يتزامن مع الربيع وتعديل الدستور والقمة العربية
مصر تستضيف مؤتمرًا دوليًا لأحوال الحمير

الأمير تشارلز وزوجته كاميلا خلال زيارتهما لمستشفى بروك
البيطرية في القاهرة في 22 آذار 2006 . المستشفى تقدم
خدمات صحية مجانية للحمير والجياد. أ ف ب
نبيل شرف الدين من القاهرة: بعيدًا عن صخب المناقشات، وصداع الإحتجاجات، وسخف التبريرات المبعثرة في كل موضع من مصر هذه الأيام، خلال موسم التعديلات الدستورية. وقبيل مناحة القمة العربية التي ابتليت بها الرياض هذه المرة، وبالتزامن مع دخول فصل الربيع... الذي كاد من الحسن أن يتبسم، وسط كل هذا إحتفلت العاصمة المصرية يوم الإثنين بانطلاق فعاليات المؤتمر السنوي الدولي لجمعيات رعاية الدواب حول العالم، الذي يستمر لمدة خمسة أيام، بمشاركة ممثلي جمعيات من بريطانيا والمكسيك والهند وبلدان أخرى في أفريقيا وأوروبا الشرقية، فضلاً عن الدولة المضيفة مصر.

الدكتور عادل كشك، رئيس الجمعية الخيرية لرعاية الدواب ـ الداعية والراعية لهذا المؤتمرـ أكد أنه سيناقش طرق رعاية الحيوان والإجراءات البيطرية، للحفاظ على حياته ومنها مصر، مشيرًا إلى أن المؤتمر يناقش حماية حقوق مليونين و500 ألف حمار و50 ألف بغل مصري، والإجراءات التي تتخذها الجمعية لحماية هذه الحيوانات.

ومضى قائلاً إن هذا المؤتمر سيشهد مناقشات معمقة من متخصصين، حول الأمراض التي تتعرض لها هذه الحيوانات، والطرق الحديثة لعلاجها، بالتنسيق مع الهيئات الدولية المعنية، وخبراء كليات الطب البيطري، مشيرًا إلى أنه يجري التنسيق مع وزارة التعليم، لنشر ثقافة الرفق بالحيوان بين تلاميذ المدارس، وأصحاب الدواب والعاملين في مجال الخدمات البيطرية.

بشر وحمير
وتحدث أحد المنظمين بلغة مفعمة بالحب الصادق عن العلاقة الحميمة بين البشر والحمير، نافيًا أنها تقوم على المصلحة كما يزعم خبراء الإجتماع، الذين إعترفوا بالفعل بتلك الصلة الخاصة للحمير في نفوس المصريين، وربما معظم أبناء الحضارات الزراعية، غير أن علماء الإجتماع ربطوا تلك العلاقة بحاجة الفلاح اليومية لخدمات الحمير غير أن الزمن أثبت عدم صحة هذا التفسير، فقد تراجعت حاجة الإنسان للحمير، في ظل هذا التطور الهائل في وسائل النقل، ومع ذلك ظلت للحمار منزلته الخاصة في أبعد نقطة من وجدان المصريين.

والحمار الذي إرتبط في الوجدان الشعبي بأنه quot;سُبّةquot;، يبقى أكثر الحيوانات ألفة لدى المصريين، يعشقه أطفالهم أكثر مما تبهرهم إطلالة الخيل الفتية، ويتردد اسمه على ألسنة الناس في مواقف التوبيخ والسباب والسخرية وأحيانًا التباسط والعبث، لدرجة أن المراهقين في الأحياء الشعبية قد يتندرون بمناداة بعضهم البعض باسمه، لهذا لم يكن مستغربًا أن تتأسس في مصر قبل أكثر من 77 عامًا، جمعية للحمير، تضم في عضويتها أسماء كبيرة من وزن طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم.

وبينما ما زالت وزارة الشؤون الإجتماعية ترفض الموافقة على تأسيس جمعية باسم quot;جمعية الحميرquot;، رغم أنها ليست جديدة تمامًا بل أنشئت للمرة الأولى عام 1930، لكن دون إشهار رسمي، حيث لم يكن قد صدر بعد قانون ينظم إشهار الجمعيات الأهلية والخيرية في مصر بعد.

ويقول محامي مؤسسي هذه الجمعية إنهم يواصلون مقاضاة الحكومة لإعادة إحياء أنشطة تلك الجمعية، الذي يتركز أساسًا على العمل التطوعي الخيري، دون التعرض للقضايا السياسية من قريب أو بعيد، وأضاف إن السبب في توقف نشاط الجمعية طيلة السنوات العشر الماضية هو رفض وزارة الشؤون الإجتماعية في مصر السماح بترخيص الجمعية لإعتراضها على اسمها، لأنه بحسب الوزارة اسم quot;غير لائقquot; ويتنافى مع التقاليد الاجتماعية السائدة، خصوصًا أن أعضاء الجمعية تطلق عليهم ألقاب مستهجنة، وتزيد درجة الاستهجان وفقًا للمدة التي قضاها كل عضو في الجمعية، وحجم عطائه، مثل quot;جحشquot; وquot;حمار كبيرquot; وغير ذلك من الألقاب.

