إيلاف من الرياض: شدد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، على أن ما قام به أفراد الخلايا السبعة المسلحون الذين تم الكشف عنهم أمس الجمعة من مبايعة زعيم لهم على السمع والطاعة وإعداد العدة والإستعداد البدني والمالي والتسليح هو خروج على ولي الأمر، وهو مطابق لفعل الخوارج الأوائل. وأكد بقوله على أن من خرج على إمام المسلمين، واستحل قتل المسلمين، فإنه خارجي، وإن صلى، وصام، وادعى ما ادعى.

وأكد المفتي العام في بيان أصدره اليوم أن السعودية تعيش في ظل ولاية عادلة، قد انعقدت لها البيعة، وصحت إمامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، على هذه البلاد وأهلها، ولزم الجميع السمع والطاعة بالمعروف، والبيعة ثابتة في عنق أهل البلاد السعودية كافة، لإجماع أهل الحل والعقد، على إمامته.

وبين آل الشيخ أن إمامة المسلمين تنعقد بأمور، منها أن يبايع أهل الحل والعقد الإمام، فإذا بايعوه، صحت إمامته، ووجبت على سائر المسلمين طاعته، ولزمتهم بيعته. واعتبر آل الشيخ في بيانه على أن أخطر جرائم هذه الفئة أنها تكفر المسلمين وتستحل دماءهم.

وفي ما يلي نص البيان:


من عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ إلى عموم إخوانه المسلمين:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فإن الله عز وجل قد أمتن على عباده بمنن عظيمة وآلاء جسيمة وأعظم نعم الله - عز وجل - على المسلمين أن هداهم لدين الإسلام وبعث فيهم نبيه محمدا - عليه الصلاة والسلام - ، يقول الله عز وجل quot;لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبينquot;.

وأنعم الله علينا بأن أخرجنا من ضلال الجاهلية وظلامها إلى نور الإسلام وعدله فإن في الجاهلية كانوا يعيشون في ضلالات، جاء الإسلام بكشفها وبيانها فمن أمور الجاهلية التي نبه عليها الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في مسائل الجاهلية قال:

الثانية أنهم متفرقون في دينهم كما قال تعالى (كل حزب بما لديهم فرحون) وكذلك في دنياهم ويرون ذلك هو الصواب فأتى بالاجتماع في الدين بقوله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) ، وقال تعالى (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ونهانا عن مشابهتهم بقوله (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيانات) ، ونهانا عن التفريق في الدين بقوله (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) .

الثالثة أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة ، والسمع والطاعة ذل ومهانة ، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة ، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد .

هذا وإن البيان الصادر يوم الجمعة 10 / 4 / 1428هـ عن وزارة الداخلية حول تمكن قوات الأمن من القبض على خلايا إفسادية، إرتكبت أمورًا عظيمة هي من كبائر الذنوب ومن ضلالات المبتدعة التي شابهوا فيها أهل الجاهلية وأيضًا أعدوا العدة وعزموا على أمور أخرى، هي من كبائر الذنوب ـ عياذًا بالله من الضلال بعد الهدى ـ وإني إبراءً للذمة وخروجًا من العهدة وبيانًا للحق ونصيحة لله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم لأوضح هنا عدة أمور:

الأمر الأول أن ما قام به هؤلاء من مبايعة زعيم لهم على السمع والطاعة وإعداد العدة والاستعداد البدني والمالي والتسليح هذا كله خروج على ولي الأمر، وهو مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين نبغوا في عهد الصحابة رضي الله عنهم فقاتلهم الصحابة رضي الله عنهم، وأمروا بقتالهم، امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال عنهم: quot;يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم، فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامةquot; أخرجه الشيخان.

وفي بعض الروايات يقول صلى الله عليه وسلم quot;هم شر الخلق والخليقةquot; ، قال الإمام محمد بن الحسين الآجري - رحمه الله - quot;لم يختلف العلماء قديمًا وحديثًا فيأن الخوارج قوم سوء، عصاة لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم، لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله عز وجل منهم، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم.

والخوارج هم الشٌّراة، الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج، يتوارثون هذا المذهب قديمًا وحديثًا، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمينquot; انتهى كلامه - رحمه الله - من كتابه (الشريعة).

ومنه يتضح خطورة هذا المذهب، وتحريم الإنتساب إليه، بل وجوب قتال أهله لما يترتب عليه من مفاسد دينية ودنيوية واختلال للأمن، وضياع لبلاد الإسلام، وإدخال الوهن على المسلمين وتسليط الأعداء عليهم. ومنه يعلم أن من خرج على إمام المسلمين، واستحل قتل المسلمين، فإنه خارجي، وإن صلى، وصام، وادعى ما ادعى.

ثانيًا من المعلوم في دين الإسلام، أن اتخاذ الإمام واجب على أهل الإسلام، يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، منها ما أخرجه الشيخان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: quot;إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله عز وجل، وعدل، كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره، كان عليه منهquot;. وعلى هذا جرى إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم من سائر المسلمين.

ثالثًا إن إمامة المسلمين تنعقد بأمور، منها أن يبايع أهل الحل والعقد الإمام، فإذا بايعوه، صحت إمامته، ووجبت على سائر المسلمين طاعته، ولزمتهم بيعته.
يقول عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - دعانا النبي صلى الله عليه وسلم - فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا quot;أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا، ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهانquot; أخرجه الشيخان.

