حجم التجاوب مع الدعوة يذكر بالرابع عشر من آذار 2005
الموالاة تحشد قواها في ذكرى إغتيال رفيق الحريري الثالثة

صورة للحريري ووالده في احد شوارع بيروت
بلال خبيز من بيروت: تتسارع التحضيرات لدى قوى الرابع عشر من آذار (مارس) من أجل حشد أوسع مشاركة شعبية في ذكرى إغتيال الرئيس رفيق الحريري الثالثة. ويشير المراقبون إلى أن حجم التجاوب مع الدعوة يؤشر إلى إحتمال تأمين حشد يوازي ذلك الحشد الذي شهدته ساحة الشهداء في الرابع عشر من آذار ndash; مارس من العام 2005. والذي منه أخذت ثورة الأرز إسمها المتداول اليوم. الأسباب التي تدعو إلى الإعتقاد بأن المشاركة الشعبية ستكون كثيفة تقنية في معظمها. فالداعون يستطيعون تقدير حجم المشاركة إستنادًا إلى حجم الإستجابات للجولات الميدانية التي يقوم بها قياديو 14 آذار (مارس). لكن الأسباب السياسية التي تدعو إلى الإعتقاد بأن الحشد لن يكون على ما كان عليه في ربيع العام 2005 كمًا ونوعًا كثيرة ومتنوعة.

أول الأسباب يتصل إتصالاً مباشرًا بحجم السجال الذي طاول الرئيس الحريري. إذ إن السنوات الثلاث الماضية شجعت الكثير من قوى المعارضة على إستعادة موجة الإنتقادات الحادة لمشروع الحريري ولإرتباطاته الخارجية. فضلاً عن قوة مرور الزمن في اطفاء جذوة الحماسة. وثانيها يتصل بطبيعة الاستقطابات السياسية ndash; الطائفية الحادة التي تحف بأوضاع لبنان من كل جانب. وهذا يفترض ان هامشًا من حشد 2005 بات اليوم يشعر ان الساحة لا تتسع له أو لأحلامه وطموحاته. وان الحلم ببلد ديمقراطي حر مستقل اصبح اليوم أبعد منالاً مما كان عليه من قبل.

ثالث الأسباب متعلق تعلقًا مباشرًا بالتحولات التي اصابت جمهور اللبنانيين المعارضين والموالين في هذا السياق. فجمهور العام 2005 كان جمهورًا يرفض الحرب في غالبيته ويرفع شعارات حب الحياة. في وقت يبدو الجمهور اليوم، وبعد سنوات ثلاث من التعطيل المبرمج الذي مارسه حلفاء سوريا في لبنان، جمهورًا راغبًا في الحرب ومستعدًا لها. وبين الجمهورين ثمة فارق كبير في الكم والنوع.

رابع الأسباب يتعلق بالوضع المحيط بلبنان. حيث بدا ان الرافعة الدولية التي حسمت في خروج الجيش السوري من لبنان في ربيع العام 2005، ومنعت عن النظام السوري اي جائزة ترضية في لبنان وعملت على محاصرته والتشديد من عزلته باتت اليوم تعترف اعترافاً لا لبس فيه بقوة النفوذ السوري في لبنان. مما يعني ان الحشد اليوم هو حشد يهدف إلى الصمود في مواجهة هجوم شرس، في حين ان الحشد منذ ثلاثة اعوام كان يهدف إلى الانتصار في لحظة هجوم لبنانية ودولية نادرة.

خامس الأسباب يتصل بكل سلاح الحشد في لبنان. فبعدما أثبت كل طرف من الطرفين المتنازعين قدرته على الحشد بما يتجاوز منطق السياسة والعمل السياسي في لبنان طوال الأعوام الثلاثة، لم يعد ثمة في الحشد ما يغري احدًا. بل إن قمة الحشود بلغت ذروتها سابقًا، ولم تعد تستطيع تجاوز الأرقام التي وصلت إليها من قبل.

هذا كله لا يمنع من تسجيل نقطتين لا بد من تسجيلهما. الاولى ان فريق 14 آذار ndash; مارس ربح بالنقاط على فريق 8 آذار ndash; مارس في نقطة بالغة الأهمية في المقبل من يوميات الحياة السياسية في لبنان. إذ نجح هذا الفريق في احتكار المكان العام في العاصمة بيروت وفي مدن لبنان الاساسية. وجعل من الاعتصام المعارض الذي بدأ شعبيًا وحاشدًا في وسط بيروت اعتصامًا امنيًا يشبه اكثر ما يشبه احتلال املاك غيرهم.

من جهة اخرى، أدت الاستفزازات والردود عليها من الفريقين، واستسهال الشغب لدى فريق 8 آذار ndash; مارس إلى جعل هذا الفريق ممنوعًا سياسيًا من استعمال الشارع، خصوصًا بعد ما جرى في احداث الأحد الدامي في منطقة مار مخايل في ضاحية بيروت الجنوبية، وما سبقه من احداث في منطقة الجامعة العربية من بيروت، في العام الذي سبقه، مما جعل اي حشد تقوده المعارضة في الشارع يعني خطرًا مدلهمًا لا قبل للبلد بتجنب مترتباته الخطيرة. وبهذا المعنى بات الحراك الشعبي المعارض امام حائط الحرب الاهلية تمامًا بعدما استنزف كل فرصه على نحو لا رجعة فيه. فيما تحاول الموالاة بهذا الحشد، حتى لو كان اصغر حجمًا من الحشود السابقة، تثبيت مدن لبنان الكبرى بوصفها جزءًا من الملكية السياسية للفريق الموالي، وفي هذا التثبيت ما يؤكد ان هذا الفريق محكوم بأن يبقى حاكمًا في لبنان، مهما هزلت موارده، وان الفريق الآخر محكوم بأن يبقى معارضًا مهما عظمت قوته وازدادت موارده. ذلك ان البلاد، اي بلاد لا تتحلق حول ريفها وقراها البعيدة، بل حول مدنها الكبرى، وهي ما تم حسم ملكيتها السياسية لصالح الفريق الموالي.