تاريخ الحمير
ويرجع تاريخ هذه الجمعية إلى العام 1930 الذي تأسست فيه كجمعية خيرية على يد الفنان المصري الراحل زكي طليمات، وكانت تضمّ في عضويتها عددًا كبيرًا من الفنانين والصحافيين والأدباء والمفكرين، مثل د. طه حسين وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد رجب والسيد بدير ونادية لطفي وغيرهم، وقد جاء تأسيس الجمعية التي اشتهرت كجمعية خيرية في بدايته كأحد مظاهر تحدي القصر الملكي في ذلك الوقت والإحتلال البريطاني، بعدما طالب الإنكليز الملك فؤاد بإغلاق معهد الفنون المسرحية، الذي كان قد أنشأه زكي طليمات بهدف تأسيس مسرح مصري خالص لا يترجم الروايات الغربية فقط، فما كان من طليمات ومعه شكري راغب الذي كان مديرًا لدار الأوبرا في ذلك الوقت، إلا أن اختارا (الحمار)، باعتباره الحيوان الأكثر قدرة على التحمّل، ليكون اسمًا وعنوانًا لجمعيتهم الجديدة لمواصلة الكفاح من خلالهافي سبيلإنشاء المسرح، ثم تحول الأمر لاحقًا للعمل الخيري والدفاع عن الحمير بالفعل أيضًا، والأهم هو العمل الخيري وجمع التبرعات.

وفي هذا الصدد تقول المصادر ذاتها إن نشاط الجمعية يركز في جانب أساسي منهعلى الخدمات الطبية وتقديم العلاج المجاني للمرضى غير القادرين، وإن الجمعية قدمت مساعدات لعدد من المستشفيات الحكومية المتخصصة، مثل الأجهزة الطبية والأدوية حيث قدمت في أوائل التسعينات وحدة لعلاج السرطان بالإشعاع لمستشفى كلية الطب جامعة طنطا و10 وحدات لغسيل الكلى لمستشفيات مثل قصر العيني والدمرداش والجلاء وغيرها، هذا فضلاً عن توفير فرص العمل للعاطلين، وتقديم مساعدات مالية وملابس للمحتاجين.

رتب الحمير
المثير في الأمر هنا أن الجمعية التي اشتهرت خلال الثمانينات مع تزايد نشاطها الخيري، تمنح أعضاءها رتبًا ودرجات تبعًا لمدة عضويتهم فيها، وتتدرج هذه الرتب من الجحش إلى الحمار الصغير ثم الحمار الكبير، وكل رتبة حمار تتضمَّن رتبًا داخلها، مثل quot;حمار لجامquot; الذي يرقى إلى quot;حمار ببردعةquot; - وهو السرج الذي يوضع على ظهر الحمار - ثم quot;حمار حدوةquot;، ثم حمار كبير، أما رؤساء الجمعية في المدن المصرية، أو خارج مصر، فيطلق عليه لقب quot;كبير الحميرquot;، أما رئيس جمعية الحمير في مصر فيطلق عليه quot;الحمار الأكبرquot; وهكذا.

وحصل على هذا اللقب الأخير نفر قليل، هم : المؤسس زكي طليمات، والفنانة نادية لطفي، ووزير الصحة المصري الأسبق محمود محفوظ، كما ظهرت للجمعية فروع في عدد من الدول العربية مثل لبنان والعراق وسوريا، وكذلك في دول أجنبية مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، حيث كان يرأس هذه الجمعيات غالبًا مثقفون مصريون هاجروا لتلك البلدان، مثل الفنان التشكيلي المصري د. رشدي اسكندر الذي هاجر لأمريكا وأسَّس فرعًا لجمعية الحمير هناك، بل وظل يكتب مقالاً أسبوعيًا في إحدى الصحف الأميركية الصادرة بالعربية بتوقيع quot;حمارquot;، ثم جمع تلك المقالات في كتاب أطلق عليه quot;يوميات حمارquot;.

أما عن تمويل الجمعية، فيقول المؤسسون أنه يأتي من تبرّعات أعضائها الموسرين والأغنياء، فضلاً عن اشتراكات أعضائها، ووفقًا للإحصائيات المشهرة في نهاية الثمانينات، فقد بلغ عدد الأعضاء quot;الحميرquot; 30 ألف عضو، ما يعني أنها أصبحت الآن إحدى الوثائق التي قدمت للمحكمة كدليل على الأنشطة الخيرية والإنتشار الكبير للجمعية منذ عقود مضت.

[email protected]