منفذ عملية 'وادي الحرامية' يروي تفاصيلها
كل شيء تغير في فتح الا القيادة

أسامة العيسة من القدس: قبل ست سنوات، ولدت أسطورة فلسطينية، بعد نجاح شخص مجهول، بتنفيذ ما اعتبر انجح عمليات المقاومة الفلسطينية، في منطقة وادي الحرامية، التي استهدفت حاجزا عسكريا إسرائيليا، على الطريق بين مدينتي رام الله ونابلس. وتمكن المنفذ من قتل 11 جنديا اسرائيليا، مدربين ومسلحين جيدا، وجرح آخرين لم يتمكنوا من التعامل مع مصدر إطلاق النار، وتحول المنفذ إلى بطل في عيون الفلسطينيين، خصوصا وان السلطات الاسرائيلية لم تتمكن من القبض عليه، بينما سادت تكهنات حول هوية المنفذ، وشاع انه رجل كبير في السن، استخدم بندقية قديمة من عهد الانتداب البريطاني، ولانه عمل لوحده بعيدا عن الفصائل الفلسطينية، فان الوصول إليه كان صعبا، ولكن هذا لم يمنع من تبني فصائل للعملية، بشكل غير رسمي، مثل حركة حماس.

وقبل نحو عامين، تمكنت السلطات الاسرائيلية من الوصول إلى المنفذ، الذي لم يكن سوى شاب فلسطيني اسمه ثائر حامد، من بلدة سلواد قرب رام الله، وكان ذلك مخالفا للتكهنات التي سادت الشارع الفلسطيني، وفي الذكرى السادسة لتنفيذ العملية، وزع النائب عيسى قراقع، مقرر لجنة الأسرى في المجلس التشريعي الفلسطيني مقابلة أجريت مع حامد داخل السجون، تحدث فيها لاول مرة عن ما حدث في ذلك اليوم قبل ست سنوات.

(المفاجأة والجرأة)

قال حامد quot;مر على هذه العملية ست سنوات حيث جرت في 2/3/2002، في ذلك اليوم خرجت من المنزل بعد أن أديت صلاة الفجر وكنت قد جهزت نفسي بعد مراقبة للموقع العسكري الإسرائيلي استمرت أربعة أيام وعرفت تبديل المناوبة والأوقات إلى حد كبير خاصة أن حاجز عيون الحرامية يقع في أراضي سلواد، وكنت في تلك الليلة قد حسمت الأمر والقرار أن يكون التنفيذ في اليوم التالي وقمت مبكرًا استيقظت فجرًا، وبعد الصلاة أخذت معي بندقية من نوع M1 وثلاثة مخازن وأربعين رصاصة كنت اشتريتها على نفقتي الخاصة، علمًا أن كل مخزن يتسع لـ 8 طلقات، وقد خرجت من القرية مشيًا على الأقدام حوالي الساعة السادسة صباحًا وذهبت إلى الجبل المقابل للحاجز العسكري وعلى بعد 60 -70 م اخترت شجرة زيتون مع جذع عريض وكبير واحتميت بها ونصبت البندقية، وبدأت أطلق النار طلقة طلقة وكان أول ما أطلقت النار على جندي جاء في جيب عسكري من جهة نابلس واصابته كانت قاتلة، ثم كان هناك جنديين على الحاجز أطلقت عليهم النار وقتلا على الفور وخرج من المبنى الصغير قرب الحاجز ثلاثة جنود وأطلقت عليهم النار ولم يعرف أحد أصلاً جهة إطلاق النار، ثم جاءت سيارة مستوطنين ووقفوا على الحاجز وأطلقت النار عليهم قبل أن يدركوا مصدر الرصاص، ثم جاءت سيارة عسكرية وبدأوا مباشرة بإطلاق النار على موقعي وأصبت منهم أثنين حيث وصل مجموع القتلى إلى 11 قتيلاً وأكثر من عشرة جرحى بإصابات بالغة ولم يزد ما أطلقته عن 24 رصاصة أصابت جميعًا أهدافهاquot;.

ويروي حامد ما حدث بعد ذلك quot;انفجرت البندقية في هذه الأثناء، وحاولت إصلاحها فتفتت بين يدي وجرى ذلك أثناء إطلاق النار ومجيء عدد آخر من السيارات العسكرية فقررت الانسحاب أثناء إطلاق النار والغريب أنهم لم يجرؤوا على ملاحقتي وكانوا في حالة من الذهول والذعر ولم يجرؤوا على الاقتراب من الجرحى لفترة من الزمن، وقد غادرت الموقع وتسلقت الجبل وذهبت إلى طريق بلدة جلجولية غربًا، ثم عدت شرقًا وقطعت الشارع باتجاه بلدتي سلواد، وقبل الساعة السابعة والنصف كنت قد أخذت حمامًا واستلقيت على فراشي، وأخذت أغط في نوم عميق، استيقظت ظهرا وإذا بالجميع وكل وسائل الإعلام في العالم والناس في البلدة يتحدثون عن العملية وقد تصرفت كباقي الناس ولم أقل أية كلمة لأحد ولم يبدو علي أي انفعال أو تأثر بهذه العمليةquot;.

