مجددًا حديثه عن إسراطين ومحذرًا من مصير صدام
القذافي فاكهة القمم العربية يرتجل كلمة مثيرة للجدل

إستهجان إماراتي لإستخفاف الزعيم الليبي بإحتلال إيران للجزر
كتب ـ نبيل شرف الدين: وسط أجواء احتقان لا تخطؤها العين، أحاطت الأجواء التي انطلقت فيها قمة دمشق العربية، وبينما بدا الملل واضحًا على وجوه الكثيرين من القادة العرب المشاركين أثناء إلقاء الكلمات الافتتاحية، غير أن الأمر اختلف تمامًا حين دعا الرئيس السوري بشار الأسد بصفته رئيس القمة، العقيد الليبي معمر القذافي ملح القمم العربية لإلقاء كلمته .

وكدأبه دائمًا. ظل القذافي أحد أكثر الزعماء العرب جذبا لأضواء الإعلام خاصة في القمم العربية، التي يعرض فيها أفكاره واقتراحاته بشكل مرتجل تحمل من الإثارة ما يكفي لإبعاد شبح الملل عن الحضور، وتسكن المنطقة الدقيقة الفاصلة بين حدود العبقرية والسيريالية، كما تثير من الجدل حولها ما يضيف زخمًا كبيرًا للفعاليات التقليدية لمؤتمرات القمة العربية .

ووسط تصفيق الحضور من قادة الدول العربية والوفود المصاحبة، صعد القذافي معتليًا المنصة ليلقي كلمة مرتجلة، وإن كانت معه ورقة، يبدو أنها لا تضم إلا رؤوس موضوعات، بينما التفاصيل حاضرة في ذهن القذافي، الذي حذر القادة العرب المتحالفين مع الولايات المتحدة من أنهم قد يلقون مصير الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي اعدم شنقًا، وهو ما أثار انطباعات متباينة بدت على وجوه الحاضرين تراوحت بين الضيق والتبرم والسخرية، كما نرصدها تفصيليًا في نهاية التقرير .

وعاود القذافي حديثه السابق عن quot;الفضاءات الديموغرافيةquot; في العالم وخارطة الكون الجيوسياسية الجديدة، والتكتلات الكبرى والتجمعات الإقليمية والدولية، وبحسرة تساءل القذافي مستنكرًا: أين يقع العرب الآن على خريطة العالم الجديدة؟ كما عبر القذافي أيضًا عن قلقه حيال مستقبل الدول العربية الواقعة خارج المظلة الأفريقية، ودعا لضم الجزء العربي الواقع خارج الفضاء الأفريقي إلى المظلة الأفريقية، حتى لا تضيع وسط التكتلات الإقليمية والدولية الضخمة التي يمكن أن تلتهمهاquot;، على حد تعبيره .

إسراطين مرة أخرى
وانتقل القذافي إلى القضية الفلسطينية، واستفاض في الحديث حولها، وإن كان أبرز ما حملته كلمته هذه المرة ما أشار إليه من أن إسرائيل يمكنها أن تقيم دعاوى قضائية دولية ضد كافة الدول العربية، لتعويضها بتريليونات الدولارات عن حروب ما قبل 1967 ، لأن العرب الآن يريدون فقط العودة إلى حدود 67 ، وهذا ـ بتقدير القذافي ـ اعتراف ضمني من قبل العرب بأن ما قبل ذلك ليس من حقهم، وبالتالي فإن كل حروبهم قبل ذلك التاريخ، ومقاطعتهم لإسرائيل وما ترتب على ذلك من خسائر لإسرائيل، كما قال القذافي مستهجناً فكرة الاكتفاء بالمطالبة بالعودة إلى حدود عام 1967 فقط .

