كامل الشيرازي من الجزائر:

تتذكر الجزائر نحو24 ألف شخص من ضحاياها في أول تفجير نووي فرنسي قبل نصف قرن، حيث أقدمت فرنسا بتاريخ 13 فيفري/شباط 1960 على تفجير أولى قنابلها النووية ببلدة الحمودية في صحراء رقان الجزائرية (1600 كلم جنوب العاصمة) ووصلت طاقتها التفجيرية إلى حدود 70 كيلوطناً، في مأساة أطلق عليها مختصون quot;اليربوع الأزرقquot;، ويشدّد خبراء على أنّ تجربة 13 فبراير 1960 كارثة نووية بكل المقاييس، إذ فاقت قوتها التفجيرية سبعة أضعاف ما خلفته قنبلتي هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، بدليل أن ثماني تجارب بمجموع قوة وصلت 234 كيلوطن من المتفجرات، خلال فترة هبوب الرياح الرملية بالصحراء، وهـو ما تؤكده بيانات تاريخية محفوظة.

ويطالب آلاف الضحايا وسكان المنطقة بمعرفة حقيقة ما جرى وتقديم فرنسا لاعتذار رسمي وكذا تعويضات، بعد إصابة هؤلاء بآثار اشعاعية إثر 17 تفجيرا نوويا نفذتها فرنسا بين فيفري/شباط 1960 ونوفمبر/تشرين الثاني 1966، كما دعت جمعية 13 فبراير 1960 التي تمثل الآلاف من ضحايا التفجيرات، بفتح الملف مجدداً، وquot;إرغامquot; باريس على كشف الحقيقة كل الحقيقة حول التفجيرات الـ17 وآثارها على الإنسان والبيئة والحيوان، سيما أن 42 ألف جزائريا استخدمتهم فرنسا كـ quot; فئران تجاربquot;، وأصيبوا بإشعاعات أو تضرروا من هذه التفجيرات النووية.

وقالت الجمعية في بيان لها حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، إنّ فرنسا الاستعمارية سعيا منها للانضمام للنادي النووي، استخدمت أبناء المنطقة رجالا ونساء وبعض الأسرى والمجاهدين وعناصر من اللفيف الأجنبي وحيوانات وحشرات وطيورا وبذور نباتات مختلفة، كحقول تجارب وتم ربط وصلب الضحايا لساعات مبكرة قبل كل عملية تفجير خاصة منها السطحية، وقبل وإثر كل جريمة يتم إحصاء القرى والضحايا، كما كان اختيار فترة أغلب التفجيرات غير سليم لاعتبارات تتعلق بالمناخ في المنطقة، أما النتائج فكانت وماتزال وخيمة بحسب الباحثين والسكان؛ على غرار ما أفرزته من أمراض السرطان والجلد والعيون والتشوهات الخلقية المستفحلة.

ويذكر شهود عيان لا زالوا أحياء، أنّه منذ أول تفجير نووي لم يروا خيرا، حيث تفاقمت الوفيات دون أعراض مرضيـة معروفة، بجانب كثرة الحساسية الجلدية عند السكان المحليين، بجانب فقدان البصر والسمع والأمراض التنفسية، وظهرت أعراض غريبة على المرضى، منها ظاهرة صعوبة تخثر الدم عند الجرحى، كما لوحظت حساسية مفرطة عند الأطفال بعد إجراء بعض التلقيحات، وغالبا ما تلاحظ مضاعفات عقب تلقي المرضى لجرعات أو حقن المضادات الحيوية، كما لوحظت ظاهرة التشوهات الخلقية لدى المواليد الجدد، كصغر حجم الجمجمة أو ما يصطلح عليه طبيا ''ميكرو سيفالي'' أو تضخمها ''ماكرو سيفالي''، كما انذهبت مظاهر الربيع، وتراجع عمر الإبل إلى أقل من 20 سنة، وحتى الأشجار اصيبت بالعقم.

والزائر اليوم لمنطقة رقان يقف على خطورة انتشار أمراض العيون وتراجع الولادات، وتوضّح أبحاث أنه ورغم مرور 47 سنة على أول تفجير نووي بالصحراء الجزائرية، إلاّ أن قطر المنطقة المحيطة، لا يزال مشعا بصفة حادة ما دفع السلطات لحظر الدخول إليها، كما أنّ المساحات التي استهدفها الإشعاع كانت شاسعة وأكبر من المتوقع ومتداخلة التأثيرات. والأخطر جدا، هو أن فرنسا لم تسلّم لحد الآن أي خرائط لمواقع التفجيرات، وكل ما أفلحت فيه هو تحطيم الطريق الموصل لقاعدة quot;الحموديةquot; وترك بعض الآليات عرضة لزحف الرمال الملوثة، فضلا عن فقدان بعض إشارات مواقع الخطر بفعل هبوب العواصف وزحف الرمال، في حين كشفت دراسات أنّ تجربة مونيك (27 فيفري/شباط 1965) التي أجريت بجبل إينكر كانت الأقوى (127 كليوطن) وأنّ خبراء يهود كانت لهم يد في عديد التفجيرات تبعا للتعاون النووي الفرنسي الاسرائيلي.

ويؤكد البروفيسور عبد الكاظم العبودي المختص في علوم الفيزياء، إنّ تلك التفجيرات النووية تعدّ quot;جرائم تتجاوز فضيحة المجازر ضد الإنسانيةquot;، وذكر العبودي الذي اشتغل على الملف لسنوات طويلة، إنّ فرنسا حاولت من وراء تجاربها، تجسيد مشروعها النووي العسكري من خلال اختيار بعض مستعمراتها في افريقيا والمحيط الهادئ وكذلك صحراء الجزائر لإجراء تجاربها، وأشار العبودي إلى جسامة الخسائر البيئية والمشاكل الصحية التي تعرض لها سكان هذه المناطق من جراء هذه الانفجارات، والتي لا تزال تبعاتها معايشة إلى غاية اليوم.

وتطالب جهات جزائرية كثيرة الطرف الفرنسي بفتح الأرشيف النووي، على ضوء ما تسبّبت به التفجيرات النووية المذكورة، في وقت تبقى فرنسا مصرة على تحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة التي تشكل تهديدا خطيرا للإنسان والبيئة في الجزائر، تماما مثل معضلة الألغام الفرنسية التي زرعتها فرنسا في الجزائر، حيث تسبّب 11 مليون لغم زرعها الجيش الفرنسي في الجزائر خلال ثورة التحررية (1954-1962)، في مقتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص، بينهم 7328 جزائريا خلال السنوات العشر الأخيرة، ناهيك عن تسببها في إعاقات وعاهات مستديمة لمئات الآخرين، وهي أرقام مخيفة برأي الخبراء، علما إنّ بيانات رسمية تؤكد إنّ ثلاثة ملايين لغم مضاد للأفراد، ما تزال مطمورة على طول الحدود الغربية والشرقية للجزائر شرقا وغربا بطول 1160 كلم، بعدما نجح جيشها في إتلاف ثمانية ملايين لغم خلال السنين الماضية.