أصدرها رجل الدين عبدالرحمن البراك
فتوى تكفّر كاتبين سعوديين وتصفهما بالمرتدين

*بن بجاد: هذه الفتوى خطرة وتدعو الناس للقتل وسفك الدم
*أبا الخيل: سأرفع قضية على البراك ولكن لا أعرف لمن أتوجه!!.
*الذايدي: فتاوى التكفير تستخدم لخنق الجدل الثقافي والاجتماعي

ممدوح المهيني من الرياض: أصدر رجل الدين السعودي عبدالرحمن البراك اليوم فتوى تكفر الكاتبين السعوديين عبدالله بن بجاد ويوسف أبا الخيل، وتصفهم بالمرتدين ،وتطالبهم بالتوبة عن آرائهما quot; الكفرية quot; التي تضمنتها مقالاتهما. وجاءت فتوى البراك، التي من المتوقع أن تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والثقافية السعودية،كرد على سؤال وجه له عن مقالين نشرا مؤخراً للكاتبين تضمنت quot;جملة من المخالفات الشرعية المصادمة لأحكام الشرع المطهرquot; ، كما جاء في سياق السؤال.

وقال البراك في فتواه حول مقال الكاتب بن بجاد بعنوان quot; إسلام النص وإسلام الصراع quot; ، ومقال الكاتب أبا الخيل quot; الآخر في ميزان الإسلام quot; ،ونشرتهما جريدة الرياض السعودية، بأن quot;من زعم أن من لا يكفر الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلا من حاربه، أو زعم أن شهادة لا آله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله ، والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفي كل دين غير الإسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود ولا النصارى وسائر المشركين ، فإنه يكون قد وقع في ناقض من نواقض الإسلام .فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تاب ورجع ، و إلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام ، فلا يغسل ، ولا يكفن ، ولا يصلى عليه، و لا يرثه المسلمون quot;.

وفي حديث مع quot;إيلافquot; قال الكاتب عبدالله بن بجاد ، المعروف بمحاربته الشديدة للأفكار الأصولية والمتطرفة ، بأن الذي يعرف تاريخ البراك جيداً يدرك مدى قربه من حركات العنف الديني مشيراً إلى علاقته القوية بناصر الفهد وعلي الخضير ، الموجودين في السجون السعودية بسبب ترويجهما للفكر التكفيري الذي كان الركيزة الأساسية الذي اعتمدها تنظيم القاعدة في السعودية. وقال بن بجاد إن الفتوى التي أصدرها البراك تعد أمراً خطراً وجريمة جنائية quot;لأن الردة عن الدين تعني دعوة علنية للناس للقتل وسفك الدم الشخص المعني بالردةquot; ويضيف :quot; هم دائماً ما يتنصلون من عدم تحديدهم لشخص معين ولكنهم في أعماقهم يتمنون لو يقوم أحد الأشخاص بتنفيذ تعاليمهم الصريحة الموجودة في الفتوىquot;.

وعن مقاله quot;إسلام النص وإسلام الصراعquot; الذي بسببه صدرت هذه الفتوى ، قال بن بجاد إنه استشهد بنصوص دينية صحيحة تؤكد أن quot;إسلام النص كان ميسوراً وبسيطاً على امتداد الزمان والمكان ، بعكس الطريقة التي تحول فيها بعد ذلك الدين العظيم إلى مجرد أداة صراع للأغراض لا علاقة لها بالإسلامquot;. ويضيف :quot; أنهم يقرأون النصوص الدينية قراءتهم الخاصة ويجعلون منها الحق المطلق ويلبسونه بعد ذلك رداء القداسة . وعندما تعلن رأيك يجعلونك ضد الإسلام ويصدرون بحقك الفتاوى التي تدعو بشكل صريح لسفك دمك ، كما يحدث معي الآنquot;.

وطالب بن بجاد بوقف هذه الفتاوى الخطرة، التي يمكن أن تخلق الفوضى معتبراً أن القضية تتجاوز قدراته كفرد ليس أمامه إلا النقاش والحوار ليعبر عن آرائه التي يؤمن بها. واستغرب بن بجاد عدم مساءلة مطلقي مثل هذه الفتاوى التكفيرية القاتلة مؤكداً ضرورة أن يتم الوقوف بوجههم ،ويضيف :quot; إذا كان استمر الوضع هكذا ستصبح فوضى كبيرة. أي شخص تختلف معه في الرأي سيصدر في حقك فتوى تدعو لقتلك وتنتظر فقط من يقوم بالتنفيذquot;.

من جهته ، قال الكاتب يوسف أبا الخيل، المتخصص في القضايا الفكرية الإسلامية ، لquot;إيلافquot; إنه يعتزم رفع قضية على البراك ولكنه لا يعرف على من يعرفها ولا لمن ويضيف :quot; سأرفع قضية . يجب أن أرفع قضية . من أعطى البراك الحق في أن يهدر دمي ودم الزميل عبدالله بن بجاد ويصفنا بquot;المرتدينquot;. هو ليس مفتياً وليس مرجعاً دينيا يمكن مقاضاته بشكل قانوني إذا ما أصدر كلاما من هذا النوع. سأرفع قضية لأسترد حقي المعنوي على الأقل. لقد تم تكفيرنا وصدرت بحقنا فتوى بردتنا ولكن من يحمي حقوقنا المعنويةquot;.

وقال أبا الخيل إن غالبية الاغتيالات التي حدثت في التاريخ كان تسبقها الفتاوى المحرضة على القتل ، مثل هذه الفتوى ويضيف:quot; نتذكر جميعا أن الفتوى هي من قتلت فرج فودة قبل أن يقوم شخص بتطبيقها على أرض الواقعquot;.

