الصديق ما زال آمنًا
الصفقة السورية الدولية لم تنضج ظروفها بعد

الصدّيق يظهر في مقابلة مع quot;السياسةquot; الكويتية
بلال خبيز من بيروت:
بعد مضي ساعات قليلة على إعلان وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير خبر اختفاء محمد زهير الصديق من منزله، سارعت وزيرة الخارجية الأميركية إلى التأكيد بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح بحصول تسوية في قضية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري أو عقد صفقة quot;لتحييد عائلة الرئيس السوري بشار الأسد في مقابل إبتعاد سوريا عن إيرانquot;. وعلى الموجة نفسها، أعلن قاضي التحقيق الدولي الكندي دانييل بلمار أنه يحتاج إلى مهلة إضافية لإنجاز التحقيق، تمتد حتى حزيران ndash; يونيو من العام الحالي.
نفي وزيرة الخارجية الاميركية يذكي المخاوف والشائعات والتحليلات الصحافية التي تعتبر ان اختفاء الصديق، ليس سوى جزءًا من صفقة متكاملة مع النظام السوري يجري الإعداد لها في الخفاء، على أن يقدم أحد أفراد العائلة في النظام السوري للمحاكمة بوصفه سببًا لكل المصائب التي تعاني منها سوريا. وكان نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام قد حذر من سيناريو من هذا القبيل يتم بموجبه التضحية باللواء آصف شوكت سعيًا لإنقاذ النظام. من جهة ثانية، بات مؤكدًا وبسبب تواتر المعلومات من اكثر من جهة، ان اللواء آصف شوكت اصبح قيد الاعتقال.

بهذه الحبكة الاخيرة تتكامل فصول الصفقة. لكن ذلك لا يعني انها تمت وقضي امرها. إذ إن مثل هذه الصفقة تحتاج إلى إتمامها خطوات سياسية اضافية يقوم بها النظام السوري لم تتضح معالمها حتى الآن. وغني عن القول ان التجربة التي خاضها الدبلوماسيون العرب والاجانب مع النظام السوري طوال حكم الرئيس بشار الأسد حفلت بالتملص السوري من الالتزامات التي قطعها اكثر من مسؤول سوري لأكثر من مسوؤل اجنبي. بدءًا بحادثة خافيير سولانا مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، الغائب عن المشهد السياسي هذه الأيام هو الآخر، قبيل صدور قرار مجلس الأمن الذي حمل الرقم 1559، ووصولاً إلى الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك، مرورًا بقادة ودبلوماسيين عرب واجانب كثيرين ربما كان ابرزهم وزير الخارجية الأميركية السابق كولن باول الذي نجح في جعل الرئيس الأسد يقطع وعدًا بإقفال مكاتب الفصائل الفلسطينية في دمشق، لكن الوعد لم ينفذ على جاري العادة. وهذا سبب اول.
السبب الثاني في ما يظهر سوري المصدر. فسوريا تتحفظ اليوم على اتمام الصفقة المشار إليها، لانها تعمل على اكثر من خط دفعة واحدة.

الخط الاول لبناني ويقضي بتكليف رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري بمهمة مستحيلة. حيث حُمّل على كاهله امر ترطيب العلاقات بين القاهرة والرياض من جهة اولى ودمشق من جهة ثانية. وحصلت استعدادات لبنانية لهذا الغرض تمثلت في اعلان النائب اللبناني ميشال المر انفصاله عن كتلة التغيير والإصلاح التي يتزعمها الجنرال ميشال عون، مما يجعل عقدة عون الرئاسية شبه منتهية، كما كان لافتًا تصريح احد صقور المعارضة الوزير السابق سليمان فرنجية بتحديد مطالب المعارضة بمطلب واحد هو إقرار قانون الانتخاب على اساس قانون العام 1960، والتخلي عن مطلب الثلث المعطل في الحكومة المقبلة شرطًا لازمًا لانتخاب رئيس الجمهورية.

الخط الثاني اسرائيلي. وقد تم تأكيد زيارة تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية إلى الدوحة، ولم ينف اي مصدر رسمي سوري صحة المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام عن نية ليفني عقد لقاءات مع مسؤولين سوريين رفيعي المستوى. وفي هذا الخط، تكرر اسرائيل ان المطلوب من سوريا واضح ولا يحتاج إلى تفسير. وان الشروط الإسرائيلية في هذا المجال لم تعد خافية على احد، وتتصل مباشرة بتطويع حزب الله وحركة حماس والخروج من الحضن الإيراني. وإلا فإن الحرب ستكون الحكم في ما بين الدولتين.

الخط الثالث عربي، وتمثل في توسيط بعض القادة العرب بين دمشق والرياض والقاهرة، وكان امير الكويت قد حاول القيام بهذه المهمة العسيرة، لكن الخبر اليقين وصل الى سوريا من شرم الشيخ. حيث اعلن الجانبان، السعودي والمصري، في ختام القمة التي عقدت بينهما، ان شرط تحسن العلاقات بين العاصمتين ودمشق مرهون بالتقدم الملموس على مستوى حل الازمة الرئاسية اللبنانية. مما يعني بوضوح ان الاستعداد للبحث في العلاقات لن يسبق في اي حال من الاحوال عقد جلسة انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية اللبنانية.

تأسيسًا على هذه الوقائع السياسية، يمكن القول ان الحديث عن صفقة مع سورية في موضوع المحكمة الدولية يبدو سابقًا لأوانه. مما يعني ان الصديق الذي اختفى من منزله في باريس، ما زال يقيم في مكان آمن واكثر سرية من مكان اقامته السابق. والأرجح انه ما زال في مكان ما في اوروبا بعيداً عن الانظار، خوفًا من تعرضه للاغتيال، وهو الذي كان قد صرح سابقًا انه تعرض لمحاولتي اغتيال وطالب لجنة التحقيق الدولية بحمايته كشاهد اساسي، معيدًا التأكيد على اتهامه النظام السوري والجنرالات اللبنانيين الأربعة بتدبير عملية اغتيال رفيق الحريري.