أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: خلق تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي يتزعمه أسامة بن لادن، لنفسه، في السنوات الأخيرة، مسالك عدة لتصدير الإنتحاريين إلى العراق بهدف حسم quot;المعركةquot; التي يخوضها ضد القوات الأميركية والشرطة والجيش العراقيين. وسيطر هذا الهم على أتباع أسامة بن لادن في المغرب العربي، حيث سعوا إلى تحويل هذه المنطقة إلى حاضنات للإرهاب، في انتظار تحويل وجهة quot;قنابلها البشريةquot; نحو بلاد الرافدين بعدما حرصت على إخضاعهم لتدريبات عسكرية في معسكرات تابعة للجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي غيرت اسمهاإلى quot;تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;. ويعد خط مدينة الدار البيضاء المغربية ودمشق السورية من بين المحاور التي لجأ إليها الإرهابيون لتصدير الإنتحاريين إلى العراق، قبل أن تفتح أمامهم الأراضي السورية ثلاثة منافذ جديدة تسهل عليهم quot;بلوغ هدفهمquot;، تبدأ من طريق ربيعة، ومنها إلى البعاج مرورًا بتلعفر وبيجي والحويجة والضلوعية وكركوك وصولاً إلى بغداد. المسار الجديد الذي ابتكره صناع الموت، كشفته تحقيقات أجهزة الإستخبارات المغربية التي توصلت إلى إماطة اللثام عن تنسيق سري بين بعض مستقطبي المقاتلين في البيضاء، التابعين للقاعدة، ولعناصر الربط في دمشق.

ومن بين أخطر العناصر التي كلفها quot;شيوخ القاعدةquot; للقيام بهذا الدور في المغرب، سعد الحسيني، قائد الجناح العسكري لـ quot;الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلةquot;، الذي أفضت التحريات معه إلى اعترافه، حسب ما أكدته مصادر أمنية مطلعة ل quot;إيلافquot;، بإشرافه على إرسال 17 متطوعًا إلى بلاد الرافدين.

ولم يكن دور الحسيني، حسب ما جاء في محاضر الشرطة، يقتصر على الإستقطاب فقط، بل كلف أيضًا بالإشراف على التنسيق بين العناصر المشرفة على استقطاب المقاتلين في الدار البيضاء وعناصر الربط الموجودة في دمشق، والتي زودها بعدد من المرشحين للجهاد في هذه المنطقة المتوترة، في انتظار تنفيذ مشروعه بالتوجه هو أيضًا إلى العراق.

حنكة الحسيني وذكاؤه، مكناه من البقاء بعيدًا عن أنظار الأمن لأكثر من 4 سنوات، رغم أنه كان مبحوثًا عنه منذ اعتداءات 16 أيار (مايو) 2003 في الدار البيضاء، للاشتباه في صنعه المتفجرات التي استعملت في تفجير المواقع الخمسة التي استهدفها الإرهابيون.

غير أن مكر هذا المتهم الخطر، الذي يلقبه البعض quot;بمصطفى الكيماويquot;، لكونه حاصلا على الإجازة في الكيمياء من كلية العلوم، لم يثن الأجهزة الأمنية عن مواصلة اقتفاء أثره، قبل أن تتوصل إلى إيقافه، قبل شهرين في مقهى للإنترنت في سيدي معروف في الدار البيضاء.

وجاءت هذه العملية بعد حملة طالت شمال المغرب، حيث فكك الأمن شبكة، تتكون من أكثر من 40 شخصًا، اتهم أحمد السفري، سويدي من أصل مغربي، بتزعمها والتنسيق بين عناصرها.

غير أنه منأغرب الصدف أن يعود تداول اسم مدينة الدار البيضاء من جديد في تقارير أجهزة الإستخبارات، إذ أفادت مصادر أمنية جدية الإطلاع، لـ quot;إيلافquot;، أن سوريا سلمت المغرب ثلاثة من مواطنيه يشتبه في تجنيدهم للقتال في العراق.

