خلف خلف من رام الله: مع إقتراب العد العكسي لإنعقاد القمة العربية المقررة في الثامن والتاسع والعشرين من الشهر الجاري، بدأت الأنظار جميعها تتجه للرياض بصفتها الحاضن الكبير لهذه القمة التاريخية، التي تستمد قوتها من توقيتها ومكان إنعقادها. إسرائيل بدورها تراقب بعيون كلها حذر الإستعدادات المتسارعة لعقد القمة، وبالتوازي مع ذلك تطلق بلونات اختبار في محاولة منها لإستشفاف ردود الأفعال والتوجهات للقادة العرب، وموقفهم من إمكانية تعديل المبادرة العربية للسلام التي بدأت تل أبيب تلوح منذ عدة أسابيع بإمكانية قبولها في حال عدل البند المتعلق باللاجئين.
وهذه الأمنية الإسرائيلية التي تبحث عن مكان لها في القمة العربية، عبر عنها الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس الذي صرح قائلاً إن بالإمكان، -كما يجب- في المرحلة الراهنة العمل على دفع العملية السياسية، بموجب الخطة المقترحة في المبادرة العربية السعودية، مع إجراء بعض التعديلات اللازمة.
أضاف أنه لا بد من توجيه رسالة عشية عقد القمة العربية في الرياض، بأن نية إسرائيل تتجه نحو السلام مع الدول العربية المجاورة، وإضافة أنه ينبغي على دول المنطقة العمل معًا لدرس الأخطار المحدقة بها، وبالإستقرار في المنطقة، وتهديد السلام العالمي من جانب التنظيمات quot;الإرهابيةquot; والمحور المتطرف بقيادة إيران، كما أنه لا بد من تضافر الجهود لعزل العناصر quot;الإرهابيةquot; والمعارضة للعملية السلمية والإتجاه السلمي.
يأتي هذا فيما قالت مصادر سياسية إسرائيلية صباح اليوم الخميس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يتوقع أن يتم التخلي عن حق العودة خلال القمة بما يسمح بتقبل المبادرة العربية من قبل إسرائيل.

قلق إسرائيلي
يأتي هذا، فيما تعيش الحكومة الإسرائيلية حالة غير مسبوقة من الإرباك نتيجة تشقق الموقف الأوروبي حيال حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ويراهن الفلسطينيون من ناحيتهم، على قدرة القمة العربية على رفع الحصار عن السلطة من خلال موقف عربي موحد داعم لهذه المساعي، وهذا ما أعلنه أمس ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية، والذي دعا إلى تشكيل لجنة من الدول العربية تتابع الملف الفلسطيني مع العالم. كما لوح وزير الخارجية الفلسطيني د.زياد أبو عمرو لأهمية تبني القمة العربية موقفًا مكملاً لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تحاول كسر الحصار الدولي المفروض عليها.
ترحيب يرفع درجة الحرارة
يذكر أن بعض الدول الأوروبية رحبت بهذه الحكومة وعقد ممثلون عنها إجتماعات مع وزراء فلسطينيين في حكومة الوحدة، وبخاصة مع وزير الخارجية د.زياد أبو عمرو ووزير المالية سلام فياض الذي إلتقى مع القنصل الأميركي في القدس قبل يومين.
وعلى الرغم من تأكيد مصادر في واشنطن أن اللقاء الذي حصل بين القنصل الأمريكي في القدس وبين وزير المالية الفلسطيني سلام فياض يتماشى مع السياسة الأميركية. فإن القلق في إسرائيل يتزايد، فمبعوث الإتحاد الأوروبي للمنطقة مارك أوتي قد إجتمع أمس في غزة مع وزير الخارجية الفلسطيني زياد أبو عمرو، دون الإدلاء بأي تفاصيل حول هذا اللقاء.
كما وجهت وزيرة خارجية النمسا أمس دعوة إلى الوزير عمرو، لزيارة فينا. وقالت الوزيرة النمساوية في بيان أصدرته، إن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية يعد فرصة جديدة في المنطقة، لتطبيع العلاقات بين السلطة الفلسطينية والأسرة الدولية.
كما توجه نائب رئيس الوزراء الفلسطيني عزام الأحمد أيضًا إلى ألمانيا للقاء عدد من المسؤولين الألمان. ويشار إلى أن الأحمد قد يزور دولاً أوروبية أخرى ضمن إطار المساعي التي تبذلها السلطة الفلسطينية لكسب الدعم الدولي للحكومة الجديدة.
من الذي يخاف المبادرة السعودية؟
في غضون ذلك، قال الصحافي الإسرائيلي غاي معيان في مقال له اليوم السبت نشر في صحيفة quot;معاريفquot; تحت عنوان quot;من الذي يخاف المبادرة السعوديةquot;، ويرى معيان أن المبادرة السعودية هي دعوة، بل صرخة من الجهات المعتدلة في الشرق الأوسط لإسرائيل.
