أسامة العيسة من بيت لحم: ودع آلاف من الفلسطينيين، محمد شحادة، القيادي البارز في الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، إلى مثواه الأخير، مع ثلاثة من رفاقه اغتيلوا أمس في عملية نوعية نفذتها وحدات من المستعربين الإسرائيليين. واسجيت الجثامين، ومن بينها جثمان شحادة، الذي ينظر إليه كبطل شعبي، في ساحة المهد بمدينة بيت لحم، بين كنيسة المهد، ومسجد عمر بن الخطاب، يحيط بها الجمهور الملتهب العواطف، ومع رفع الآذان من مسجد عمر، دقت أجراس الكنائس، ومن بينها كنيسة المهد، إحدى أهم واقدم الكنائس في العالم، تحية ووداعا لشحادة ورفاقه.

واغتيل شحادة بعد اكثر من 14 عاما من المطاردة لقوات الاحتلال، خلال عملية استخبارية إسرائيلية دقيقة، نفذتها مجموعات من وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي، على طريقة الأفلام الهوليودية، حيث اعترضت سيارتان مموهتان، سيارة شحادة ورفاقه، وتم إعدامهم بدم بارد. وسار آلاف من الفلسطينيين، في إحدى اكبر الجنائز التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، بضعة كيلو مترات، وسط الجبال والوديان، لمواراة الشهداء الثرى، في مقبرة مخصصة للشهداء.

ورفع المشيعون الأعلام الفلسطينية، واعلام حزب الله، وهتفوا مطالبين السلطة الفلسطينية بوقف المفاوضات مع إسرائيل والتعلم من حزب الله. وردد هؤلاء هتافا تقول كلماته quot;يا سلطة دخيل الله..تعلمي من حزب اللهquot; واخر يحث محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة للتعلم من حسن نصر الله زعيم حزب الله.

وكان شحادة أعلن عن تبنيه الفكر الشيعي، قبل عدة سنوات، وحذا حذوه العديد من رفاقه، وعرف بعلاقاته الجيدة مع مختلف أطياف العمل السياسي الفلسطيني، ومع رجال الدين المسيحيين الذين يكنون له احتراما خاصا. وتفاوتت ردود الفعل الفلسطينية والإسرائيلية على اغتيال شحادة، وتفاخرت السلطات الاسرائيلية بنجاح عملية اغتيال شحادة ورفاقه، وقالت مصادر إسرائيلية بان عملية الاغتيال تأتى في إطار ما أسمته الحرب على الإرهاب، أما في الجانب الفلسطيني، فسجلت ردود فعل غاضبة جدا سواء كانت رسمية أو شعبية.

واصدر حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقا)، بيانا استنكر فيه ما وصفه المجزرة الإسرائيلية بحق شحادة ورفاقه، ودعا للوقف الفوري لما اسماه quot;كافة أشكال التفاوض مع الاحتلال الإسرائيليquot;، والى توحيد الصف الفلسطيني، وتشكيل لجان المقاومة التي تضم كافة الفصائل الفلسطينية.

وعقب عيسى قراقع، النائب عن حركة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني على عملية الاغتيال قائلا بان quot;إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الأمم المتحدة التي تمارس الإعدام الميداني في الشوارعquot;.واضاف بان اغتيال الشهداء الأربعة يعتبر عملية إعدام خارج نطاق القانون والقضاء quot;وهذه جريمة حرب من الدرجة الأولى وإرهاب دولة رسمي ينتهك كافة العهود والمواثيق الدولية، ان إسرائيل هي الدولة الوحيدة العضو في الأمم المتحدة التي تستخدم الإعدام والقتل بديلاً للاعتقال، وهي دولة خارجة عن القانون وتتصرف دون رادع من أي جهة دولية أو قانونيةquot;.

وكشف قراقع أن حالات الإعدام الميداني خارج نطاق القانون وصلت إلى 200 حالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وأنها تتم بقرار رسمي حكومي وبغطاء قانوني بعد أن أعطت المحكمة العليا الإسرائيلية الضوء الأخضر لسياسة التصفيات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.

ولعبت ما تسمى الوحدات الخاصة أو وحدات الاغتيال الإسرائيلية التي تتنكر بزي مدني عربي الدور الأبرز في تنفيذ سياسة الإعدامات في الأراضي الفلسطينية، كما حدث في عملية اغتيال شحادة ورفاقه. وجرت عمليات الإعدام بحق فلسطينيين لم يبدوا أي مقاومة وكان بالإمكان إلقاء القبض عليهم، وكذلك جرت عمليات إعدام بحق فلسطينيين غير مسلحين وبحق جرحى ومصابين وبحق أسرى تم اعتقالهم.

وكانت الكنيست الإسرائيلية صادقت يوم 13/2/2008 على مشروع قانون يسمح بإطلاق النار علي أي فلسطيني حتى لو لم يشكل مصدر خطر أو تهديد على الإسرائيليين. واعتبر قراقع أن إعدام الشهداء الأربعة تم من نقطة الصفر، وهو يدل على تصعيد إسرائيلي خطير وتقويض لكل الجهود التي تبذل من اجل التسوية والسلام، وأن لغة القتل والإعدام هي اللغة السائدة في الحكومة الإسرائيلية. وهو ما اعتبره quot;مؤشرا على التدهور القانوني والأخلاقي السائد في المجتمع الإسرائيلي وعلى تنامي الفاشية في المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيليةquot;.

وقال قراقع quot;ان من ينفذ هذه السياسة هو مجرم حرب يستوجب تقديمه بشكل فوري إلى المحاكم الدولية لأنها تعتبر مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني ولاتفاقيات جنيف التي تلزم دولة الاحتلال بحماية السكان المدنيين وعدم التعرض لهم والحفاظ على حقهم بالحياةquot;.

واضاف بان quot;الإعدام خارج نطاق القضاء هو عملية قتل غير قانونية مع سبق الإصرار والترصد يتم تنفيذها بأمر من الحكومة الإسرائيلية وهي سياسة تستهدف أشخاصاً كبديل للقبض عليهم. ان دولة الاحتلال تتعامل مع الأراضي الفلسطينية وكأنها خارج إطار الإجراءات القانونية ولا تعترف بحدوث الجرائمquot;.

وكشف قراقع أن إسرائيل أعدمت منذ بداية عام 2008 الأسير فواز فريحات من قرية اليامون بعد اعتقاله، وكذلك نفذت حكم الإعدام بحق أحد الجرحى في عملية ديمونا في النقب مؤخرا والذي كان يطلب الإسعاف بعد أن أصيب بالرصاص وتم إعدامه من نقطة الصفر، وأشار قراقع أن 85% من الشهداء الفلسطينيين هم من السكان المدنيين الذين لم يبدوا مقاومة أو مشاركة في أعمال مقاومة الاحتلال.