عبد الخالق همدرد من إسلام أباد: أخيرا جاءت الانتخابات التي طال انتظارها. ولعل هي الانتخابات الأكثر جدلا في تاريخ باكستان وتاريخ العمل الديموقراطي فيها إذ كانت على نمط آخر يختلف عن الأساليب الديموقراطية في العالم. ويقال إن باكستان شهدت الانتخابات النزيهة بمعنى الكلمة مرة واحدة في 7 ديسمبر 1970م حيث برزت الرابطة الشعبية كأكبر حزب في باكستان الشرقية ndash; بنعلاديش ndash; حيث كسبت 167 مقعدا من أصل 169 مقعدا للجمعية الوطنية من الشطر الشرقي لباكستان في حين برز حزب الشعب الباكستاني كأكبر حزب في البرلمان من الشطر الغربي بفوزه بـ 80 مقعدا من أصل 128 مقعدا للجمعية الوطنية؛ إلا أن تلك الانتخابات من سوء الحظ أدت إلى انقسام باكستان بسبب تعنت بعض الأحزاب حول دفع عجلة الديموقراطية إلى الأمام.
وانتهت العملية الانتخابية لهذه الانتخابات في منتصف البارحة بعد أن شهد المدن الباكستانية نشاطات سياسية هائلة على الرغم من مخاوف العمليات الانتحارية الإرهابية. وقد شاهد هذا المراسل خلال تجواله في مناطق مختلفة من العاصمة أن جميع الأحزاب سواء المقاطعة للانتخابات أو المشاركة فيها تقوم بمحاولات حثيثة لتوعية الشعب وإقناعه ببرنامجه الانتخابي.
وفي معظم المناطق كانت اجتماعات حزبية يحضرها المرشحون أنفسهم أو ممثلوهم. والناخبون يتجولون في الطرق والشوارع سربا سربا يرفعون هتافات حزبية. وكانت العاصمة مزدانة باللافتات الكبيرة وصور المرشحين وأعلام الأحزاب من أولها إلى آخرها. وبدت كأنها أخذت أهبتها للمشاركة في معركة حاسمة.
ومن الجدير بالذكر أن عدد الناخبين المسجلين في باكستان حسب إحصائيات هذا العام 81.03 مليون ناخب. في حين تحتوي الجمعية الوطنية على 272 مقعدا والمجالس الإقليمية على 577 مقعدا. والشعب سيصوت للجمعية الوطنية والمجالس الإقليمية غدا مرة واحدة. أما مجلس الشيوخ الباكستاني فهو يتكون من ممثلين يُختارون من الأقاليم الأربعة في انتخابات غير مباشرة. وليس له علاقة بالانتخابات العامة في البلاد.
وهنا نفيد القراء بأن بلوشستان أكبر إقليم باكستاني مساحة حيث يساوي أكثر من ثلث الأراضي الباكستانية إلا أنها أصغرها سكانا. وفي حين يمثل البنجاب 148 ممثلا في الجمعية الوطنية لا يمثل بلوشستان إلا 14 نائبا؛ لأن عدد الناخبين المسجلين في البنجاب 44.6 مليون ناخب وعددهم في بلوشستان ليس سوى 4.3 مليون ناخب. وكل مواطن باكستاني يبلغ 18 سنة من العمر ولديه بطاقة هوية يستطيع تسجيل نفسه للتصويت في الانتخابات.
هذا وانتهت الحملة الانتخابية بكارثة في منطقة بارا شينار البارحة حيث راح أكثر من 47 ضحية انفجار سيارة ملغومة قرب تجمع لأنصار حزب الشعب الباكستاني وتجاوز عدد المصابين فيه 110 جريحا حالة 50 منهم خطرة حسب أطباء استقبلوهم في مستشفى هناك.
والجدير بالذكر أن منطقة باراشينار تبعد عن بيشاور عاصمة إقليم الحدود الشمالية الغربية بـ 250 كيلو مترا غربا. وقد شهدت أسوأ أنواع الاشتباكات الطائفية بين الشيعة والسنة خلال العام الماضي وقد أودت بحياة أكثر من 600 شخص.
