الجولان: ورقة رابحة للأسد وأولمرت
مجلس المستوطنات يقرر تعزيز الاستيطان في الجولان

نضال وتد من حيفا: يشير التسارع الحثيث للهجوم الإعلامي السوري الأخير والذي بلغ ذروته، اليوم، في التصريحات التي فضل الرئيس السوري بشار الأسد أن يخص بها صحيفة quot;الوطن القطريةquot; من جهة، وإقرار مصادر سياسية رفيعة المستوى في إسرائيل بصحة الرسالة التي نقلها الرئيس التركي أوردجان لنظيره السوري،من جهة أخرى، إلى الفائدة الكبيرة التي يجنيها الطرفان السوري والإسرائيلي من كل تحريك أو تسخين على جبهة الهضبة السورية المحتلة منذ العام 67، وهي أهدأ جبهة كانت لإسرائيل على مدار العقود الثلاثة. ويرى مراقبون أن الهجوم السوري الأخير، يمكن سوريا والرئيس الأسد من تحقيق عدة أهداف في آن واحد، أهداف تخدم سوريا الدولة على الصعيد الإقليمي والدولي كما على الصعيد المحلي إعلاميا. كما يوفر لفت الأنظار إلى الهضبة الهادئة بعيدا عن الجنوب الملتهب في قطاع غزة، فرصة للطرف الإسرائيلي يلتقط فيها أنفاسه ويعيد حساباته وترتيب أوراقه العسكرية والدبلوماسية والتفاوضية.

فعلى الساحة الدولية فإن مجرد الكشف عن رسائل إسرائيلية من رئيس الحكومة دون غيره، تعلن موافقة على الانسحاب، يوفر لسوريا دليلا في حربها الإعلامية على صورة النظام والدولة، ويؤشر للولايات المتحدة أنه لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها إذا أرادت الولايات المتحدة ترتيب أوضاعها في المنطقة، وأن إسرائيل برغم الموقف الأمريكي المعارض، وجدت نفسها مضطرة في سعيها لترتيب أمورها، الداخلية، والحدودية (لبنان وحزب الله) والتفاوضية (الهروب إلى مسار آخر بعيدا عن مطبات المسار الفلسطيني ) إلى دخول عرين الأسد والتسليم بالمطالب السورية التاريخية لتسوية سلمية.

أما على الساحتين العربية والسورية الداخلية، فإن الرئيس بشار الأسد هو الرابح الأول والمستفيد الأكبر، فهو لم يفرط بالجولان، ولم يتنازل عن ذرة من أراضي سوريا الأم، من جهة، كما أنه لم يرتكب quot;خطيئةquot; المحادثات السرية مع إسرائيل بعيدا عن عيون الأشقاء العرب، بل إنه يرغم إسرائيل على التسليم بشروطه التفاوضية وفي مقدمتها علنية المفاوضات وشفافيتها، معلنا في الوقت ذاته، عن إدراكه لضرورات النظام العالمي، وعليه يشير الرئيس السوري في حديثه مع quot;الوطنquot; إلى ضرورة وجود الراعي الدولي للمفاوضات، بحيث يبقي على شعرة معاوية مع الإدارة الأمريكية، التي ستقر الانتخابات الأمريكية ما إذا كان الجمهوريون، خلفة بوش، أم الديموقراطيون هم الذين سيحتلون البيت الأبيض بعد الانتخابات، وعندها سيكون لكل إدارة حديث.

أما إسرائيليا فإن فتح المسر السوري، وتسخين الحديث عن الموافقة الإسرائيلية للانسحاب من الجولان، يوفر لأولمرت وحكومته عدة ميزات وفوائد: أولى هذه الفوائد هو إتاحة المجال أمام أولمرت للانسحاب من المشهد المصري الفلسطيني- المنهمك بشروط التهدئة، دون أن يبدو أولمرت في حال نجاح الوساطة المصرية وكأنه طرف ناشط في المفاوضات مع حركة حماس، فقد سبق لمسؤولين رسميين في إسرائيل أن أعلنوا على مدار الأيام الأخيرة أن ما يجري في القاهرة، هو مبادرة مصرية ذاتية، لا علاقة لإسرائيل بها، ولم تعرض تفاصيلها ولا حيثياتها على أولمرت، وبالتالي فإن أولمرت لن يكون ملزما بقبولها حرفيا، بل تكو مصر قد أخذت على حماس تعهدات والتزامات لتعرضها على حكومة أولمرت للبت فيها، لا سيما وأن أولمرت كان قال الأسبوع الماضي، إنه لا يعتقد بوجود فرص حقيقية للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين حتى نهاية العام، مستعيضا عن الاتفاق بالحديث عن احتمالات التوصل إلى تفاهمات تشكل أساسا للمفاوضات حول الاتفاق المنشود.

إلى ذلك يشكل التسخين على الجبهة السورية، حدثا متوقعا في استراتيجية التفاوض الإسرائيلية، التي سعت منذ أوسلو إلى فك المسارات العربية وتفكيكها إلى مسارات منفصلة عن بعضها البعض، فإذا تعثر المسار السوري- اللبناني، فإن ذلك يجب ألا يقود إلى تعثر أو تجميد على المسار الفلسطيني وبالعكس، فإذا تعثر المسار الفلسطيني، فلا يعني ذلك تجميد التحركات على المسارات الأخرى، وفي الحالة الراهنة فإن التسخين على المسار السوري يشكل أيضا رسالة للجانب الفلسطيني بأن إسرائيل قد تنشغل عنه بالمفاوضات السورية، كوسيلة ضغط لانتزاع مزيد من التنازلات من الفلسطينيين.

