المملكة لا تستقبل المتنازعين قبل التوصل إلى إتفاق مبدئي

الحوار اللبناني في السعودية مستبعد

إيلي الحاج من بيروت: لا مؤشرات في لبنان إلى أن إقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري القاضي بتوجه طرفي النزاع إلى المملكة العربية السعودية للتحاور هناك والسعي إلى حلول للأزمة سوف يلقى طريقه إلى التطبيق. ويعود إستبعاد هذا الإحتمال أولاً إلى أن الإنتقال إلى السعودية يستلزم الإتفاق مبدئيًا على الحلول، وهو غير متوافر على الإطلاق. لا بل أن ثمة هوة من عدم الثقة بين جانبي الصراع. فالمعارضة التي يعبّر عنها هذه الأيام رئيس مجلس النواب نبيه بري تقول إن لديها ملاحظات على مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه لكنها لا تفصح عنها، ولا تزال تشترط الموافقة على تشكيل حكومة موسعة تنال فيها الأحزاب والقوى المتحالفة مع سوريا وإيران الثلث زائد واحد، ممّا يعطيها حق النقض على مشاريع الحكومة، للقبول بإحالة مشروع إنشاء المحكمة على مجلس النواب المقفل حتى الآن في وجه أعضائه بقرار من الرئيس بري.

وطبيعي أن القيادة السعودية لن تدعو الأطراف اللبنانييين إلى المملكة لكي تشهد على تصلبهم في نزاعات ومواقف لا مخارج لها .

وعندما زار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي- مون لبنان إثر انتهاء القمة العربية في الرياض أوضح له بري ردًا على سؤال أنه لن يقبل بإحالة مشروع إنشاء المحكمة على المناقشة البرلمانية ما لم يكن ممهورًا بتوقيع رئيس الجمهورية إميل لحود . وهذا شرط يعتبر تحقيقه في أوساط الحكومة من سابع المستحيلات نظرًا لسجن أربعة من كبار ضباط لحود الأمنيين للإشتباه في تورطهم في جريمة إغتيال الحريري. الأمر الذي فتح الطريق أمام إقرار إنشاء المحكمة في مجلس الأمن والتخلي عن إتفاق في شأنها مع السلطات اللبنانية.

ويؤكد أنصار الحكومة أن الأحزاب المتحالفة مع سوريا تريد تفريغ المحكمة الدولية من مضمونها بإدخال تعديل على تركيبتها تجعل غالبية القضاة فيها لبنانيين، أي أربعة في مقابل ثلاثة قضاة دوليين، في حين ينص نظامها الحالي المتفق عليه بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية على العكس. وبوجود ثلث معطل في الحكومة للمعارضة سيكون إختيار القضاة موضع أخذ ورد قد يستمر أشهرًا وربما يتعذر إلا إذا كانوا ينالون رضا القوى المؤيدة لسوريا.

وتعترف قوى الغالبية بمهارة بري التي دفعته إلى إقتراح الحوار في السعودية لإحراج قوى 14 آذار (مارس) ولا سيما رئيس كتلة quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري الذي تربطه علاقات وثيقة بالمملكة، وقد توجه إليها اليوم السبت في زيارة وصفها قريبون منه بأنها quot;عادية وعائليةquot;، مضيفين أن المملكة العربية السعودية مطلعة تمامًا على كل المواقف في موضوع المحكمة وكل ما يحوطها في لبنان وسوريا. وذكّروا أن الأمين العام للأمم المتحدة يؤيد أي مسعى تقوم به الرياض بين الأطراف اللبنانيين لإقرار المحكمة في المؤسسات الدستورية اللبنانية، لكن نجاح هذا المسعى يستلزم قرارًا لا تراجع عنه من المعارضة اللبنانية بالسير في الحلول وكشف الأوراق. وهذا إحتمال مشكوك في تحققه بإعتبار أن موضوع المحكمة شأن يتعلق مباشرة بسوريا التي يتعامل نظامها معه بسياسة التسويف لكسب الوقت ما أمكن مع تحقيق نقاط تقدم وقضم مواقع الخصم واحدًا تلو الآخر، وذلك على غرار ما تعامل الرئيس الراحل حافظ الأسد مع مشروع quot;اتفاق 17 أيار/مايوquot; بين الحكم اللبناني عام 1983 وإسرائيل ، رغم أن المضامين إختلفت كليًا، والظروف تغيرت كثيرًا.

في السياق يعلق النظام السوري وحلفاؤه في لبنان آمالاً على مرحلة ما بعد إنتهاء ولاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك ليخف الضغط الدولي عليهم في شأن المحكمة، لكن السفير الفرنسي في بيروت برنار إيمييه أشار خلال لقائه النائب الحريري قبل أيام إلى أن شيراك يسعى بكل ثقله إلى إقرار المحكمة في مجلس الأمن قبل مغادرته قصر الإليزيه، وإلا فإن الرئيس الفرنسي نيكولا المقبل ساركوزي سيتابع هذا الموضوع.

وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية في بيروت إن الرئيس شيراك قرر القيام بحملة دبلوماسية في إتجاه القيادة الروسية لضمان مرور ملف المحكمة في مجلس الأمن في أسرع وقت. وهو إتصل شخصيًا بالقيادة الروسية لضمان موافقتها على بت النظام الداخلي لهذه المحكمة وفق البند السادس ورفض إدخال أي تعديلات على المشروع بالصيغة التي تم الإتفاق عليها سابقًا بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، من دون إقراره عبر المؤسسات الدستورية. وتضيف أن شيراك أبلغ مسؤولين لبنانيين أنه سيطلبمن الجانب الروسي الإمتناع عن التصويت على الأقل في الجلسة التي ستقر المحكمة.

وربما بعد نزع هذا الملف الخلافي من التداول المحلي يسهل الإتفاق بين اللبنانيين ومن ورائهم، علمًا أن المقايضة ستكون على توسيع الحكومة مقابل الإتيان برئيس جديد للجمهورية خلفًا للحود في إنتخابات رئاسية مبكرة، وهي مقايضة لن تكون لمصلحة سوريا في الوقت الحالي لذلك يظل إحتمال المراوحة حتى الإستحقاق الدستوري للرئاسة الخريف المقبل هو الأرجح .