(نتائج غير متوقعة)

ويقول حامد انه لم يتوقع هذه النتيجة وهذا العدد الكبير من القتلى والجرحى، ويشير إلى انه اختار الذهاب لوحده ولم يرغب بان يشاركه أحد quot;وذلك للمحافظة على سرية الموضوع، وقد أعددت نفسي للشهادة، وقد ذهلت أنني عدت دون أية إصابة أو أي أثر وحمدت الله أنه منحني النصر ولم يكتب لي الشهادة علمًا أني ذهبت راغبًا فيها، فأكرمني ربي بالنصر والحقيقة لم أشعر بأي خوف أو تردد والإصابات كانت بنسبة 100% مع كل طلقةquot;.
وحول إذا كان تلقى تدريبا يقول حامد quot;لم يدربني أحد وتدربت بنفسي وكنت أصطاد مع جدي والذي طالما أحتفظ ببندقية طوال الوقت، ونادرًا ما ذهبت إلى الصيد وعدت خالي اليدين، وأنا أعشق الصيد والبنادقquot;.

ويروي حامد كيف يعيش داخل السجن قائلا quot; كغيري من الأسرى أعيش ظروف صعبة جدًا وزيارة عائلتي لي متقطعة وكان لي شقيقان في الأسر وخرج أحدهم وبقي الآخر وهو عبد القادر وهو محكوم 11 عاما، وقد تنقلت بين العديد من السجون وأنا معتقل الآن في سجن رامون في النقب، ونحن الأسرى نتعرض لهجمة شرسة وعدوانية من قبل مصلحة السجون ونعاني من سياسة التفتيش الليلي والإهمال الطبي والنقل التعسفي ومنع الأهالي من الزيارة والغرامات المالية التي تفرض بشكل تعسفي وعشوائي على الأسرى وما إلى ذلك، ومن أهم القضايا التي يعاني منها الأسرى هي سياسة العزل الانفرادي التي ما زال يعاني منها العشرات من الأخوة ومنهم من يحتجز الآن للسنة الرابعة والخامسة على التوالي في زنازين العزل الانفرادي، وكذلك سياسة الإهمال الطبي المتعمد حيث استشهد عدد من الاخوة الأسرى هذا العام والوضع آخذ في التدهور، أما بالنسبة لي شخصيًا فأني أحاول الاستفادة من وقتي هنا وأطالع الكثير من الكتب وهو أمر جديد بالنسبة لي حيث أنني أنهيت المرحلة الإعدادية فقط واضطررت بعدها للعمل في البناء، وفي داخل السجن بدأت بالدراسة والمطالعة وكان آخر كتاب قرأته quot;سنوات الأملquot; عن حياة الرئيس الراحل ياسر عرفات وأركز على دراسة التاريخ الفلسطيني والقضية الفلسطينيةquot;.

وعبر حامد عن اشتياقه لوالدته قائلا quot;اشتياقي شديد لوالدتي التي أحبها كثيرًا وأعتز بها والى والدي الحبيب الذي علمني ورباني ووقف إلى جانبي دائمًا وشجعني وأنا اشتاق له جدًا لانه لا يستطيع زيارتي، واشتياقي كبير جدًا الى بلدتي الحبيبة سلواد والى الأصدقاء فيها والأقارب واشتاق إلى الجبال والوديان والى الصيد الذي اعشقه ولبندقية الصيد والى الحصان الذي رافقني إلى الحقول الجميلة في وطننا الحبيب، وبالطبع أنا مشتاق للحرية ورغم ذلك ارادتي قوية لا يكسرها شيء وانتمائي عميق لشعبي الفلسطيني الصامد المكافح الذي يستحق أن نضحي من أجله، وأنا فخور بانتمائي لحركة التحرير الوطني الفلسطيني quot;فتحquot; ولكتائب شهداء الأقصىquot;.

(مع كتائب الأقصى ورفض الانقلاب)

وبرفض حامد لأي قرار بحل كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح قائلا quot;لا يستطيع أحد أن يحل الكتائب إلا من أسسها وأقامها والمطلوب من قيادة حركة فتح رعايتها ودعمها والمحافظة عليها طالما بقي الاحتلال وأرى ان سلوك بعض أفرادها ممن يدعون الانتماء للكتائب لا يعكس ولا يمثل الكتائب. والكتائب مهمتها الوحيدة هي مقاومة الاحتلال فقط وعدم التدخل في أية مسألة داخلية أو صراعات داخلية مهما كانت الظروف وهذا ما أكد عليه دومًا الأخ القائد المناضل مروان البرغوثي (أبو القسام) مؤسس وقائد هذه الكتائبquot;.

