكون طوال سنوات شاهدا، على ملحمة العصف بالمكان الذي قادها مستوطنون يهود رياديون، تشبعوا بالفكر التوراتي، واستولوا بمساعدة حكومات إسرائيل المتعاقبة على مساحات واسعة من الأراضي، واستوطنوا التلال الفلسطينية.
وعلى مرمى نظر الزير، أقيمت مستوطنة تحولت إلى ما يشبه مدينة باسم (تكواع) تتوسع كل يوم، وبقي هو في منزله كشاهد عربي أخير على تغيير جغرافية المكان.
واصبح عدد من المستوطنين الذين يسكنون المستوطنات المجاورة له، مشهورين مثل الوزير الإسرائيلي المتطرف (أفيغدور ليبرمان) الصاعد قدما في سلم النجومية والشعبية في إسرائيل.
ولا يمنع الزير نفسه من الضحك عندما يعلم بان quot;المستوطن الأزعرquot;، كما يسمي ليبرمان، اصبح رقما صعبا في معادلة السياسة الإسرائيلية الداخلية، وانه يضطلع بملف الدولة العبرية مع إيران.
ويتذكر الزير، كيف أن ليبرمان كان ينزل من سيارته عندما تتعرض للرشق بالحجارة من قبل أولاد الفلسطينيين، وهو في طريقه من مكان سكناه في المستوطنة متوجها إلى القدس، ويأخذ بملاحقة الأولاد الغاضبين.
واستغل ليبرمان وجوده في الحكومات الإسرائيلية، من اجل تحقيق مصالح لزملائه المستوطنين، مثل فتح شوارع، واجبر ارئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق على تمويلها، مقابل منحه ثقته.
وبعد مقتل رفيقه رحبعام زئيفي، على يد نشطاء من الجبهة الشعبية، استغل ليبرمان ذلك، للاستيلاء على المزيد من الأراضي وإقامة بؤرة استيطانية في المنطقة باسم (رحبعام زئيفي).
وتقع هذه البؤرة على بعد 100 متر جنوب مستوطنة نكوديم التي يقيم فيها ليبرمان، والتي تأسست في عام 1982، في منطقة معزولة، ولكنها الان ترتبط بشبكة طرق مع القدس.
كل هذه الأمور وغيرها يذكرها الزير، عن النشاط الاستيطاني في المنطقة التي يعيش فيها، ولكن الأهم بالنسبة إليه هو ما حدث قبل سنوات قليلة، عندما قدم إلى المنطقة مستوطنون يهود جدد من روسيا البعيدة جدا بالنسبة إلى الزير، وأقاموا بقوة الحديد والنار مستوطنة أسموها أل دافيد, قريبة من منزله، وأغلقوا الطريق المؤدية إليه، وفتحوا بدلا منها طريقا إلى المستوطنة.
واصبح على الزير وأبنائه وأحفاده، الدخول إلى منازل العائلة تسللا، وكأنهم غرباء، متجنبين حراس المستوطنة الجديدة العنيفين.
ومن اجل راحة المستعمرين الجدد quot;الذين أتوا من أخر الدنياquot;, كما يقول عبد الله الزير, كان لابد من محاصرة الزير والتضييق عليه وعلى أبنائه، وعلى مواشيه ومنعها من الرعي، حتى وصل إلى وضع جعله يتخلص منها.
وخلال السنوات الماضية لم يكتف المستوطنون بإغلاق الطريق التي كان ينفذ بها الزير إلى العالم الخارجي, بل وتعرض لاعتداءات كثيرة أصابته وابناءه من المستعمرين الجدد, وتم اعتقال عدد من ابنائه اكثر من مرة، وعندما كانت انتفاضة الأقصى في ذروتها، ومع الحصار المشدد والمطبق، الذي شارك فيه المستوطنون والجيش، لم يكن يتمكن من الخروج من منزله.
ويبدو الزير في مكانه ومعاناته ومقاومته لتوسع المستوطنة، وكأن لا أحد يدري به أو يعبأ بمعركته، أو يفكر بالتقدم لمساندته وشد ازره، خصوصا من قبل فصائل العمل السياسي الفلسطيني والسلطة الفلسطينية.
ولا يشعر الزير بان على هذه الجهات ان تقدم له المساعدة، أو أن الوفد الفلسطيني المفاوض مع الجانب الإسرائيلي يعلم بقصته، ولا يعرف إلا انه من سلالة ممتدة سكنت هذه الأرض منذ آلاف السنين، ومثلما واجه أسلافه الغزوات العديدة، فان قدره الان مواجهة أل دافيد.
ويقول الزير إنه لا يعرف من هو أل دافيد هذا الذي أطلق المستوطنون اسمه على مستوطنتهم التي quot;تحبس عنه الهواءquot; كما يقول.
والمقارنة بين وضع المستوطنة الجديدة، وبين منازل عائلة الزير، يثير مفارقات كثيرة، وكأنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين تماما رغم انه لا يفصل بينهما الا بضعة أمتار، فحكومة الاحتلال زودت المستوطنة بالكهرباء والماء، وكافة خدمات البنية التحتية، بينما تعيش عائلة الزير في حالة مزرية من دون خدمات.
ولا يوجد شيء يمكن أن يؤثرفي معنويات عبد الله الزير في مواجهته لال دافيد ويقول quot;يبدو أن صراعي مع المستوطنين سيطول، ولكنني سأبقى في مكاني والزمن سيحكم بيني وبينهمquot;.