عماد مغنية... الوجه والظل (1-3)
يوسف الشرقاوي يروي لـ quot;إيلافquot; بعضًامن الخفايا


أسامة العيسة من القدس: أعاد حادث إغتيال عماد مغنية، الذي إعتبر ضربة كبيرة تلقاها حزب الله، الإهتمام بسيرته، وتطوره الفكري، والحياتي، ونشاطه، حتى أصبح مطلوبًا لأكثر من أربعين دولة على رأسها إسرائيل وأميركا. وبسبب عمل مغنية، في بداية نشاطه مع الفصائل الفلسطينية، خصوصًا حركة فتح، فإن بعض كوادر هذه الحركة تمكنوا من نسج علاقات معه، ومن بينهم المحلل العسكري يوسف الشرقاوي، الذي تحدث لـ quot;إيلافquot; عن المرحلة التي عرف فيها مغنية خلال السنوات 1981-1992، في لبنان.

شاب استراتيجي

متى تعرفت على عماد مغنية؟
تعرفت عليه عام 1981، كان شابًا متدينًا ومتحمسًا، وكان عضوًا في حركة فتح.

*كيف اكتسب مغنية مكانته وسط المقاتلين؟
- ارتبط اسم عماد، في عمليتين مهمتين جدًا في حينها، وأشير هنا إلى عملية احمد قصير التي أسفرت عن تدمير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، وأهمية هذه العملية، أنها جاءت والمقاومة الفلسطينية كانت مهزومة بعد الاجتياح الإسرائيلي الواسع للبنان، وأيضًا ارتبط اسمه بتدمير دبابتين إسرائيليتين في منطقة خلدة، وشكلت هاتين العمليتين انعطافة مهمة في العمل المقاوم ومستقبله في لبنان.

*خلال هذه الفترة، هل كانت له علاقة بحركة فتح؟
-أستطيع القول إنه كان لديه خيطًا داخل فتح، ولكن ليس له علاقة تنظيمية، في تلك الفترة السلاح كان لدى فتح، وعماد كان شابًا ذو تطلع استراتيجي، يتطلع مع رفاقه مثل الشيخ راغب حرب، إلى السيطرة على منطقة النبطية، التي تشكل غناء لحزب الله ومخزونًا نضاليًا له، وخصوصًا بلدة جبشيت، ومن هذه المنطقة، انطلقت شرارة المقاومة التي بدأت بعصيان مدني.

*ما هو دور مغنية تحديدًا في هذا الأمر؟
-مغنية أحد تلامذة العلامة محمد حسين فضل الله، الأب الروحي لحزب الله، ومن خلال علاقته براغب حرب وعبد الكريم عبيد، كان يخطط للسيطرة على النبطية، لأنها نقطة الوصل ما بين القطاع الشرقي والقطاع الأوسط، في جنوب لبنان، وفي فترة لاحقة، عام 1989، عرفت كم كان لدى عماد عقلية استراتيجية، عندما بدأ يحاول وصل الضاحية الجنوبية مع صيدا، التي اعتقد أن فيها كانت مخازن أسلحة حزب الله، وكان عماد يريد نقطة ارتكاز في صيدا.

*ما هو الهدف من ذلك؟
-عماد ورفاقه كانوا يريدون التمركز في الجنوب، ويعملون خط تماس مع إسرائيل، وكان أمامهم لتحقيق ذلك، السيطرة على طريق يبدأ من بلدة العبرة، نحو إقليم التفاح فالنبطية، وهذا ليس طريق سير عاديًا، ولكنه قتاليٌّ، ينطلق من كفر حتى- كفر ملكي- جرجوع- عرب صليب، ثم يصل النبطية.

*هل كان يعبر عن أهدافه في اللقاءات التي جمعتكما معًا؟
-لم يكن يتحدث مباشرة في الموضوع، ولكن سلوكه على الأرض وممارسته العملية في الميدان تدل على ذلك.

*كيف ترى صفاته الشخصية؟
-كان عماد عصبيًا ومتحمسًا، ولكن في المعارك، يبدو عكس ذلك تمامًا، كان هادئًا، يتميز بتخطيط عسكري محكم.