وفي حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - إن النبي صلى الله عليه وسلم وعظهم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا... يا رسول الله، كأنها موعظة مودع، فأوصنا قال quot;أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالةquot; أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

وفي حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال quot;اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل حبشي، كأن رأسه زبيبةquot; أخرجه البخاري ومسلم.
يقول ابن رجب - رحمه الله - وأما السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعة ربهم، كما قال علي - رضي الله عنه ndash; quot;إن الناس لا يصلحهم إلا إمام بر أو فاجر، إن كان فاجراً عبد المؤمن فيه ربه، وحمل الفاجر فيها إلى أجلهquot; .

وقال الحسن في الأمراء quot;هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله ما يستقيم الدين إلا بهم، وإن جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون، مع أن والله إن طاعتهم لغيظ، وإن فرقتهم لكفرquot; انتهى كلام ابن رجب - رحمه الله - .

هذا وإنا - بحمد الله تعالى - نعيش في هذه البلاد السعودية المباركة، في ظل ولاية عادلة، قد انعقدت لها البيعة، وصحت إمامة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، على هذه البلاد وأهلها، ولزم الجميع السمع والطاعة بالمعروف، والبيعة ثابتة في عنق أهل البلاد السعودية كافة، لإجماع أهل الحل والعقد، على إمامته.

رابعاً أن من الكبائر العظيمة، والآثار الجسيمة، نقض البيعة، ومبايعة آخر، مع وجود الإمام وانعقاد البيعة له، وهذا خروج عن جماعة المسلمين، وهو محرم ومن كبائر الذنوب، يقول أبو هريرة - رضي الله عنه - .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم quot;من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليةquot; أخرجه مسلم. وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال quot;من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهليةquot; أخرجه البخاري ومسلم.

وفي حديث عامر بن ربيعة - رضي الله عنه ndash; قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: quot;من مات وليست عليه طاعة، مات ميتة جاهلية، فإن خلعها من بعد عقدها في عنقه، لقي الله تبارك وتعالى وليست له حجةquot; أخرجه الإمام أحمد.
ولمسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما ndash; قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: quot;من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة، لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليةquot; .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : quot;من أتاكم، وأمركم جميعًا على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه، كائنًا من كانquot; أجره مسلم. وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى كثيرة.

قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لسويد بن غفلة: quot;لعلك أن تخلف بعدي، فأطع الإمام، وإن كان عبدًا حبشيًا وإن ضربك، فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن دعاك إلى أمر منقصة في دنياك، فقل: سمع وطاعة، دمي دون دينيquot; أخرجه مسلم. وعلى هذا سار السلف - رضي الله عنهم - كلهم يوجب السمع والطاعة لإمام المسلمين، ويحرم الخروج عن جماعة المسلمين.

خامسًا مما ظهر في البيان، استعداد هؤلاء بالسلاح، وتخطيطهم، للخروج على المسلمين، بذلك السلاح، ومعلوم أن حمل السلاح على أهل الإسلام من كبائر الذنوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم quot;من حمل علينا السلاح فليس مناquot; أخرجه الشيخان.

والخروج على المسلمين، وقتالهم، وسفك دمائهم، داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم quot;ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منهquot; أخرجه مسلم.

سادسًا ومما ظهر في البيان، تخطيطهم لقتل شخصيات عامة في البلاد، وهذا من قتل المسلم بغير حق، والله تعالى يقول (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا).

سابعًا ومما ظهر أيضًا تخطيطهم، لإحداث فوضى في البلاد، وتدمير الممتلكات، وهذا من الإفساد في الأرض الذي قال الله عنه (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) .

ثامنًا ومما ظهر أيضًا من البيان، أن هذه الفئة تكفر المسلمين وتستحل دماءهم، وهذه من أخطر جرائمهم، وأشدها وطئة، ذلك أن تكفير المسلم ورد فيه وعيد شديد، يقول صلى الله عليه وسلم quot;إذا قال الرجل لأخيه... يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال، وإلا رجعت عليهquot; أخرجه الشيخان. ويقول صلى الله عليه وسلم quot;من رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتلهquot;.

تاسعًا التواطؤ مع الجهات الخارجية ضد بلاد الإسلام، وهذه مثلبة عظمى، ومنقصة كبرى، إذ فيها إدخال الوهن على بلاد الإٍسلام، وأهل الإٍسلام، وهذا كصنيع المنافقين مع اليهود، ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة، وكذلك تواطؤهم مع المشركين ضد أهل الإسلام، ومن كان في قلبه إيمان صحيح، فلا يمكن أن يتعاون على أهل الإسلام وبلاد الإٍسلام.

وبعد هذا التقرير، والبيان، أوجه النصيحة إلى من تأثر بهذا الفكر الدخيل الخبيث، فأقول لهم: quot;إتقوا الله في أنفسكم، وفي أمتكم، وفي بلاد المسلمين، إتقوا الله، فلا تقحموا أنفسكم في أنواع من كبائر الذنوب، واتقوا الله، فلا تفتحوا على بلاد الإسلام وأهل الإسلام أبوابًا من الشر تسلط الأعداء المتربصين، علينا، وتمكنهم من بلادنا.

وأنصح الجميع بالحرص على أمن البلاد، والجد في هذا الأمر، والتعاون مع الجهات المختصة، في الإبلاغ عن كل ما من شأنه زعزعة الأمن، فإن هذا من أوجب الواجبات، يقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .

حفظ الله بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سبحانه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء