عمره 900 عام وإرتبط بالنصر على الصليبيين
إسرائيل تمنع موسم النبي موسى

أسامة العيسة من القدس: لم يتمكن الفلسطينيون هذا العام من إحياء موسم النبي موسى، في المقام الذي يحمل اسم هذا النبي، الواقع في بيداء البحر الميت، والمرتبط بمحرر القدس من الصليبيين صلاح الدين الأيوبي، بسبب قرارات لسلطات الإحتلال الإسرائيلي.

ويعتبر إحياء هذا الموسم، جزءًا من تقاليد فلسطينية تتعلق بقدوم الربيع، ومنذ منتصف شهر آذار-مارس الماضي، توافد على موقع المقام، مئات من طلبة المدارس، كجزء من برنامج رحلاتهم المدرسية، ولكن هذا المقام لن يشهد احتفالات واسعة كما حدث في العام الماضي، عندما تم إحياء موسم النبي موسى لمدة أسبوع، مما اعتبر نجاحًا كبيرًا، للجنة المنظمة، بعد سنوات من غياب الموسم.
ومنذ عام 1967، توقفت الاحتفالات بالموسم، بسبب الاحتلال، وتحويل المنطقة التي يقع فيها مقام النبي موسى، إلى منطقة عسكرية، وتدريبات عسكرية.

وتمت إعادة إحياء الموسم في منتصف تسعينات القرن الماضي، وتوقف ذلك مع اندلاع انتفاضة الأقصى، وفي عام 2006 تم إحياء الموسم لمدة يومين، والعام الماضي لمدة أسبوع واحد.

وتعذر إحياء الموسم هذا العام، بسبب اشتراط سلطات الاحتلال، موافقتها المسبقة على أي نشاط سيشهده الموسم، والحصول على تصاريح مسبقة، الأمر الذي اعتبرته اللجنة المنظمة بأنه شرطًا تعجيزيًا.

ورأى مراقبون في القرار الإسرائيلي، استهدافًا لإحتفالات النبي موسى، التي هي جزء لا يتجزأ من تراث القدس الديني والشعبي والحضاري.

ويعود تاريخ مقام النبي موسى، إلى عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي، وليس له علاقة بالنبي موسى، الذي لا يعرف له قبرًا وفقدت آثاره على جبل نبو في الأردن، وفقًا للعهد القديم.

وارتبط اسم المقام، بموسم النبي موسى، الذي يعتبر مع مواسم أخرى مثل موسم النبي صالح في رام الله، وموسم المنطار في غزة، وموسم النبي روبين في الرملة، من المواسم التي استحدثت زمن صلاح الدين الأيوبي في الفترة نفسهاالتي تقام فيها أعياد الفصح لدى المسيحيين.

يبعد مقام النبي موسى عن طريق القدس-أريحا كيلومترًا واحدًا في تلك البرية، ويبعد نحو 200 متر عن المنطقة العسكرية الإحتلالية المغلقة منذ عام 1967، والتي تمتد من شمال البحر الميت إلى جنوبه على حدود الخط الأخضر وبعمق يتراوح ما بين 10-15 كلم.

وعندما مر صلاح الدين الأيوبي في هذا المكان لم يكن المقام موجودًا بالطبع، وحسب المرويات إنه وجد في المكان بعض الأعراب يقيمون حول قبر، فسألهم عن هوية صاحبه، فقالوا له بأنه لكليم الله موسى، فشرع ببناء المقام، وأتم الظاهر بيبرس القائد المملوكي، الذي كانت له صلات مع الصليبين، بناء المسجد والأروقة عام 1265م، وأوقف عليه الكثير من العقارات والأراضي ومنها مدينة أريحا وبلدة صور باهر، وعين مشرفين على إدارة هذا الوقف.

ويضم مقام النبي موسى الآن إضافة إلى القبر والمسجد 360 غرفة وإسطبلات للخيل ومخبزًا قديمًا، وتمتد في الخلاء حوله مقبرة، يدفن فيها من يوصي بذلك تقربًا لله ولنبيه موسى، اكثر أنبياء الله ذكرًا في القرآن الكريم، واعتادت قبلة العدوان التي تعيش في شرق الأردن، دفن موتاها في المكان، إلا أن ذلك توقف بسبب الاحتلال، وعلى بعد كيلومترًا من المقام، يوجد بناء يضم قبر حسن احمد خليل الراعي الذي خدم المقام وتوفي قبل نحو 300 عام ويعرف باسم (مقام الراعي).

وكانت تستعمل غرفه حتى وقت قريب، العائلات التي كانت تأتي من شتى المناطق الفلسطينية لتشارك في موسم النبي موسى في نيسان من كل عام.

وهناك من يعتقد أن القبر الموجود في المقام هو فعلاً للنبي موسى، ويستدلون على ذلك بأحاديث نبوية مثل quot;أخي موسى عليه السلام، مدفون على مرمى حجر من القدس، في الكثيب الأحمرquot;، وكذلك حديثه، عليه السلام، في رحلة الإسراء والمعراج quot;مررت بأخي موسى عليه السلام وهو قائم يصلي في قبره على مرمى الحجر من القدس في التلة الحمراءquot;، والمقصود بالتلة الحمراء والكثيب الأحمر ما يعرف بموقع الخان الأحمر على طريق القدس-أريحا وأقيم في المكان مدينة استيطانية يهودية كبرى تعتبر من مستوطنات (الحزام الشرقي) حول القدس تدعى معالية ادوميم.