وحول رأيه بحالة الانقسام في الساحة الفلسطينية يقول حامد quot;لقد أيدنا الانتخابات والوحدة الوطنية والشراكة وكان للأسرى دور بارز في وضع وثيقة الأسرى quot;وثيقة الوفاق الوطنيquot; التي مهدت لاتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية، وشعرنا بالألم الشديد بسبب الانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية الذي نفذته حركة حماس ومشاهد القتل والتنكيل في قطاع غزة وشعرت بالألم الشديد والخجل. ولا يجوز أن يحدث هذا بين أبناء الشعب الواحد وقد أخطأت حماس بهذا الانقلاب وأضرت بالشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وآمل أن تتراجع عن ذلك، وأن يتم الاتفاق على انتخابات جديدة وحكومة متفق عليها.
وحول المسؤولية عن انهيار السلطة في غزة يقول quot;انهارت أجهزة السلطة بسبب الانقلاب ولكن هزيمة هذه الأجهزة تتحمل مسؤوليتها قيادة الأجهزة نفسها والسلطة وقيادة حركة فتح في غزة ومن المؤسف أنه لم يحاسب أحد من المسؤولين بل لا زال معظمهم في مواقعهم ولم يسألهم أحد، ولا زلنا نراهم في وسائل الأعلام المختلفة. وأني أدعو حركة فتح إلى محاسبة القيادات التي أوصلت الحركة إلى هذه الحالة في قطاع غزة والى محاسبة القيادات العسكرية والسياسية في السلطة ولا أعرف لماذا يحمل هؤلاء كل هذه الرتب والأوسمة وانهاروا بلحظة واحدةquot;.

(حول مؤتمر فتح السادس)

وحول رأيه في الجدل الدائر داخل حركة فتح حول انعقاد المؤتمر السادس، يقول حامد quot;لست خبيرًا في المؤتمرات ولكني أستغرب هذا النقاش والجدل الذي يجب أن يدور ليس في الفضائيات بل في داخل هيئات الحركة، والمؤتمر يجب أن يعقد فورًا خاصة أن اخر مؤتمر عقد قبل عشرين عامًا، وتغير كل شيء منذ ذلك إلا القيادة، قد علمت من الأخ القائد المناضل مروان البرغوثي أنه قد أرسل رسالة مفصلة حول المؤتمر وهي تعكس موقفنا جميعًا وتحمل مطالبنا وأدعو قيادة فتح للأخذ بها وتحديد موعد نهائي لعقد المؤتمر ووضع حد للوضع المأساوي الذي وصلت إليه حركة فتح، وأدعو حركة فتح للتمسك بخيار المقاومةquot;.

وحول كيف يرى المفاوضات التي تجريها السلطة مع اسرائيل، يقول حامد quot;أنا لست ضد المفاوضات ولكن يجب أن تستند دومًا إلى المقاومة وأن نعمل على المحورين معًا وهذا هو منهج فتح الحقيقي ومن المؤسف أن البعض يريد أن يرهن الشعب الفلسطيني للمفاوضات فقط والمطلوب التمسك بالمفاوضات والمقاومة معًا، وحتى الآن لم تثمر المفاوضات عن شيء فالحواجز العسكرية مكانها وتزداد والمجازر مستمرة والاغتيالات مستمرة، ونحن بالمناسبة لسنا ضد السلام الذي ينهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967 ويسمح لنا بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريفquot;.

أما عن ما تفعله القيادة الفلسطينية بخصوص الأسرى، فيقول quot;مع الأسف الشديد لا نشعر أن هنالك خطة فلسطينية رسمية بتحرير الأسرى ولا زال هنالك 11 ألف أسير في سجون الاحتلال يذوقون المرّ والعذاب ويتوقون للحرية وأني أدعو الرئيس أبو مازن وجميع الفصائل الفلسطينية دون استثناء أن يهتموا أكثر بقضية الأسرى وأن يعملوا بصدق وجدية من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة في هذا المجالquot;. ويذكر بان حامد ولد 25/7/1980، في بلدة سلواد قضاء رام الله، والتي يصفها بأنها quot;قلعة وطنية ولها تاريخ مجيد في العمل الوطني وخرج منها مئات المناضلين وخرجّت العديد من القيادات البارزين على المستوى الوطنيquot;.

وتأثر كثيرا باستشهاد عمه ربحي حامد في الانتفاضة الأولى، عندما كان عمر ثائر 11 عاما، وما زالت ذكراه حاضرة في وجدانه وعنه يقول quot;تعلقت به كثيرا وحين أستشهد غضبت كثيرا على إسرائيل والاحتلال مع أني لم اذرف دمعة وبقي الحزن في قلبي ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى شاركت في مظاهرات ومسيرات وفي إلقاء الحجارة في منطقة البالوع بمدينة البيره، وتأثرت كثيرا بما يحصل على الحواجز العسكرية حيث كنت أمر يوميًا وأشاهد وأعايش حالة الذل والقهر التي يعيشها أبناء شعبي على هذه الحواجز. كما أن قرار اختيار الحاجز العسكري لتنفيذ العملية جاء بعد عملية عين عريك التي تأثرت بها كثيرا وبالدعوات لضرب الحواجز العسكرية التي أطلقها قادة الانتفاضةquot;.