وذكرت المصادر أن الأمن اقتاد الثلاثاء، الموقوفين من مطار محمد الخامس الدولي إلى مقر الأمن في البيضاء للتحقيق معهم، قبل أن يطلق سراح أحدهم بعد عدم توفر أدلة تدينه. وأكدت أن أحد المعتقلين أقر بأنه كان يسعى إلى الدخول إلى العراق بهدف نصرة المجاهدين في حربهم ضد القوات الأميركية.

خريطة جنسيات المقاتلين في العراق

ويقول محمد ضريف الخبير المغربي في شؤون الجماعات الإسلامية، إن المقاتلين الأجانب في العراق كثر، إلا أن نسبة المغاربة في صفوفهم تبقى قليلة، وأكد أن أكبر نسبة من الإنتحاريين تتحدر من منطقة الخليج.

وأشار الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، في تصريح خاص لـ quot;إيلافquot;، إلى أن الإنتحاريين الجزائريين على رأس قائمة المقاتلين المتحدرين من شمال إفريقيا، يليهم المغاربة، مضيفًا أن عددهم يبقى قليلاً بالمقارنة مع أولئك القادمين من منطقة الخليج، والذين يتراوح عددهم ما بين 3000 و5000، حسب ما أوردته تقارير الإستخبارات الأميركية.

وقال محمد ضريف إن مسألة استقطاب المغاربة تطرح مجموعة من التوضيحات، مشيرا إلى أن أغلب من يقاتلون في العراق يقيمون في أوروبا. وأكد الخبير المغربي أن هذه المجموعات لا يمكن أن تحسب على المغرب لأن أصولهم منه، مضيفًا أن أكبر عدد منهم يأتي من أوروبا ويمر عبر سوريا.

وأبرز ضريف أن مجموعة أخرى من هؤلاء المغاربة يقطنون في دول عربية وإسلامية، منها الأردن وإيرانquot;، مستبعدا quot;تصدير الإرهابيين من المغرب مباشرة إلى سورياquot;.

وذكر أن عمليات الاستقطاب لا تقتصر فقط على مدينة الدار البيضاء، التي كان يختبئ في أحد أحيائها سعد الحسيني، مشيرًا إلى أن تقارير الإستخبارات الأميركية تحدثت في البداية عن أن أكبر الاستقطابات جرت في تطوان (شمال المغرب).

وجاء التركيز على هذه المدينة، حيث يوضح الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، بعد أن أظهرت تحاليل الحمض النووي، التي أجريت لبعض الإنتحاريين، أنهم يتحدرون من المدينة المذكورة، مبرزًا أن أول عملية انتحارية تحمل بصمة مغربية في الفلوجة نفذها شاب يتحدر من مدينة سلا.

وخلص ضريف إلى التأكيد أن جميع المغاربة الذين يتسللون إلى العراق عبر سوريا يمرون عبر أوروبا لأنها quot;الطريق المؤمنة بالنسبة إليهمquot;. وتشير التقارير الأميركية إلى أن 21 شخصًا غادروا، مؤخرًا، تطوان للقتال في العراق سيرًا على نهج خمسة تطوانيين الذين فجروا انفسهم في ضاحية مدريد عندما حوصروا من الشرطة، وقد كان لهم دور أساسي في تفجيرات القطارات في العاصمة الإسبانية في آذار (مارس) 2004.

وتبقى التخوفات من احتمال تزايد حجم الخطر الإرهابي مع عودة المقاتلين في العراق إلى بلدانهم الأصلية، على غرار ما نتج من عودة المقاتلين الأفغان. ويشكل هؤلاء المقاتلين خطرًا كبيرًا على دولهم، أكثر من العرب الأفغان، لكونهم تدربوا على صنع متفجرات متطورة، إضافة إلى تمرسهم على خوض حرب الشوارع، وتنفيذ مخططات إرهابية داخل المدار الحضري.