أما على صعيد الساحة الحزبية الإسرائيلية، فإن أولمرت، مضطر، وبسبب التعثر على المسار الفلسطيني، على فتح آفاق جديدة للعملية السلمية تصد عنه كل الاتهامات بعدم بذل الجهود اللازمة للتوصل إلى سلام مع الدول العربية، خصوصا وأن أولمرت، ولإطلاعه على ما في ملفات الحكومات الإسرائيلية السابقة، يدرك أنه لن يكون بمقدور أي من خصومه السياسيين سواء نتنياهو أو براك المزايدة عليه بشأن الانسحاب من الجولان، وتعريض أمن إسرائيل للخطر، على اعتبار أن أي اتفاق مع سوريا سيكون مبنيا على ما سبق وأن بحثه الطرفان السوري والإسرائيلي في الجولات السابقة بينهما من مدريد وحتى شيبارد- ستون. وزيادة على ذلك فإن أولمرت يؤكد أن حكومته غير منساقة وراء السياسة الأمريكية عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل ومستقبلها، والدليل على ذلك هو الاتصالات والرسائل لسوريا عبر تركيا برغم رفض الولايات المتحدة وضغطها على إسرائيل لاتجاه الابتعاد عن المسار السوري حاليا ما دامت سوريا تدور في quot;الفلك الإيرانيquot; وفق المفهوم الأمريكي.

التسخين الحالي للملف السوري، لا يعني بالضرورة الركض نحو توقيع اتفاقية السلام في الأشهر القريبة، فسوريا بانتظار أن ترعى الولايات المتحدة هذه المفاوضات، لتخرج كليا من القائمة السوداء، وإسرائيل تدرك، كما دمشق أن ذلك لن يكون قبل الانتخابات الأمريكية وبدء الرئيس القادم مزاولة أعماله في ديسمبر القادم.
في غضون ذلك يكون على أولمرت ربح الحرب على الرأي العام الإسرائيلي بشأن الانسحاب من الجولان، وانعدام خطر يهدد أمن إسرائيل من وجود السوريين على الشاطئ الشرقي والشمالي لبحيرة طبريا، فغالبية مستوطني الجولان هم من أنصار الحركة العمالية التاريخية، وقلة منهم فقط هم من المتدينين الوطنيين. وكانت المبررات الأمنية هي المبررات الرئيسية التي ساقتها إسرائيل منذ حرب حزيران، لبقائها في الجولان واستيطانه.

مستوطنو الجولان يقررون تكثيف أعمال البناء في مستوطنات الجولان

وفي سياق متصل، عقد رؤساء المستوطنات الإسرائيلية في هضبة الجولان، ظهر اليوم اجتماعا طارئا على ضوء تصريحات الرئيس السوري، بشار الأسد لصحيفة quot;الوطن القطريةquot; بشأن موافقة أولمرت على الانسحاب من الجولان، وفي أعقاب تأكيد مصادر سياسية إسرائيلية لصحة هذه التصريحات. وأعلن مجلس المستوطنات في ختام اجتماعه، جملة من القرارات أهمها quot;مواصلة البناء والتطوير في الجولان، انطلاقا من القناعة بأن كل محاولة للمس بالسيادة الإسرائيلية في الجولان هي مس خطير بأمن الدولة ومصيرها الفشل المحتوم.

وأكد رؤساء المستوطنات اليهودية أن quot;الجولان هو لإسرائيل ولن نكون مستعدين للتنازل عنه أبدا. وقال رئيس مجلس مستوطنة الجولان إيلي مالكة لموقع يديعوت أحرونوت: quot;إنه على ضوء ازدياد الأنباء في الأيام الأخيرة، فقد قررنا عقد اجتماع طارئ وأن نبقى يقظين ومتنبهين لتصريحات مشابهة في المستقبل. كما باشرنا تكثيف الاتصالات لضمان الانتهاء من تشريع قانون الاستفتاء العام في الكنيست الذي يحظى بتأييد 61 عضو كنيست والذي يفترض فيه أن يكون مكملا لقانون تكريس الجولانquot;. وكشف مالكا النقاب عن أن عددا من الوزراء في حكومة أولمرت، ومن حزب كاديما بالذات وعدوا بمعارضة أي محاولة للتوصل على تسوية في الجولان.

وعلى الرغم من ردود الفعل المتشددة التي صدرت عن مستوطني الجولان، إلا أنهم يعتقدون مع ذلك أن كل ما نشر يبقى في سياق الحرب الإعلامية، فقد سبق وأن أطلقت مثل هذه التصريحات، وحتى المباحثات الرسمية بشأن الجولان في عهد رؤساء حكومات سابقين بدءا من رابين ونتنياهو وبراك، لكنها لم تتمخض عن نتيجة ملموسة. يشار إلى أن عدد المستوطنات الإسرائيلية في الجولان يبلغ 33 مستوطنة، أما عدد المستوطنين الإسرائيليين فهو 18 ألف مستوطن.