*كيف حددت بان تخطيطه العسكري بأنه كان محكمًا؟
-عندما احتل الإسرائيليون جنوب لبنان، وجدت مقاومة ليست كبيرة ولكنها مقبولة، مثل طريق خلدة-صور، التي أسميت طريق هوشي منه، نسبة للزعيم الفيتنامي المعروف، لأن الإسرائيليين كانوا يتعرضون لضربات المقاومة فيها. ونحن نعلم بأن هدف الاحتلال الإسرائيلي كان منع صواريخ الكاتيوشا التي تنزل على المستعمرات الشمالية، بينما كان، عماد مغنية، يخزن الصواريخ في الجنوب ليضرب تلك المستعمرات.

*هل كان ذلك يتم بالتعاون مع الفلسطينيين؟
_نعم كان هناك تعاون بين ما تبقى من المقاتلين الفلسطينيين ومغنية ورفاقه، ولا بد من الإشارة هنا إلى انه كان له موقفًا ضد حصار المخيمات الفلسطينية من قبل حركة أمل.

فصل في مغدوشة

*ماذا تتذكر عنه بهذا الشان؟
-يمكن هنا الإشارة إلى معركة مغدوشة، وهي عبارة عن تلة عالية جدًا مطلة، على عين الحلوة، تمكنت قوات منظمة التحرير الفلسطينية، من احتلال هذه التلة من حركة أمل في عام 1986، ومغنية في تلك الفترة كان يتواجد في مغدوشة وزبدرايا، والهدف هو إيقاف القتال بيننا وبين حركة أمل، عن طريق نشر مقاتلي حزب الله كخط فصل بين أمل، والفلسطينيين، واذكر بهذا الشأن مواقف مغنية الإيجابية جدًا، وكذلك مواقف رفاقه مثل عبد الهادي حمادة، من قيادة حزب الله. لقد عرفت مغنية ورفاقه عن كثب في تلك الفترة، والتي سبقتها، وأدركت كم هم عقائديون، ولمست لديهم رفضًا لقيادة صبحي الطفيلي أمين عام حزب الله الأسبق، وإن كان هذا الرفض لم يعبر عنه علنًا.

*ما هي الخطوات الإيجابية التي اتخذها مغنية ورفاقه بشأن حصار المخيمات الفلسطينية من قبل حركة أمل؟
-مواقف مغنية ورفاقه كثيرة، منها مثلاً تأمين دخول مبعوثي القيادة الإيرانية لحل الأزمة وهما ستاري، وطبطابائي على مخيم الرشيدية المحاصر، وأيضًا كان لمغنية موقف ضد داود داود القيادي في حركة أمل الذي اتخذ موقفًا متشنجًا بشأن حصار مخيم الرشيدية وإسقاطه، وأيضًا من هيثم جمعة، وعقل حميه اللذين قادا حصار شاتيلا وبرج البراجنة، في بيروت.

*هل الموقف من هؤلاء كان فقط بسبب حصار المخيمات؟
-كان عماد يأخذ عليهم، ضمنهم أشخاص تعاونوا مع الإسرائيليين في الجنوب، والذين أطلق عليهم كتائب التوبة، والتحقوا بحركة أمل، وعمومًا فإنه رأى في حرب المخيمات، حربًا ظالمة على المخيمات الفلسطينية وغير مبررة ابدًا.

*ولكن الخلاف نشب لاحقًا بين مغنية ومقاتلي منظمة التحرير، كيف حدث هذا؟
-حدث ذلك في عام 1991، حيث وقعت معارك مؤسفة جدًا، كانت مهمة قوات منظمة التحرير، منع حزب الله من الوصول، إلى إقليم التفاح، بناء على تعليمات قيادة هذه المنظمة في تونس، التي استجابت لمطالب، قوى علمانية، داخل الحركة الوطنية اللبنانية، اتصلت بها، وحذرت من حزب الله، ونعتته بالطائفية، ورأت انه يشكل خطر على الحركة الوطنية اللبنانية التي اعتبرت أنها هي من بدأت المقاومة. وربما اشير إلى أن الخلاف مع حزب الله بدأ عندما اضطر جيش لحد إلى الإنسحاب من قرية بصليا في جنوب لبنان، التي تعتبر بوابة اقليم التفاح باتجاه جرجوع وعرب صاليم، والتدخل الفلسطيني ضد حزب الله لصالح امل، كان في احد اوجهه، لإثبات حضور منظمة التحرير في لبنان كعامل توازن بين الطوائف وفي داخل كل طائفة، وكان ذلك تمهيدًا للدخول في مفاوضات تسوية، بمعنى تقويه اوراق منظمة التحرير في اي مفاوضات مقبلة قبل مؤتمر مدريد.

