سورية ترفضها وموسكو تتفهمها والعالم يصر عليها
المحكمة الدولية أكبر مشكلة للبنان

توقيع اتفاق تشكيل المحكمة الدولية بين لبنان والامم المتحدة
إيلي الحاج من بيروت: على وقع التحضيرات لإحياء الذكرى الثانية للرئيس الراحل رفيق الحريري، يتأكد يوماً بعد اليوم أن المحكمة ذات الطابع الدولي التي قرر مجلس الأمن تشكيلها لمحاكمة القتلة باتت عقدة العقد في لبنان وتتقدم غيرها من القضايا الخلافية التي تشكل محاور الأزمة السياسية ، بدءاً من مسألة المشاركة وحكومة الوحدة الوطنية ، الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وتبعاً لذلك طبيعي ان يكون موضوع المحكمة المدخل الى أي تسوية وان لا حل من دونها، من هذا المنطلق يشدد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى المتوقعة عودته إلى بيروت الخميس المقبل على التلازم والتوازي بين المحكمة وحكومة الوحدة. وتفاقِم صعوبة التوصل إلى حل حقيقة أن الاتصالات والمساعي الايراني- السعودية في شأن الأزمة اللبنانية لم تحقق نتيجة إيجابية حتى اليوم، لا بل تعثرت وتوقفت بسبب عقدة المحكمة تحديداً وخصوصاً. وكانت دمشق أبلغت المسؤولين الايرانيين في أكثر من اتصال ولقاء في الأسابيع الماضية انها ترفض مشاريع المخارج المطروحة لتشكيل المحكمة، وكذلك ترفض البحث فيها قبل انتهاء التحقيق الدولي . والمسألة بالتالي ليست مسألة تعديلات معروضة او مطلوبة على نظام المحكمة، بل تتجاوزها الى رفض مبدأ اقرار المحكمة وتشكيلها قبل انتهاء التحقيق والتوصل الى تقرير نهائي وقرار اتهامي مستند الى أدلة دامغة.

لكن القوى المتحالفة مع سورية وإيران، أو quot;قوى8 آذار/ مارسquot;، تقول ان تجميد المساعي السعودية- الإيرانية حصل بفعل ضغوط أميركية فرنسية على الغالبية أو quot;قوى 14 آذار/ مارسquot; لرفض توافق الرياض وطهران على تشكيل حكومة تعطى فيها المعارضة الثلث الضامن او المعطل. خصوصا ان الموقف الاميركي لا يزال يراهن على quot;إخضاع مواقع الرفض والممانعةquot; ويرفض إعطاءquot; حزب اللهquot; أي quot;ورقة قوةquot; .

في المقابل تقول الغالبية ان دمشق هي التي تقف وراء quot;قصف، ونسفquot; المساعي الجارية لانهاء التأزم بما في ذلك المساعي السعودية - الايرانية ليس لأنها خارج المشاورات فحسب، بل أيضاً لأنها تريد ان تكون التسوية على قياسها ، وتشير إلى معلومات تدفقت إلى بيروت في الأيام الماضية ومحورها أن دمشق تريد التسوية إنطلاقاً من نقطة صرف النظر كليا عن تشكيل المحكمة الدولية او تأجيل الموضوع برمته الى ما بعد انتهاء التحقيق. وهذا موقف يلقى معارضة دولية وعربية وأيضا لبنانية من قوى الغالبية التي تبدي انفتاحا على مطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية ، لكنه انفتاح مشروط بالاصرار على حسم موضوع المحكمة الدولية في سلة تفاهمات واحدة.

ومع اصطدام المساعي السعودية ndash; الإيرانية بالموقف السوري ، يتبيّن ان نجاح هذه المساعي بات من شروطه اصلاح العلاقة السعودية - السورية واعادة وصل ما انقطع فيها.

عند هذا الجدار، تتجه الأنظار الى موقف طهران . فهل هي مستعدة لممارسة ضغوط على دمشق كي تغيّر موقفها من المحكمة وتفتح طريق الحل في لبنان؟ وكيف تستطيع إيران التوفيق بين تحالفها الثابت مع سورية والتقاطعات والمصالح المستجدة بينها وبينالمملكة العربية السعودية؟
ويبدو جلياً أن سورية تستند الى موقف روسيا وتستقوي به . وهذا الموقف داعم لقيام المحكمة الدولية ولكن من ضمن ضوابط وقيود مشددة لا تجعلها محكمة سياسية وسيفا مصلتاً فوق رأس النظام السوري الحليف لموسكو ولتصفية الحساب معه. كما تحرص روسيا على ألا يعرض تشكيل هذه المحكمة الاستقرار اللبناني والعلاقات اللبنانية- السورية للخطر.

ولأن روسيا لن تتخلى بسهولة عن سورية وباتت ميّالة الى فكرة تشكيل المحكمة بعد انتهاء التحقيق، يتأكد تدريجاً أنها ستقف حكما ضد اقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن تحت البند السابع. هذا الموقف يدفع المعنيين إلى زيارة موسكو بكثافة ، وفي هذا الإطار تندرج زيارات رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إليها ، وكذلك رئيس quot;تيار المستقبلquot; النائب سعد الحريري والأمين العام عمرو موسى ورئيس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان لطلب دعم روسيا في موضوع المحكمة الدولية من جهة، وكذلك الطلب اليها التدخل لدى سورية كي تلين موقفها من المحكمة وتساهم في التوصل إلى حل للأزمة اللبنانية الداخلية، بما يفتح الطريق أمام المحكمة الدولية لتسلك الطرق العادية والطبيعية ويجري اقرارها في لبنان وفقا للأصول الدستورية والقانونية.
أما في الداخل اللبناني فالمسألة لا تزال في غاية التعقيد في ضوء تمسك قوى ١٤ آذار/مارس بالمحكمة الدولية واعتبارها خطا أحمر، لأن اقرارها ليس لمعاقبة قتلة الحريري فحسب، انما أيضاً لتوفير حماية سياسية أمنية مستقبلية للوضع اللبناني والقيادات. وتبدي هذه القوى قلقا حيال إبقاء طريق مجلس النواب مقفلا وما يتردد عن تعديلات على نظام المحكمة يمكن ان تفرغه من مضمونه الأساسي وتحرفها عن هدفها.

وفي انتظار حل يأتي من الخارج لهذه القضية المعقدة، يؤكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه ليس في وارد دعوة المجلس إلى الانعقاد واقرار المحكمة الدولية، في ظل الحكومة الحالية التي يعتبرها مثله مثل رئيس الجمهورية إميل لحود المشكوك في شرعية التمديد له، quot;حكومة غير دستورية وفاقدة للشرعية الميثاقيةquot; ، وبالتالي بات اقرار المحكمة يمر حكما عبر حل الأزمة السياسية برمتها ولا يتعلق الأمر بدورة عادية او استثنائية لمجلس النواب.

أما quot;حزب اللهquot; ، الحليف الرئيسي لإيران وسورية في بات وquot;رأس رمحquot; القوى التي تدور في فلكهما فبات حذرا جدا حيال موضوع المحكمة و يكاد تحفظه حيالها ان يتحول رفضاً علنياً صريحاً، خصوصا بعدما صرح رئيس quot;اللقاء الديموقراطيquot; النائب وليد جنبلاط أن quot;بعضهم في حزب اللهقد يكون متورطاً في جرائم اغتيال سياسيةquot; .