ورأى العقيد الليبي أن منظمة التحرير الفلسطينية هى القاسم المشترك للفلسطينيين، خاصة انه لا يمكن التوفيق بين حركتي quot;حماس وفتح نظر للاختلاف الايدلوجي بينهما، ودعا القذافي حركة حماس إلى الانضمام لمنظمة التحرير، التي وصفها بأنها quot;المظلة الأمquot; الأكبر من فتح وحماس وغيرهما من الحركات الفلسطينية، كما دعا القذافي أيضًا إلى تمثيل كافة الفلسطينيين في الشتات، مشيرًا الى ان هناك ثلاثة ملايين فلسطيني يقيمون خارج الدول العربية .

ومرة أخرى جدد القذافي حديثه عن quot;الكتاب الأبيضquot;، الذي اقترح فيه تأسيس ما أسماه quot;دولة إسراطينquot;، كدولة واحدة تضم الفلسطينيين والإسرائيليين وتمتد من النهر إلى البحر، لأن المساحة الجغرافية لا تتسع لدولتين، وإذا قامت دولة فلسطينية عمقها 14 كيلومتر لن تكون حقيقيةquot;، واستفاض في شرح هذه الرؤية طويلاً، غير أنه اشترط عودة كافة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، على أن تجرى انتخابات عامة تحت إشراف الأمم المتحدة، حتى يختار مواطنو هذه الدولة من يهود وعرب رئيسهم وحكومتهم، لكنه استدرك قائلاً إن إسرائيل ترى في ذلك نهاية لدولتها، وبالتالي عليها أن تتحمل مسؤولية الحرب .

وعاد القذافي لجلد العرب قائلاً إنهم باتوا يتآمرون على بعضهم البعض، وأن أجهزة استخباراتهم الآن تكيد لبعضها البعض، أكثر مما تعمل ضد الآخرين، وجدد القذافي التبشير بنهاية الدولة الوطنية وبداية عهد الفضاءات الكبرى .

إيران ومصير صدام
وتطرق العقيد الليبي إلى العلاقات العربية مع إيران، قائلاً إن مصلحة الدول العربية تتمثل في إقامة علاقات طبيعية مع إيران وأنه ليس من مصلحة العرب وجود أي عداء مع إيران .

ودعا العقيد الليبي إلى تحويل الخلاف بين إيران والإمارات حول الجزر المتنازع عليها إلى محكمة العدل الدولية، مطالبا بضرورة القبول بأي حكم يصدر عن هذه المحكمة الدولية .

غير أن الأكثر إثارة وما قد يكون موضع رفض واستنكار في الخليج، حين قال القذافي إن 80% من سكان الخليج هم إيرانيون، وليس من مصلحة العرب معاداة إيران، وينبغي التوصل لصيغة للتعايش مع إيران .

وفي الشأن العراقي، قال القذافي quot;العراق ليس لنا فيه حول ولا طولquot;، وتساءل لماذا احتل الأميركيون العراق، واستنكر القبض على صدام حسين ومحاكمته وإعدامه، ودعا إلى فتح تحقيق دولي في قتله، وخاطب الزعماء العرب قائلاً quot;الدور عليكم جميعاً، أميركا قاتلت مع صدام حسين ضد الخميني ثم باعوه وشنقوه، حتى أنتم أو نحن أصدقاء أميركا قد توافق أميركا على شنقنا في يوم ماquot; على حد تعبيره .

وبعد أن حدق القذافي في أوراقه، بينما كان يسود القاعة صمت عميق، يعكس مدى اهتمام الحاضرين بالاستماع إلى القذافي، الذي أصبح بالفعل quot;ملح القممquot; وفاكهتها بغض النظر عن تقويم لطروحاته وسلوكه السياسي الذي يقفز على المراسم التقليدية للدبلوماسية ويتصرف بطريقته الخاصة غير المعهودة في أعراف هذه التجمعات السياسية الإقليمية أو الدولية، التي طالما جعلت منه نجمًا دائم الحضور، وصانع البهجة وسط كل هذه الأزمات والحروب والصراعات والمؤامرات والمؤتمرات .