*هل يمكن الكشف عن القوى اللبنانية التي تدخلت لدى عرفات ضد حزب الله؟
-يمكن الإشارة هنا مثلا إلى جورج حاوي، زعيم الحزب الشيوعي، ومحسن إبراهيم قيادي منظمة العمل الشيوعي، وكان للاثنين علاقات مميزة مع ياسر عرفات.

واندلعت المعركة

*هل استجبتم لقرار القيادة في تونس؟
- إلتقيت عماد مغنية الذي كان يقود مجموعات حزب الله، وفي تلك الأثناء، حدثت عملية للمقاومة الفلسطينية في القدس، وقال لي حينها: أتمنى أن تركزوا جهودكم وتعملوا عمليات مثلها، وتتركوننا في حالنا، انتم هدفكم القدس، ونحن أيضًا، وحركة أمل تريد أن تعمل حاجز بشري في وجهنا كي لا نصل إلى الحدود.

*وماذا كان موقفك؟
-نقلت هذا الكلام بأمانة إلى عرفات، ونبهته إلى خطورة مواجهة حزب الله، ولكن عرفات لم يقتنع، وإضافة إلى قوات المنظمة كانت حركة أمل المتحالفة مع السوريين (بقيادة عبد الحليم خدام) يقفون ضد حزب الله، وعندما وجد عماد مغنية أن جهوده لمنع المواجهة لم تفلح قال لي بمرارة: جربوا حظكم.

*واندلعت المعركة..
-نعم اندلعت المعركة في كفر ملكي بيننا وبين حزب الله، وسقط لنا خلال 3 ساعات 137 عنصرا، وبعد ثلاثة أيام انتهى هذا الأشكال بشكل مرير، لم يسقط أي موقع لحزب الله، من وادي الليمون، إلى القرّية، حتى كفر ملكي، وهو مفتاح جرجوع، عرب صليم، النبطية، وقاتل رجال الحزب تحت قيادة مغنية ببسالة، واحتراف.

*هل قابلت مغنية بعد المواجهة؟
-نعم بعد فترة من ذلك، لأنه كان لديه أسرى من أشبالنا، وعندما طلبت الإفراج عنه، لم يتردد وافرج عنهم فورًا، وقال لي: انتم اعتديتم علينا وهدفنا هو مواجهة إسرائيل وليس انتم.

*عن ماذا أسفرت المواجهة؟
-تمكن مغنية من السيطرة على كفر ملكي، واستطاع ورفاقه أن يكسروا شوكة أمل.

*ما هي مميزات مغنية كقائد عسكري؟
-هو يؤمن بروحية الفريق، أي ليس دكتاتورًا، طبعًا كان يقف على رأس الهرم ولكن لديه قيادة جماعية، وتمكن من نيل ثقة ضباط المواقع في الجنوب، لذا فإن أي أمر كان يصدره ينفذ فورًا.

*هل رأيته بعد المواجهة؟
-رأيته مرتين، في بلدة عبره، وكان حينها حريصًا جدًا على عدم الظهور، ومرة ثالثة التقيته في صور

*متى كان ذلك؟
-في عامي 1992 و1993.

*ماذا تقصد بأنه كان حريصًا على عدم الظهور؟
-كان مغنية ورفاقه يحضرون لتمركز قواعد لهم في الجنوب، ولذا كانوا يحيطون عملهم بالكتمان.

*ماذا دار في آخر حديث كان بينكما؟
-عندما رايته في صور في منطقة اسمها كفرا، كان الإسرائيليون يريدون أن يقطعوا الطريق باتجاه كفرا، وسط الثلوج، ومغنية هو من أعطى أمرًا بالصمود، لقواته، ولم يتمكن الإسرائيليون من المرور.

في الحلقة المقبلة:
هل تورط الجاسوس (ز) في قتل مغنية؟