القرآن منظومة شاملة تقوم على تمجيد العلم والمعرفة ومقت الخرافة

بقلم توني بلير، رئيس وزراء المملكة المتحدة

الخلاصة هي الحرب على الارهاب لا تقوم على الاساس الامني او التكتيك العسكري فقط بقدر ما هي معركة من اجل القيم، وهي واحدة من الدوافع التي توجهنا نحو انتصار ما نملك من تسامح وليبرالية. افغانستان والعراق تمثل نقطة انطلاق في هذه المعركة ونجاحنا فيها لابد ان يقوم على الجرأة والشجاعة والمزيد من الرسوخ والتطلع نحو تطبيق القيم العالمية تطابقاً مع توجهات واشنطن في قيادتها لهذا الطريق.

جذور التطرف

ردنا على هجمات الحادي عشر من سبتمبر أثبت أنه الاكثر اهمية مما ظهر في ذلك الوقت. ذلك اننا اخترنا المن كميدان للمعركة. لكننا لم نفعل، نحن نختار القيم لقد قلنا باننا لا نريد طالبان او صدام حسين اخر. نحن عرفنا انك لا تستطيع هزيمة الايديولوجيبا المتعصبة عبر السجن او قتل قادتها، عليك هزم افكارهم.

من وجهة نظري الموقف الذي نواجهه كان حربا حقيقية، لكنها من نوع غير مالوف تماماً ولا تستطيع مواجهتها بالطرق التقليدية. لن نستطيع الانتصار في مقارعة التطرف العالمي مالم نواجهه بذات القوة من القيم. نحن نستطيع الفوز فقط من خلال ابراز بان قيمنا اقوى واحسن وطرح المزيد من البدائل. ذلك ايضا يعني ان نري العالم باننا عادلون وواضحون في تطبيقنا لتلك القيم. نحن لن نحصل على دعم حقيقي من خلال التصرفات الخشنة، ذلك ربما سيمثل صيانة اساسية لطريقتنا في الحياة ما لم نعقد العزم وبقوة متساوية على محاربة الفقر العالمي والتدهور الذي يحيق بالبيئة والظلم المتزايد.

جذور الموجة العالمية للارهاب والتطرف عميقة. انها تعود الى عقود من التحولات حيث الظلم والقمع السياسي في البلاد العربية والعالم الاسلامي. وحتى الان فان الارهاب لايمكن النظر اليه بوصفه امرا محتوما. بالنسبة لي فان الشيء الجدير بالاشارة يكمن في النظرة التقدمية التي يحتويها القران الكريم. فانا اكتب وبتواضع جم وكعضو ولاؤه في نطاق ديني اخر. وكمراقب خارجي فان القران يمثل كتابا اصلاحياً يبرز الاتجاه فيه الى اهمية العودة باليهودية والمسيحية الى اصولها النقية في الوقت الذي كانت الكنيسة المسيحية بحاجة الى الاصلاح خلال القرون السابقة. القرآن منظومة شاملة تقوم على تمجيد العلم والمعرفة ومقت الخرافة وقدم الحلول والممارسات العملية في العديد من المسائل الاساسية كالزواج والنساء والحكم.
في ظل التوجيه القراني كان الانتشار والسيطرة الاسلامية السابقة على المناطق المسيحية والوثنية قد ابرز تجربة باهرة. وعلى مدى قرون اسس الاسلام امبراطورية وقاد العالم نحو الاستكشاف والفنون والثقافة. معيار التسامح خلال العصور الوسطى يكشف عن رجحان الاسلام في هذا المجال مقارنة بالعالم المسيحي. ولكن خلال الفترة المبكرة من القرن العشرين، بعد النهضة والاصلاح وحكرة التنوير والتي جاءت بمؤثر من العالم الغربي عاش المسلمون والعالم العربي لحظة الشك والتردد، وعدم الاستقرار وراحوا يتحصنون بالموقع الدفاعي. بعض البلدان الاسلامية مثل تركيا توجهت نحو اعتناق العلمانية فيما وجد البعض الاخر نفسه تحت السيطرة الاستعمارية فكان ان تداخلت ملامح الظهور للتيار القومي والقمع السياسي والتدين الراديكالي. المسلمون باتوا يشهدون الوضع المؤسف للاقطار الاسلامية هذا الوضع الذي راح يمثل وضعا مؤسفاً للاسلام وهكذا صار الراديكاليون السياسيون، راديكاليين متديين والعكس بالعكس.
محاولات القوة هيأت مناخا من التعايش بين الاسلام الراديكالي وبعض التيارات الايديولوجية من خلال اندماج بعض القيادات. والنتيجة كانت على الدوام عبارة عن كارثة. الراديكالية الدينية حظيت لنفسها بالاحترام والتبجيل بعد تعرضحها لقمع الراديكالية السياسية. لكن الجدير بالملاحظة ان كلا التيارين جاء ليمثل الحاجة الى التغيير. ومن هنا بدأ الطريق نحو خلق الثقة وترسيخ الاسلام من خلال المزج بين التطرف الديني والمبادئ السياسية حيث حرصت القيادات الاسلامية على المجاهرة بالعداء للغرب كأسلوب لتوسيع النفوذ.
هذا التطرف ربما بدأ مع المعتقدات والفكر الديني في فروع الاخوان المسلمين والمدعم بالمتطرفين الوهابيين والسعي الى نشر الافكار عبر البعض من المدارس في الشرق الاوسط وآسيا، وهكذا تمت ولادة ايديولوجيا راح يتم تصديرها حول العالم.
في الحادي عشر من سبتمبر قتل ثلاثة آلاف شخص. لكن الارهاب لم يبدأ في شوارع نيويورك. الموت كان حاضراً ليس فقط بضرب المصالح الغربية، ولكن من خلال العصيان السياسي والاضطراب حول العالم. وضحاياه صاروا يظهرون في التاريخ المعاصر وفي بلدان كثيرة؛الهند، اندونيسيا، كينيا، ليبيا، باكستان، روسيا، السعودية العربية، اليمن، وعدد لا يحصى من البلدان. اكثر من مائة الف قتلوا في الجزائر والشيشان وكشمير. السياسة كان يمكن لها ان تقدم الحل، لكن الوحشية جعلت منها غير قادرة على اية مبادرة بسبب الضغط الذي راح يمثله الارهاب. اليوم بين ثلاثين او اربعين بلدا، يتحرك الارهابيون فيها بحرية نسبية، ويعملون على عقد اواصر علاقاتهم الايديولوجية. ومع ذلك فان الكادر الارهابي يبقى صغيرا نسبيا، انهم يعملون على استغلال الاعمال البطولية من اجل خلق وعي مآله يقوم على عزل العرب والعالم الاسلامي.
الاعمال الارهابية لم تكن معزولة عن مجمل اتجاه الناشطين في هذا المجال ، بل مثلوا جزءا من حركة متزايدة قامت اراؤها، على ان المسلمين قد تركوا الايمان الصحيح بعد ان خضعوا للثقافة الغربية عبر البعض من المتواطئين من المسلمين. ولكن مقابل كل هؤلاء يمكن ان ترى ان الطريق للتعافي لا يقوم فقط على الايمان الحقيقي بل على الثقة واحترام الذات الاسلامي من اجل مواجهة الغرب.

(مجلة شؤون خارجية، عدد يناير-فبراير2007 / ترجمة د. إسماعيل نوري الربيعي)