ويقول الصحافي إن رفض المبادرة سيقوي الإرهاب وإيران في مرة ما سادت عندنا مقالة الكتاب المقدس quot;شعبًا وحيدًا يسكنquot;. صُورت إسرائيل كدولة معزولة عن جاراتها، كتلك التي تعمل وفق مصالحها المحددة، ولا تأخذ في حسابها محاولات أمم العالم والمنطقة أن تُملي عليها سياسة أخرى. لا يهم ماذا يقول الأمميون، المهم ما يفعله اليهود. نشأ على جملة دافيد بن غوريون هذه جيل كامل من الإسرائيليين المعتزين، الذين كانوا على ثقة بأن النظام الشمسي يدور حولهم.
ويقول الصحافي الإسرائيلي: quot;ترمي المبادرة السعودية الحالية قبل كل شيء إلى وقف الإخلال بالنظام الإقليمي. في واقع الأمر تقف السعودية اليوم وإمارات الخليج في جبهة مناضلة طهران والقاعدة. إن الأقليات الشيعية الكبيرة، وزيادة التطرف في الدوائر السنّية، ومقاومة التوجهات الليبرالية الآخذة في التقويم في أعقاب العولمة - كل ذلك يهدد الأنظمة المعتدلة في جنوب غرب آسيا. ولم نذكر بعد الآثار المهددة للإنسحاب الأميركي المتوقع من العراق.
في الساحة الإقليمية، يهدد الإيرانيون بالمس بغلبة محور القاهرة - الرياض. كان مصدر قوة مصر قوتها العسكرية ومكانتها الثقافية، اللتين جُعلتا مجدًا سياسيًا ومكّنتا لحينه من عقد معاهدة سلام مع إسرائيل. حصرت السعودية في يدها قوة اقتصادية عظيمة، أفضت إلى أن تسعى جميع الدول العربية، مثل جماعات إسلامية ومنظمات تحرير وطني أيضًا، إلى بابها،هذا ما يقوله الكاتب الإسرائيلي.
ويتابع قائلاً إن المبادرة السعودية دعوة، بل صرخة من قبل الجهات المعتدلة في المنطقة إلى إسرائيل. تطلب مصر ودول الخليج والأردن من القدس أن تعود إلى شغل دورها التاريخي في الشرق الأوسط كجهة توازن واستقرار. بل إنها في المدة الأخيرة تخلت عن طلب إعادة لاجئي 1948، لعلمها أن إلغاء طابع إسرائيل العبراني قد لا يفضي فقط إلى إنهيارها بل إلى المس الشديد بالإستقرار الإقليمي وبالنظم الموالية لأميركا.
الدول العربية تتابع المزاج الإسرائيلي
ويقول الصحافي الإسرائيلي معيان: quot;تتابع الدول العربية الأمزجة السياسية التي تسود إسرائيل. إنها تحلل تقارير إعلامية، ومواقع انترنت بل أدبًا وفنًا، كل ذلك في قصد إلى معرفة وتقدير التيارات العميقة عندنا. من الواضح لها أن رفض قبول زعم الفلسطينيين - ولو جزئيًا - في شأن عودة اللاجئين، هو إجماع صهيوني عريض. حتى إن غريزة الإنتحار الإسرائيلية ليست متطورة بقدر كافٍ لقبول مطلب داحض لا شبيه له في الماضي كهذاquot;.
ويقول الكاتب الإسرائيلي أيضًا: quot;إن الموافقة المبدئية على المبادرة السعودية لا تناقض الرفض الذي لا هوادة فيه لعودة اللاجئين. ونقول لمن نسي أن إجازة quot;خريطة الطريقquot; أيضًا، تمت مع الخضوع لتحفظات كثيرة، وهو شيء لم يعُق إسرائيل عن أن تحظى بأرباح دبلوماسية، وبحق، لاستعدادها التوصل إلى تسوية. هذا ما يجب أن يكون هذه المرة أيضًا. موافقة متحفظة، ومشروطة، لكن quot;نعمquot; في الخلاصةquot;.
ويختتم معيان مقاله بالقول: quot;على هذا النحو تستطيع إسرائيل أن تقف من وراء خطوطها الحمراء، وأن تحتفظ بأوراق مساومة لمراحل أكثر تقدمًا في التفاوض. تستطيع أن تُبين بلغة واضحة، أن الموافقة لا تناقض مكافحة الإرهاب، بل أن تطلب إشراك جهات تعمل في الإستقرار مثل تركيا والبنك الدولي، وأن تطلب بالطبع من الإدارة الأميركية ضمانات تتصل بشكل التسوية الدائمة وتطويرًا آخر للعلاقات بالولايات المتحدة. إن الموافقة مهما تكن مترددة متحفظة، ستساعد في مكافحة إيران أكثر من جميع التصريحات الدهماوية على إختلافهاquot;.