جلسة أجهضت كسابقاتها والرئاسة معلقة
ساعات من التفاؤل الكاذب في لبنان

إيلي الحاج من بيروت: عاد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مرة أخرى إلى لعبة التأجيل التي يتقنها، فأرجأ الجلسة التاسعة التي دعا إليها لإنتخاب رئيس للجمهورية ولم يحضرها مع أعضاء كتلته النيابية ليكتمل النصاب. وكانقدتعمد أن يستيقظ اللبنانيون على أخبار مفاجئة نقلتها بعض صحف بيروت بتفاؤل زائد عن اللزوم سرعان ما سرت عدواه إلى العائشين على أعصابهم ممن لا يزالون يصدقون لشدة ما يرغبون في تصديق أخبار التفاؤل، ولكن ليتبين لهم بعد ساعات أن كلام الليل على ملء الفراغ الرئاسي يمحوه النهار كالمعتاد، وأن كل المطلوب تحاشي ضغوط عربية ودولية شديدة على دمشق التي تحملها دول مؤثرة شرقًا وغربًا مسؤولية عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان عبر quot;أصدقائهاquot;، كما تسميهم في هذا البلد.

لكن أكثر ما لفت في الإعادة المسرحية التي شهدها البرلمان اللبناني هو إصابة نواب في التكتل الذي يترأسه النائب الجنرال ميشال عون وبعض المحيطين بالرجل بريبة وخشية أن يكون شيء ما قد حيك بين بري وأركان قوى 14 آذار / مارس على قاعدة تفسير للدستور أو اجتهاد يتيح إنتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان دون إجراء تعديل دستوري، فتتفادى قوى المعارضة بذلك أن يمر مشروع القانون بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي لا يعترف بها المعارضون.

لذلك طفق نواب الجنرال عون ومحيطون به يصرحون جماعيًا قبل موعد الجلسة التي لم تنعقد، أن لا حلول للتعقيدات ولا ما يشبه الحلول ما دامت قوى الغالبية لم تتوجه إلى مقر إقامة الجنرال في محلة الرابية للتفاوض معه بناء على تكليف قوى المعارضة المتشكلة من بقية quot;أصدقاء سوريةquot; واتخاذ القرار في شأن انتخاب العماد سليمان، وذهب أحد هؤلاء النواب إبرهيم كنعان إلى التصريح علنًا للمرة الأولى أن التكتل الذي ينتمي إليه لا يرفض فحسب إنتخاب العماد سليمان دون تعديل دستوري لكونه موظفًا من الفئة الأولى في الدولة- وهذا موقف يلتقي فيه مع quot;مسيحيي قوى 14 آذار- بل إن التكتل المذكور يرفض التعديل الدستوري في ذاته، وهذا يعني إفصاحًا عما بات معروفًا ولكن ضمنًا لدى قوى الغالبية كما لدى من هم على اتصال بالعماد سليمان: الجنرال عون لا يمكن أن يقبل لا بقائد الجيش ولا بأي رئيس غيره هو شخصيًا (عون) في قصر بعبدا.

ومن هذا المنطلق المبني على تجارب الماضي وقراءة الحاضر رفضت قوى الغالبية التحاور مع عون إلا على بند واحد هو تعديل الدستور وانتخاب سليمان، مرجئة البحث في الشروط التي بات إسمها باللغة السياسية اللبنانية quot;السلةquot; إلى ما بعد وصول قائد الجيش إلى القصر الرئاسي في بعبدا.

ولوحظ مع ظهور مصير الجلسة المجهضة وانضمامها إلى سابقاتها أن الرئيس بري أجرى قبل صدور قرار التأجيل وبعده لقاءات أبرزها مع رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري ونواب آخرين دستوريين أبرزهم بهيج طبارة من الكتلة نفسها أن العقدة الدستورية قد تشهد حلاً في قابل الأيام ، لكن الشق السياسي يبقى العقدة الكأداء.

إذ تشترط المعارضة موافقة قوى quot;ثورة الأرزquot; على صيغة للحكومة الجديدة على اساس توزيع 17 مقعدًا للغالبية و13 للمعارضة بما يتيح للأخيرة الحصول على الثلث الذي يسمح بتعطيل قرارات الحكومة . لكن قوى 14 آذار رفضت ذلك، وقالت انه اذا كانلا بد من تنازلعلى هذا الصعيد فيجب أن يكون لمصلحة رئيس الجمهورية العتيد ليتمكن من إطلاق عهده بقوة .

ولا تقتصر مطالب القوى والشخصيات الصديقة لسورية على ضرورة تحديد اسم رئيس الحكومة المقبلة قبل الإستشارات النيابية الملزمة ، بل إنها تضع quot;فيتواتquot; على بعض الوزراء الحاليين أبرزهم الوزيران مروان حمادة وأحمد فتفت ، كما تريد الإتفاق مسبقاً على توزيع الحقائب الوزارية لا سيما الرئيسة، أو السيادية منها، علمًا أنها تتمسك بوزارات العدل والداخلية والاتصالات، اضافة الى الخارجية وكذلك تريد البحث المسبق في موضوع التعيينات ولا سيما الأمنية مثل إسماء قائد الجيش ومدير إستخبارات الجيش والمدير العام للأمن العام.

وعلى غرار موقفها من رئاسة الحكومة، تصر قوى الغالبية على أن التعيينات او الحصص في الحكومة يتم الإتفاق عليها من خلال تشاور يتولاه رئيس الحكومة المكلف مع الكتل النيابية سواء في الغالبية او المعارضة، ومن خلال مجلس الوزراء لاحقا بالنسبة الى التعيينات في ادارات الدولة المدنية والعسكرية.

وتبعث هذه الصورة على القلق حيال إحتمالات عدم انتخاب رئيس للبنان قبل انتهاء السنة لأن ذلك سيعني بحسب بعض الدستوريين ضرورة الإنتظار حتى منتصف آذار/ مارس المقبل لتعديل الدستور في دورة عادية لمجلس النواب في ضوء إستحالة تجاوب الرئيس بري مع طلب للحكومة بفتح دورة إستثنائية.

وتلوح قوى الغالبية في حال عدم انتخاب رئيس قبل نهاية السنة بإجراءات قوية أبرزها تفعيل عمل الحكومة وممارستها الحكم بصفتها تلك، فضلاً عن التصرف بصلاحيات رئيس الجمهورية وعدم الإكتفاء كما تفعل الآن بتصريف الأعمال. كل ذلك يقود إلى خلاصة أن لبنان لا يزال عند مفترق الإنفراج أو الإنفجار.