على صعيد آخر أرجأت الحكومة الانتخابات في بعض الدوائر في منطقة وزيرستان المضطربة جراء أسباب أمنية في حين أعلنت إجراءها في موعدها في منطقة سوات التي لم تنته فيها العملية العسكرية بدأت ضد المسلحين أوائل شهر نوفمبر من العام الماضي.
وقد أفاد بيان للمركز الإعلامي الرسمي بسوات بأن 75 مسلحا استسلموا أمام القوات الأمنية في منطقة كانجو التابعة لمديرية سوات. وقد بدأ المسلحون عملية الاستسلام وإلقاء السلاح منذ 24 يناير المنصرم. وبلغ عددهم إلى 175 مسلحا إلى غاية الساعة.
وفي السياق نفسه أكد السناتور مشاهد حسين سيد الأمين العام لحزب الرابطة الحزب الحاكم السابق أن البلاد تشهد مراقبة مكثفة للانتخابات هذه المرة في تاريخها. وبذلك لن تثار قضية المخالفات حولها. وقد ذكر للصحفيين بعد لقاء له مع وفد للبرلمان الأوروبي أن المراقبين الدوليين سيراقبون الانتخابات. ويجب أن تتأكد الأحزاب السياسية أنه لن يكون أي تزوير.
وأضاف أنه ينبغي إطلاق سراح قاضي القضاة المعزول شودري افتخار محمد وتطبيق قانون الأحزاب في المناطق القبلية التي تديرها العاصمة الفدرالية مباشرة داعيا إلى وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب.
إلى ذلك وقد أبدى عشرون مراقبا دوليا اطمئنانهم على الإجراءات التي اتخذتها مفوضية الانتخابات الباكستانية في سبيل نزاهة الانتخابات مشيرين إلى أنه ليس هناك أي احتمال لتزوير الانتخابات على نطاق واسع؛ بيد أن نسبة المشاركة فيها ستبقى منخفضة.
وقد أكدوا خلال مؤتمر صحفي بأنهم طالبوا بحل الحكومات المحلية على الأقل قبل 50 يوما من الانتخابات إلا أن الحكومة لم تصغ إليها. كما أنهم أبدوا تحفظهم حول حرية الإعلام أثناء العملية الانتخابية.
من جهة أخرى أوصت هيئة تنظيم الإعلام الإليكتروني (بيمرا) الإعلام بعدم تغطية النشاطات الانتخابية للأحزاب ومرشحيها خلال الـ 36 ساعة اعتبارا من منتصف ليلة السبت. وذلك يعني عدم تغطية تلك النشاطات إلى الساعة الثانية عشر ظهرا من يوم غد الاثنين.
كما أن بيان الهيئة طلب إلى الإعلام عدم نشر أي نتيجة للانتخابات دون توثيقها من جانب المفوضية الانتخابية. أضف إلى ذلك أن البيان المذكور أعلاه فرض حظرا على نشر النتائج نقلا عن أي مصدر سوى مسؤولي مراكز الاقتراع ومسؤولي الانتخابات والمفوضية الانتخابية بشكل نهائي.
أما بالنسبة للإجراءات الأمنية خلال العملية الانتخابية فقد قامت الحكومة بنشر 81,000 عنصر من الجيش في أرجاء البلاد. وسيكون الجيش في حالة أهبة قصوى لضبط الوضع إذا احتاجت الإدارة المدنية إلى مساعدتها.
والآن وعندما انتهت الحملة الانتخابية كليا، ينتظر الجميع الغد الذي سيمنح للشعب الباكستاني فرصة للإدلاء بصوته لصالح من يحب من المرشحين والأحزاب دون اعتبار لمن يفوز أو يخسر؛ لأن الناخب هنا تعود على منح صوته مع معرفته أن صوته لن يغير من الواقع شيئا.