على هيئة مؤتمر علني لا يحتاج إلى عدسات مكبرة
حجر ضخم تلقيه الاستخبارات السعودية في quot;الخريف النوفمبريquot;

سلطان القحطاني من جدة:
بعد أيام من توليه رئاسة جهاز الإستخبارات في المملكة العربية السعودية، إستدعى الأمير مقرن بن عبد العزيز واحدًا من أهم مسؤولي مؤسسته الحيوية سائلاً إياه سؤالاً بسيطًا، لكنه كان ذا مغزى: quot;كم يبلغ عدد ضيوفنا؟quot;، الأمر الذي أوقع المسؤول الشاب في حيرةآنية حول هوية أولئك الضيوف الذي يسأل عنهم عمّه ورئيسه وأميره.
ولم تمضِ سوى ثوان معدودة حتى فهم ذلك المسؤول الشاب، الذي لم يكن سوى مساعد رئيس الاستخبارات العامة ورجلها الثاني، الأمير عبد العزيز بن بندر بن عبد العزيز، ما كان يرمي إليه السائل الكبير فنطق بالإجابة دون انتظار: quot;لا يوجد لدينا سجناء سيدي... لا أحدquot;.
حينها قال الأمير مقرن، وهو طيار سابق في سلاح الجو سبق له إن قاتل الشيوعيين في اليمن الجنوبي عبر طائرته الحربية، أن الانفتاح على المجتمع quot;أمرٌ ضروري طالما أنه لا يوجد شيء يدعو إلى الخجلquot;، مشيرًا إلى أن دور هذا الجهاز ينصب في خانة quot;خدمة المواطنين لا تخويفهمquot;.
وكانت تلك المحادثة الثنائية بين الأميرين بمثابة الشرارة الأولى الباعثة على دعم خطوات الانفتاح من قبل هذا الجهاز الحساس من خلال تنظيمه مؤتمرًا ضخمًا هو الأول من نوعه منذ تأسيسه قبل أكثر من خمسين عامًا يتمحور حول تقنية المعلومات ودورها في الأمن الوطني.
ومن المقرر أن ينطلق المؤتمر الذي يحظى بترقب واسع في أوائل شهر تشرين الاول(نوفمبر) المقبل عبر حزمة من الأبحاث في مجالات متعددة تصب في خانة طموحات الرياض الرامية إلى إدخال جميع مؤسساتها في خانة العصر الرقمي، وخصوصًا جهاز الاستخبارات العامة الذي يحظى باهتمام رسمي كبير.
ويبدأ المؤتمر الدولي العام، الذي بوسع جميع المفكرين والباحثين السعوديين المشاركين فيه الحصول على جائزة مالية، في الثالث من شهر تشرين الاول المقبل لمدة ثلاثة أيام تحت رعاية عاهل البلاد الملك عبد الله بن عبد العزيز، في خطوة غير مسبوقة بكل المقاييس من قبل دولة مثل هذه المملكة النفطية التي تعتبر واحدة من دول العالم الثالث.
وعقد مساعد رئيس الاستخبارات العامة الأمير عبد العزيز بن بندر الأحد الماضي لقاءً موسعًا مع مجموعة من المثقفين ومندوبي وسائل الإعلام العالمية في مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر، بغية إعطاء فكرة أكثر وضوحًا عن المؤتمر الحدث الذي سيحظى رعاية مباشرة من قبل العاهل السعودي.
وتطرق الأمير المفوّه، الذي تحدث لساعات طويلة دون الاعتماد على الورق، إلى آليات المؤتمر القادمة وقاد حوارًا ذكيًا مع أكثر من 100 مثقف ورجل إعلام سعودي، في جلسة استمرت حتى ساعة متأخرة في ظل أجواء منفتحة وتنظيمية عالية المستوى.
ويقود الأمير مقرن الذي يحظى بمحبة كبيرة في صفوف أفراد أسرته ومواطني بلاده، خطوات انفتاح يمكن أن توصف بأنه quot;ثوريةquot; في هذا الجهاز الحساس الذي أمضى خمسين عامًا من عمره وهو يُعرف ولا يُرى، مما سبب علاقة ملتبسة بينه وبين العامة الذي كانوا يتصورون أنه جهاز قمعي سيئ السمعة.
وتشير مصادر غير رسمية إلى أن خطوات الانفتاح هذه ليس لها حد، بل ستعقبها خطوات أخرى أكثر جرأة تتمثل في وضع لوحات على مباني هذا الجهاز للمرة الأولى منذ تأسيسه، وإنشاء موقع إلكتروني خاص به على غرار ما فعله الاستخباراتيون الكبار مثل بريطانيا وأميركا.
وتعتبر السعودية واحدة من البلدان النادرة في المنطقة الشرق أوسطية من العالم التي يُعرف رئيس جهاز استخباراتها، ويعين بأمر ملكي مُعلن يتم نشره في كافة الصحف الرسمية، وحين يُعفى فإن ذلك يتم بالطريقة العلنية ذاتها، في وقت لا تزال فيه بلدان أخرى تصر على سياسة التحفظ في هذا الخصوص.
وليس من المتوقع أن يفرج هذا الجهاز العالم بالكثير من الخبايا عن وثائقه الخاصة بعد مرور عقود عليها كما تفعل الأجهزة الغربية وذلك بسبب quot;وجود العديد من الملفات في المنطقة العربية التي ربما يمتد تاريخها لأكثر من 70 عامًا دون أن يختفي تأثيرهاquot; حسب ما يقوله محللون سياسيون.
وبدأ جهاز الاستخبارات في عهد الملك سعود، الخليفة الأول لمؤسس البلاد، وذلك في مكتب تقتسمه مع جهاز المباحث العامة حتى تم فصله عنها بعد عام واحد في الخمسينات من القرن الفائت لتكون جهازًا مستقلاً. ولديه مئات المكاتب المنتشرة حول العالم.
وبينما ينتظر المهتمون المؤتمر المهم فإن خطوة أخرى لا تقل ثورية عن سابقتها تتمثل في إنشاء فرع تجاري داخل هذا الجهاز يتولى تقديم استشارات مجانية إلى المستثمرين كي يكون مسطرة ضبط للحركة الاقتصادية في المملكة.
ومن المنتظر أن تنطلق حملة إعلامية لهذا المؤتمر الضخم، الذي يشرف عليه أمير شاب أتم تعليمه في الغرب ويحظى بثقة كبيرة في الداخل، على شاشات التلفزة المحلية والعربية، في سابقة هي الأولى من نوعها أن يُظهر جهاز استخبارات رأسه من كامل الباب لا من منتصف النافذة.