وسط هذا المشهد الدرامي .. أنهى القذافي كلمته فجأة، وسط تصفيق حاد من الحضور .

انطباعات من القاعة
رئيس السلطة الفلسطينية كان يركز مع كل كلمة ينطق بها القذافي، وبدا أنه يترقب المزيد خاصة حين تحدث عن مظلة منظمة التحرير .

رئيس تونس كان يستمع للقذافي باهتمام بالغ، غير أن نظرة سخرية كانت تشع من عينيه رغم محاولته مداراتها .

أما أمير قطر ظل مبتسما طوال إلقاء القذافي لكلمته، وبدا كأنه يشاهد وصلة كوميدية في مسرحية أو فيلم سينمائي مثير .

الرئيس السوري المضيف بدا مبتسمًا برضًا لما يطرحه القذافي من أفكار، وصفها الأسد في نهاية الكلمة بأنها صريحة وشفافة .

غير أن رئيس الإمارات بدا متجهمًا، وإن حرص أن تكون ملامحه محايدة، وبدا بعض اعضاء الوفد الإماراتي متبرمين خاصة حين تطرق القذافي للحديث عن الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران .
أما السياسي مصطفى عثمان إسماعيل، والذي كان يجلس خلف الرئيس السوداني عمر البشير، فقد كان يأكل شيئا ما، وعلى الفور أشاحت الكاميرا بعيداً عنه، فربما لم يتمكن الرجل من تناول فطوره قبل انطلاق المؤتمر .

القذافي والقمم
وحكايات القذافي مع القمم العربية لا حصر لها، وهذا جانب من أبرز محطاتها التي لم تزل راسخة في أذهان ملايين العرب :
* ففي مارس من العام 2001، عقدت القمة الثالثة والعشرون في عمان، حيث ناقشت الأوضاع المتدهورة في الأراضي الفلسطينية وبينما أسست قمة عمان للانعقاد الدوري لمؤتمرات القمة، غير أنها إعلاميًا حملت صفة quot;قمة أفكار القذافيquot;، ففي جلسة مغلقة للقادة العرب، فاجأ القذافي الجميع بطرح فكرة أطلق عليها quot;إسراطينquot; لحل النزاع التاريخي الفلسطيني ـ الإسرائيلي، من خلال دولة ثنائية القومية للعرب واليهود معاً، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الصحف العربية في حينه .

* واعتذر القذافي عن المشاركة في قمة بيروت التي عقدت في مارس من العام 2002، بعدما كان قد طلب نقلها إلى مقر الجامعة العربية، وذلك على إثر تصريحات أدلى بها زعماء شيعة حملوا فيها النظام مسؤولية اختفاء الإمام موسى الصدر سنة 1978 خلال زيارته لليبيا، واعتبر القذافي أن أمنه الشخصي غير مضمون في لبنان، ورفض المشاركة.

* أما الأكثر طرافة بتقديرنا هو ما جرى قبيل قمة عمان، فبعد أن حطّت طائرة القذافي على أرض المطار، بقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في انتظاره عند سلم الطائرة لأكثر من ساعة حتى يهبط، وبعد أن بدأ التململ على الملك ومرافقيه من كبار الشخصيات، طلب من أحدهم أن يسأل الوفد الليبي عن السبب في عدم ظهور القذافي، وتكرر السؤال دون أن يجد الأردنيون إجابة، وفي نهاية المطاف اتضح أن الأخ القائد كان مرهقًا بعد رحلة برية وبحرية وجوية طويلة، بدأت من ليبيا ومرت بمصر ثم العقبة وصولاً إلى عمّان، فما كان منه إلا أن استسلم لسلطان النوم، والطريف إن أحدًا من أعضاء الوفد لم يجرؤ على إيقاظه، وتهنئته بسلامة الوصول .