ولكن آخرين يخالفون هذا الاعتقاد ويعتقدون أن هذا القبر هو قبر quot;سياسيquot; بناه صلاح الدين الأيوبي عندما كانت الحرب بينه وبين الصليبين سجالاً، وكان يطلب من المسلمين المكوث في هذا المكان شهرًا وقت أعياد الفصح لدى المسيحيين، لصد أي هجمات يمكن أن يشنها الصليبيون، ولإظهار قوة المسلمين بعد تحرير القدس عام 1187م، خصوصًا أنه كان يلاحظ ازدياد الحجاج من الإفرنج الذين يتوافدون على بيت المقدس كل عام، ولا يوجد أي دليل بأنه قبر النبي موسى، ولا يعتقد الإسرائيليون بوجود أي علاقة بينه وبين النبي موسى ولم يضعوا يدهم عليه بشكل مباشر، ولكنهم صادروا 75 ألف دونم من أوقاف النبي موسى الممتدة من قرية العبيدية إلى الجفتلك في غور الأردن لأسباب استعمارية واستيطانية وعسكرية.

ويعزز هذا الرأي الموقع الاستراتيجي لمنطقة النبي موسى التي تشكل ما يمكن اعتباره جسرًا بين منطقتي القدس والخليل وشمال البحر الميت، وتشرف على الحدود مع الأردن.

وفي التاريخ الفلسطيني المعاصر ارتبط مقام النبي موسى بالأهداف الوطنية الفلسطينية، وبالزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني، حيث كان يقود المواكب التي تأتي من كل مناطق فلسطين وتتجمع في القدس نحو النبي موسى وتبقى الوفود هناك أسبوعًا ثم تعود إلى القدس بموكب تنشد فيه الأناشيد الوطنية والدينية.

ومنذ عام 1919م، قررت قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية استثمار احتفالات النبي موسى للتحريض ضد الاحتلال البريطاني الداعم للهجرة الصهيونية.

وفي العام التالي 1920، خطب في الوفود القادمة من مختلف المناطق زعماء تلك الفترة أمثال موسى كاظم الحسيني وأمين الحسيني، وكان وصول وفد جبل الخليل إلى القدس، في ذلك العام الشرارة التي أطلقت ما عرف في التاريخ الفلسطيني المعاصرة بثورة العشرين.

وبعد قدوم السلطة الفلسطينية إلى منطقة أريحا عام 1994م، سمحت سلطات الاحتلال للفلسطينيين باستخدام ممر ضيق لموقع المقام، وعلى الرغم منالوجود العسكري الإسرائيلي المكثف في المناطق القريبة من المقام والمعلنة إسرائيليًا مناطق عسكرية ومناطق تدريب، تداعت مؤسسات أهلية ورسمية لإحياء موسم النبي موسى كما كان يحدث منذ تحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي قبل 900 عام، ولكنها بقيت احتفالات متواضعة، لم تأخذ الطابع الوطني الجماهيري، ولم يكن فيها مواكب تأتي من المدن وتتجمع في القدس وتسير نحو موقع المقام، بسبب حصار القدس ومنع المواطنين الفلسطينيين من دخولها، ولم يكن يمكث فيها المواطنون أيامًا في المقام كما كان يحدث سابقًا، ولكنه كان تعبيرًا رمزيًا عن التمسك بإحياء احتفالات النبي موسى التي شرعها قائد يعتبره الفلسطينيون والعرب والمسلمون فذًا ويفتقدون إليه كثيرًا.

وهناك ما يدل على أن هذا الموسم اكتسب سابقًا أهمية إقليمية، حيث كانت وفود من بعض مدن الشام تشارك فيه، مثل دمشق، وتظهر بعض النقوش على المقام، أن الاهتمام به واعماره في بعض المراحل، استحوذ على اهتمام من خارج فلسطين، مثل اعماره عام 1717م على يد علي كتخدا أحد أعيان مصر في زمنه، وإصلاحه عام 1819م بأمر والي صيدا وطرابلس عبد الله باشا الذي أضاف إليه رواقا.

وفي السابق، كان المشاركون ينتشرون في خيمهم على امتداد الصحراء المحيطة بالمقام، حيث يعيشون حياة اجتماعية، تتخللها بعض الطقوس مثل حلق شعر أطفال أو ختانهم.

وفي العام الماضي، شاركت أعداد من الأجانب الأوروبيين واليابانيين، وفلسطينيين يعيشون في المهجر، وبعض عائلات من عرب النقب، التي تستهويهم فعاليات الموسم التي تقام في الصحراء.

واشتملت الاحتفالات العام الماضي على العروض الكشفية والدبكة الشعبية، وفرق الإنشاد الديني والصوفي، وفي كل مساء بعد صلاة العشاء نظمت ندوات ثقافية، حضرتها العائلات التي أقامت في غرف المقام.

ولكن الأمر اصبح مختلفًا هذا العام، مع القرار الإسرائيلي، الذي استهدف احتفالات موسم المقام المرتبط بصلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس، والذي يرى الفلسطينيون أن إحياءه يعني تأكيد الوجود العربي في المدينة المقدسة وحولها، وإبرازًا للهوية الثقافية للمدينة، من خلال موسم ابتدأ مع الفلسطينيين منذ نحو 900 عام، ولم ينقطع إلا بسبب الغزوات الكثيرة التي تعرضت لها فلسطين، وما أكثرها.

الصور بعدسة إيلاف