وأوضح أبا الخيل أن تبعات مثل هذه الفتوى خطرة جدا موضحاً أنها تتسبب بإشكالات كبيرة على مستوى شخصي قبل أن يتم القتل الذي يعد الخطوة الأخيرة ويضيف :quot; يتم تطليقك من زوجتك وثم يحرم أولادك من الميراث الذي تتركه وينزع عنك دينك وثم تقتل بعد ذلكquot;. من جهته ،قال الكاتب السعودي مشاري الذايدي إن هذه الفتوى التكفيرية هي دليل كبير على إفلاس وعجز التيار المتشدد عن الدخول في حوار واستبداله بهذه الفتاوى الدموية.

وأوضح الذايدي بأن فتاوى الردة والتكفير استخدمت على مدار التاريخ كسلاح لخنق الجدل الثقافي والاجتماعي موضحاً أن الجدل الذي دار في السنوات الأخيرة في السعودية دفع لإصدار مثل هذه الفتاوى بحق كتاب وفنانين وشخصيات عامة كانت توجهاتهم الفكرية تتعارض مع أفكار التيار المتشدد وهو ما دفعه ليستخدم هذه الفتاوى كسلاح فعال لقمعهم.

وقال الذايدي إن هذه الفتاوى حتى لو قيلبأساليب ملتوية في محاولة للتنصل من مسؤوليتها إلا أنها ترسل رسالة واضحة quot;لعامة الناس تقول لهم إن حكم الردة في الإسلام هو القتل وأن على أحدهم أن يفعل ذلكquot;.

ووصف الذايدي الطريقة التي تمت فيها صياغة السؤال الموجه للبراك بquot;حلب الفتوىquot; من أجل الوصول إلى نتيجة معينة يريدونها من خلال توجيه السؤال بطريقة ملتوية مشيراً إلى أن مثل هؤلاء الأشخاص يتعاملون مع الفتوى كquot;مدفعquot; يصوبونه على من يريدون أن يقصفوه ويقتلوهquot;. وقال الذايدي إن الفتاوى حتى لو كانت مضللة فهي مقبولة لأنها تدخل في سياق الجدل والحوار ويضيف :quot; ولكن فتوى البراك وغيرها التي تحرض على القتل بشكل صريح أمر لا دخل له في الحوار ،ولا يمكن السكوت عنه بهذه الطريقة. أطالب بوقفة حازمة لإنهاء مثل هذه الجرائم الجنائية التي تسمى فتاوىquot;.


هذا نص الفتوى :
فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن بن ناصر البراك سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد شاع في كثيرٍ من الكتابات الصحفية جملةٌ من المخالفات الشرعية المصادمة لأحكام الشرع المطهَّر. وفي الفترة الأخيرة تجاوزت تلك الكتابات إلى المساس بقاعدة الدين ومفاهيمه الكبرى. فقد نشر بجريدة الرياض عدد (14441) مقالةٌ بعنوان : (إسلام النص، وإسلام الصراع)، قرَّر كاتبها أن من التشويه والتحريف لكلمة (لاإله إلا الله) القول باقتضائها الكفر بالطاغوت ونفي سائر الديانات والتأويلات، أو أن معناها : (لامعبود بحقٍ إلا الله). ونشر بالجريدة نفسها في العدد (14419) مقالةٌ بعنوان : (الآخر في ميزان الإسلام) قرَّر كاتبها أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها. وزعم أن دين الإسلام ـ خلافاً لرأي المتشددين ـ لا يكفر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من الناجين.

وبرفق السؤال صورة من المقالتين المذكورتين. فما قولكم في ذلك حفظكم الله.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...

الحمدلله . فإن من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامةٌ للبشرية كلها ، بل للثقلين الجنِّ والإنسِ. فمن لم يقرَّ بعموم رسالته فما شهد أن محمداً رسول الله، مثل من يقول : إنه رسولٌ إلى العرب، أو إلى غير اليهود والنصارى. ومقتضى عموم رسالته أنه يجب على جميعِ البشر الإيمان به واتباعه. سواءٌ في ذلك الكتابيون اليهود والنصارى، أو الأميون وهم سائر الأمم. قال ـ تعالى ـ : (فإن حاجُّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنْ. وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم. فإن أسلموا فقد اهتدوا. وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد). وقال ـ تعالى ـ : (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً). وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصةً ، وبعثت إلى الناس عامةً). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عليه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة ؛ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ. ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار).
ومن هذا الأصل أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلا من حاربه) ، أو زعم (أن شهادة ألا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفيَ كلِّ دينٍ غير دين الإسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين) فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام. فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون. فنعوذُ بالله من الخذلان وعمى القلوب، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

وإن من المؤسف المخزي نشر مقالاتٍ تتضمن هذا النوع من الكفر في بعض صحف هذه البلاد المملكة العربية السعودية؛ بلاد الحرمين. فيجب على ولاة الأمور محاسبة هذه الصحف على نشر مثل هذا الباطل الذي يشوِّهُ سمعة هذه البلاد وصورتها الغالية. وليعلم الجميع أنه يشترك في إثم هذه المقالات الكفرية كل من له أثرٌ في نشرها وترويجها من خلال الصحف وغيرها ، كرؤساء التحرير فمن دونهم كلٌ بحسبه. فليتقوا الله وليقدروا مسؤوليتهم و مقامهم بين يدي الله. نسأل الله أن يهديَ الجميع إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وصلى الله على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أملاه عبدالرحمن بن ناصر البراك.